tag icon ع ع ع

لم تغبْ النساء السوريات يومًا عن المشاركة في العمل إلى جانب الرجل، إنما أخذ هذا الدور اهتمامًا وقبولًا متفاوتين بحسب الظرف التاريخي والوضع الاقتصادي والتعليمي في البلد، وبعد الثورة السورية تسبب تردي الأوضاع الأمنية في المناطق التي تسيطر عليها فصائل المعارضة، والقصف المتواصل وسوء الأوضاع الاقتصادية، بتأطير هذا الدور وتراجعه.

ورغم انتشار عدد كبير من منظمات المجتمع المدني التي حملت في برامجها أفكار دعم دور المرأة وتعزيز مساهمتها ودورها في المجتمع، إلا أنّ هذا الدور لم يسجّل تقدمًا ملحوظًا، بل شهد تراجعًا نسبيًا، الأمر المرتبط بسيادة فكر “محافظ” في أغلب هذه المناطق، فضًلا عن تراجع الفرص، والحاجة إلى مهن معينة يمكن للمرأة من خلالها أن تعيل أسرًا.

وفي الوقت الذي ماتزال فيه معظم الطبيبات والمعلمات يمارسن أعمالهن، فقدت شريحة واسعة من النساء المتعلمات والمتخصصات في مجالات متنوعة (محاماة، هندسة، اقتصاد، علوم تطبيقية) إمكانية العمل في  مجال دراستهنّ، وتحوّلت أغلبهن إلى التدريس أو مهن أخرى.

بين الصعب والممنوع

نساء سوريّات يحافظن على أعمالهن رغم الحرب

عن التعب الذي تكابده الطبيبة إكرام، يتحدّث نَفَسها المتقطّع وكلماتها السريعة، ويرسم سواد خفيف تحت العينين ملامح مدينتها التي ما إن خرجت إلى الحرّية، حتى دفعت الثمن من حياة أبنائها وأجسادهم وهمومهم التي لا تنتهي، غير أنّ حركة صغيرة في شاشة “الإيكو” كفيلة بمنحها دافعًا آخر لتستمر في العمل، حاملةً على عاتقها مسؤوليات لا تنتهي مع نهاية اليوم، ولا تظنّ أنها يمكن أن تؤدّى على أتمّ وجه.

قابلت عنب بلدي الطبيبة إكرام حبّوش في عيادتها الصغيرة الموجودة ضمن مجمع طبي في مدينة إدلب، بعد أن فشلنا مرّات عدة في الحصول على موعد لضيق وقتها، ونظرًا لكثرة النساء اللاتي يتردّدن على العيادة، فمن الطبيعي ألا تجد وقتًا يتيح لها أن تفرج عن هموم عملها، وأن تتحدث في أمرٍ غير موعد ولادة، أو ضرورة إجراء عملية قيصرية، أو مستقبل مبهم لطفل بلا والد.

“نحن مسؤولون عن أرواح، لا مجال للخطأ في عملنا، وهذا ما يزيد الضغط علينا”، تقول الطبيبة، التي حملت مسؤوليات عدّة في وقت مبكر، فعلى الرغم من كونها حديثة التخرج، وزوجة وأم لعدة أطفال، إلّا أنها وجدت نفسها في مواجهة “واجب” مهني يفترض أن تؤديه، وفي الوقت ذاته في مواجهة مجتمع يتربص بالمرأة، وأسرة تحتاج رعاية وعناية.

وبينما ترغب أغلب النساء في مدينة إدلب، التي يسود فيها مجتمع “محافظ” نسبيًا، في اللجوء إلى طبيبة نسائية للمعاينة والكشف، إلّا أنّ أربع طبيبات نسائيات فقط، من بينهنّ الطبيبة إكرام، مازلن يمارسن عملهنّ متحديات ظروف القصف والنزوح، ومجتمع وإن لم يكن يعارض عمل المرأة بشكل كامل، إلا أنه لا يرغب بامرأة تغيب عن منزلها لوقت طويل.

“المرأة نصف المجتمع” بحسب القول السائد، وفي المناطق السورية الخاضعة لسيطرة فصائل المعارضة، تزيد المرأة عدديًا عن نصف المجتمع، بحسب إحصاءات عدّة تشير إلى تراجع عدد الذكور مقابل الإناث، وهو أمر طبيعي يرافق الحروب، ليجعل الأنظار تتوجه إلى المرأة في ضرورة زيادة نسبة التأثير والإسهام، إذ يُحسب للنساء الألمانيات عقب الحرب العالمية الثانية أنّهن بنينَ ألمانيا، ومهّدن لبلد ذي بنية مؤسساتية ضخمة واقتصاد متين.

أما في سوريا، ورغم المساعي الكثيرة لتعزيز دور المرأة، إلّا أنه مايزال دون التوقعات، فمن وجهة نظر رئيس مجلس مدينة إدلب، إسماعيل عنداني، فإنّ النساء يحجمن عن المشاركة في العديد من الأدوار سواء على المستوى المهني التخصصي أو على المستوى الإداري والحكومي.

وبالنظر إلى الأمر من وجهة نظر براغماتية، فإنّ المجتمع السوري في مناطق سيطرة المعارضة أضحى يأخذ من المرأة احتياجاته العملية ويحرمها جزءًا كبيرًا من اهتماماتها وطموحاتها، فبينما لا تزال نسبة من العاملات في المجال الطبي يمارسن مهنهنّ (طبيبات، صيدلانيات، ممرضات)، إلا أنّ غالبيّة المهندسات وخريجات الفروع التخصصية (كالاقتصاد والعلوم الطبيعية والهندسة)، تحوّلن إلى التدريس، وهو ما أكّده مدير صحّة إدلب، الطبيب منذر خليل، الذي أوضح أنّ النساء يشكلن 30% من العاملين في القطاع الصحي، وفي حال اعتبارها نسبة “جيدة” إلا أنها تفوق بأضعاف نسب مشاركة المرأة في قطاعات مهنية أخرى.

“البراغماتية المجتمعية” التي تفتح الباب للمرأة من إحدى الجهات وتغلقه من جهة أخرى، لا تبدو من وجهة نظر الطبيبة إكرام، وغيرها من النساء اللاتي قررن أن يمارسن أعمالهن رغم الحرب وفي مجتمع من القيود، أمرًا يستحقّ التوقّف من أجله، رغم كونه يشكّل عبئًا إضافيًا، إذ ترى الطبيبة أنّ دافعًا ما يجعلها تقاوم مرارًا رغبتها في التوقف عن أيّ عمل، غير أنّ حبها للتجربة وإيمانها بضرورة العطاء، دفعها لتكثيف عملها الطبي، والمشاركة بتأسيس جمعية خيرية تُعنى بكفالة الأيتام أيضًا.

نساء أخريات، تمكّنّ من التحايل على هذه النفعية، وسايرن احتياجات المجتمع العامة للوصول إلى احتياجاتهن، إذ تمكّنت المهندسة حلا الشامي، من الوصول إلى قسم المشاريع والتخطيط في أحد المجالس المحلّية في الغوطة الشرقية، بعد أن اضطرت للعمل نحو أربع سنوات في تعليم الطالبات، دون أن تفقد حلمها في العمل الهندسي، ودون أن تكترث لـ “نظرات الرجال المربكة” التي تحمل أسئلة من قبيل “ماذا تفعل فتاة هنا؟”.

وترى المهندسة حلا أن كونها فتاة تعمل في مكان يغلب عليه الذكور، يحتاج منها شخصية قوية تواجه بها الرفض المتكرر للمشاريع التي تقدمها، والتقليل من قيمة عملها “فقط لأنها فتاة”، ما يؤدي بالضرورة إلى التراجع، ويجعل فكرة العمل بحدّ ذاتها “شاقّة”.

وبينما تجمع الحرب النساء السوريات على التعب، تختار لبعضهن حياة التشرد والنزوح، ولأخريات حياة بلا قرار، فيما تفسح مجالًا ضيقًا تطلّ منه بعض النساء الراغبات بالمساهمة في أعمال لم تكد تخرج من منظومة الرجال أواخر القرن الماضي، حتى عادوا ليحتكروها من جديد عقب الثورة السورية.

“كان الله في عون النساء العاملات وغير العاملات”، تقول الطبيبة إكرام حبّوش مع تنهيدة طويلة، يختلط فيها تعب الأم وتعب المرأة العاملة، وتُظهر بأنّ ما تكابده النساء في الأراضي السورية المحررة من متاعب حياتية يرقى إلى مستوى النضال، تحت أعين مجتمع ملأها غبار الحرب، وماتزال تلاحق خطوات النساء وتحسب تحركاتهم.

حضورٌ شكلي وغياب عن التخصصات..

ماذا حل بواقع عمل المرأة في مناطق المعارضة السورية؟

فرصة لتعزيز دورها في الحياة الاقتصادية وجدتها المرأة السورية في غمار النزاع الدائر منذ العام 2011، ساعدها على ذلك تردي الأوضاع الاقتصادية في البلد وحركات النزوح الشديدة التي كسرت الأعراف والتقاليد المتبعة بالمناطق الأصلية للسوريين.

وبصرف النظر إن كانت مجبرة على العمل لتعيل عائلتها أو إن كانت مدفوعة بذلك بفكرة تمكين دور المرأة في المجتمع السوري، شهدت الحياة الاقتصادية تناميًا ملحوظًا لعمل النساء ومشاركة فعالة نادت بها جمعيات نسائية سورية منذ سنوات، تحت مسمى “جندر”.

عمل المرأة رهن وجود المنظمات

نشط في السنوات الأخيرة للحرب والنزوح عمل الجمعيات الإغاثية المحلية ومنظمات المجتمع المدني، في إطار تقديمها مساعدات مادية ومعنوية للمتضررين من النزاعات الدائرة في مناطق سورية عدة، والذين باتوا يفتقدون مقومات الحياة الأساسية.

ولتُثبت المرأة السورية قدرتها على الارتباط بحاجات المجتمع الملحّة، انخرطت في تقديم خدمات مأجورة لتلك الجمعيات، التي أصبحت تشترط في بعض وظائفها وجود شهادة جامعية لدى المرأة المتقدمة بطلب وظيفة.

ولم يقتصر عمل منظمات المجتمع المدني على مناطق سيطرة النظام السوري، بل شملت أيضًا المناطق المحررة والخاضعة لسيطرة المعارضة، ليصل عددها بالمجمل إلى ما يزيد عن 1000 منظمة تقدم خدمات اجتماعية وصحية وتعليمية، 91% منها نشَط بعد عام 2011، بحسب إحصائية، اطلعت عليها عنب بلدي، من منظمة “مواطنون لأجل سوريا”، المختصة بنشاط المنظمات السورية.

وتقدر نسبة المنظمات العاملة في مناطق تقع تحت سيطرة المعارضة 44%، وهي النسبة الأكبر مقارنة ببقية المناطق، وذلك بحسب بحث أعدته منظمة “مواطنون من أجل سوريا”، تحت عنوان “منظمات المجتمع المدني السورية.. الواقع والتحديات”.

وتأتي المنظمات العاملة خارج الحدود السورية في الدرجة الثانية بنسبة 23%، تليها المنظمات العاملة في مناطق سيطرة الحكومة بنسبة 14%، أما باقي النسبة فهي تعمل في مناطق سيطرة “الإدارة الذاتية” في المناطق الكردية.

وبذلك كسرت منظمات المجتمع المدني احتكار محافظتي دمشق وحلب، لتنتشر في كافة المحافظات السورية عدا الرقة ودير الزور الخاضعة لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”.

تعزيز دور النساء أم تقييده؟

تشير بيانات منظمة “مواطنون من أجل سوريا” إلى أن ما يزيد عن 25% من المنظمات العاملة تستهدف النساء كفئة “مستضعفة” في المجتمع، وبالتالي فإن معظم العاملين فيها هم من النساء أيضًا، كونهم الأكثر قدرة على الخوض في الحياة الاجتماعية الخاصة والاحتكاك مع النساء والأطفال.

أما في المنظمات الأخرى، فتتوازى فرص المرأة بالتوظيف إلى جانب الرجل رغم غيابها عن المشاركة في القرارات القيادية والاستراتيجية بنسبة 88%، بحسب بحث صادر عن منظمة “أنا وهي” في آذار عام 2016.

وبالتركيز على عمل المرأة في المناطق المحررة، تشير منظمات عدة لعنب بلدي، ومنها منظمة “ركين” المختصة بشؤون المرأة والطفل في مدينة إدلب، إلى أن معظم النساء العاملات في مناطق سيطرة المعارضة انخرطن في أعمال تركزت بمعظمها في المنظمات والجمعيات الإغاثية بالإضافة إلى العمل كمدرسات وممرضات.

فيما تشهد تلك المناطق غيابًا واضحًا للمرأة السورية بالأعمال المتخصصة مثل الطب والهندسة والمعلوماتية والمحاسبة وغيرها من التخصصات والمناصب الرسمية، ما يعكس البعد عن المفهوم الحقيقي لمعنى الجندرة.

ضوابط مازالت تحكم.. و”تقصير” من المرأة

غياب ملحوظ لدور المرأة عن الحياة السياسية تشهده مناطق سيطرة المعارضة، بحسب ما قال رئيس مجلس مدينة إدلب، إسماعيل عنداني، لعنب بلدي، مؤكدًا غيابها أيضًا عن المهن التخصصية مثل الطب والمحاسبة والهندسة.

وأضاف “يوجد تقصير من الطرفين، من المرأة نفسها ومن الجهات الرسمية”، وتابع “نحن بحاجة لعمل المرأة التخصصي، نحن بحاجة الطبيبة والمهندسة والمربية ولكن يوجد ترتيبات وضوابط أخلاقية ودينية معينة لذلك”.

وأوضح عنداني أن مجلس المدينة فتح المجال أمام مشاركة المرأة في الانتخابات التشكيلية للمجلس، والتي عُقدت في كانون الثاني الماضي، إلا أن النساء “أحجمن” بالكامل عن الترشح والانتخاب، وسط غياب التشجيع على الخوض في الحياة السياسية.

وبهذا الصدد استحدث مجلس مدينة إدلب، عقب الانتخابات، مكتبًا جديدًا لتفيعل دور المرأة  تحت اسم “مكتب دعم المرأة”، والهدف منه تمثيلها في الدوائر والمؤسسات التابعة لمجلس المدينة، حسبما قال إسماعيل عنداني.

ورغم الانفتاح “الخجول” على عمل المرأة في المناطق المحررة، إلا أن العادات والتقاليد مازالت تحكم إمكانية خوضها مجالات أكثر تخصصًا وتسليمها مناصب قيادية تخولها اتخاذ القرارات.

وهو ما أشارت إليه ندى سميع، مديرة منظمة “بارقة أمل”، المختصة بشؤون المرأة في إدلب، بقولها إن المرأة في المناطق المحررة “يجب أن تعمل في كل المجالات ولكن ضمن العادات والتقاليد السائدة وضمن الضوابط الشرعية والأخلاقية”.

“المرأة الحضارية” بعيون حكومة النظام

في سعيه لنقل صورة حضارية عن أماكن سيطرته، فتح النظام السوري آفاقًا جديدة أمام عمل المرأة، مبينًا أدوارًا مختلفة لها في الحياة الاجتماعية والسياسية من خلال تعيينه هدية خلف عباس رئيسة لمجلس الشعب، لتصبح أول امرأة تترأس البرلمان في تاريخ سوريا.

وأسهمت الظروف الأمنية في دخول النساء مجالات عمل جديدة كانت مقتصرة على الرجال، مثل العمل في المطاعم والبيع على العربات المتجولة وغيرها من المهن الإدراية والرسمية المتخصصة.

إلا أن الواقع الذي آل إليه المجتمع السوري هو ازدياد أعداد الإناث، لتبلغ 65% من مجمل فئات المجتمع، ورغبة الشركات والمؤسسات بالاستقرار عبر توظيف النساء بدلًا من الرجال تجنبًا لـ “الخدمة الإلزامية” المفروضة على الذكور وما يترتب عليها من سفر الشباب خارج البلاد أو الالتحاق بالجيش.

ومع ذلك تركز عمل شريحة كبيرة من النساء في مناطق النظام على مهنة التعليم، إذ أظهرت نتائج مسابقة انتقاء معلمي صف من طلاب كلية التربية تفوّقًا نسائيًا ملحوظًا، وتوجهًا لافتًا لدخولهنّ مجال التدريس، إذ كان نصيب العاصمة دمشق من خريجات كلية التربية قسم “معلّم صف” 89 %، بينما كان نصيب محافظة حمص مثلًا 85% من المعلّمات، حسب بيانات وزارة التعليم العالي.

استثناءات أبرزت دور المرأة “الخجول”

لا تخلو المناطق المحررة من أدوار قيادية بارزة للمرأة السورية، تجلت بشكل واضح في المجلس المحلي لمدينة دوما بتعيينه بيان ريحان رئيسًا لمكتب المرأة، وهي البادرة الأولى من نوعها مقارنة بالمجالس المحلية في المناطق الأخرى.

وفي حديثها لعنب بلدي، قالت ريحان إن عمل النساء في المناطق المحررة لم يتراجع بل “تقوقع” في مجالات محددة هي القطاع التعليمي والطبي وقطاع المنظمات، مع غياب دروها “الفعّال” في الحياة السياسية بشكل كامل.

وأضافت أن عمل المرأة في غوطة دمشق “تأطر في مجال التدريس”، وتابعت “حتى خريجات كلية التجارة والاقتصاد يعملن كمدرسات في المدراس”.

وأرجعت ريحان سبب تغيب المرأة عن الحياة السياسية إلى غياب مؤهلاتها في هذا المجال وعدم تجرؤها على كسر القواعد التي تحد من عملها في المناصب الرسمية.

ولم يخفَ دور المرأة السورية في مجال الإعلام عقب اندلاع الثورة السورية، إذ برزت أسماء العديد من الصحفيات في المناطق المحررة والتي شهدت إقبالًا من قبل الإناث بحسب ما قالت سوسن السعيد، عضو مجلس الإدارة في منظمة “بارقة الأمل” لعنب بلدي.

وأضافت السعيد “هناك صحفيات كثيرات دخلن مجال الإعلام بنسبة فاقت الذكور، كونهن أكثر قدرة على الدخول في خبايا الحياة الاجتماعية”.

كما شهد فريق “الدفاع المدني السوري” مشاركة من قبل النساء في مجال التمريض وإسعاف الجرحى، ووصل عدد المتطوعات في المناطق المحررة إلى نحو 200 من أصل 3000 متطوّع، أي ما يعادل 6.6% من إجمالي عدد المتطوعين.

النوع الاجتماعي (الجندر)

يطلق مصطلح النوع الاجتماعي (الجندر) على العلاقات والأدوار الاجتماعية والقيم التي يحددها المجتمع لكل من الجنسين (الرجال والنساء)، وتتغير هذه الأدوار والعلاقات والقيم وفقًا لتغير المكان والزمان، وذلك لتداخلها وتشابكها مع العلاقات الاجتماعية الاخرى مثل الدين، الطبقة الاجتماعية، العرق وغيرها.

و”الجندر” هو مفهوم حديث نسبيًا، إذ ظهر في ثمانينيات القرن الماضي كمصطلح بارز استخدم في قاموس الحركات النسوية، في أمريكا الشمالية بدايةً ومن ثم في أوروبا الغربية عام 1988.

ويختلف “النوع الاجتماعي” عن مفهوم المساواة بين المرأة والرجل، بل يهدف إلى تعزيز دور المرأة بما يتناسب مع إمكانياتها وقدرتها على المساهمة في مجال معين، والتواجد في مكان معيّن، وليس لخلق حالة من التنافس على الأدوار بينها وبين الرجل.

وتدعو “الجندرة” وفق اتفاقية “القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة”، والموقعة عام 1979، إلى تغيير الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على الاعتقاد بكون أي من الجنسين أدنى أو أعلى من الآخر، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.

كما تشير إلى ضرورة تعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة، بهدف تحقيق القضاء على التحيزات والعادات العرفية وكل الممارسات الأخرى القائمة على فكرة دونية أو تفوق أحد الجنسين، أو على أدوار نمطية للرجل والمرأة.

في سوريا، يعدّ مصطلح “جندر” أو “جندرة”، من المصطلحات حديثة التداول، ويمكن الربط بين انتشاره وتزايد عدد منظمات المجتمع المدني المحلية والعالمية التي أخذت بالانتشار عقب الثورة السورية.

كما ارتبط انتشار المصطلح بالحاجة إلى تعزيز دور المرأة في ظل تردّي الأوضاع الأمنية في سوريا، والميل في بعض المناطق إلى أنماط من التشدد الديني تمنع المرأة عن المشاركة في أدوار اجتماعية عدّة، وأنماط عمل مختلفة، فضلًا عن الحاجة لتمكينها من أجل مساهمة اجتماعية أكبر في مرحلة ما بعد الحرب.

46% يؤكدون وجود شحّ في فرص العمل أمام المرأة السورية

كيف ينظر المدنيون في سوريا إلى عمل المرأة؟ 

يدور الإجماع في الأراضي السورية الخاضعة لسيطرة المعارضة حول تراجع فرص العمل أمام المرأة، فيما يكمن جوهر الاختلاف بين مؤيد لعمل المرأة ورافض له وفقًا لاعتبارات مختلفة، أو يدور الخلاف حول الاختصاصات التي يمكن للمرأة أن تعمل بها وتقدّم مساهمات من خلالها.

في استطلاع للرأي أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني، تبّين أنّ أغلب المشاركين الذين وصل عددهم إلى 170، يرون أنّ المرأة في الأراضي التي تسيطر عليها المعارضة لا تأخذ حقها في فرص العمل، بينما يجد 29% أنها تأخذ فرصها.

كما أجرت عنب بلدي استطلاعًا مصورًا لعدد من المدنيين ذوي المهن والاختصاصات المختلفة حول نسب فرص العمل وتفاوتها قبل اندلاع الثورة السورية وبعدها، فضلًا عن أهم المعوقات التي تحول دون عمل المرأة، وأكثر المهن التي ماتزال تستقطب اليد العاملة النسائية.

قبل الثورة وبعدها

يرى أغلب المستطلعة آراؤهم أنّ فرص العمل تراجعت بشكل كبير بعد اندلاع الثورة السورية، مقارنة مع الفترة التي سبقت العام 2011 والتي شهدت انتعاشًا نسبيًا في سوق العمل، وتنوّع الفرص بين القطاعين الخاص والعام.

إذ يرى الصيدلاني يحيى نعمة، وهو من أبناء مدينة إدلب، أن فرص العمل أمام المرأة تراجعت بسبب الظروف التي تلت اندلاع الثورة، ومنها القصف وما تتعرض له النساء من مخاطر نتيجة توتر الأوضاع الأمنية في ظل الحرب.

بينما ترجع نيرمين خليفة، مديرة رابطة المرأة المتعلمة في إدلب، سبب تناقص فرص عمل النساء بالمقارنة مع فترة ما قبل الثورة إلى غياب المؤسسات والدوائر التي كانت توفر مكانًا مناسبًا لعمل النساء المتخصصات في جوانب مختلفة، مؤكّدة أن “تدمير البنية المؤسساتية” أثر بشكل كبير على عمل المرأة.

العرف والضوابط الشرعية

يؤكّد المهندس أمين بدران، وهو أحد سكان الغوطة الشرقية، أنّ “عرف المجتمع” هو ما يمكن أن يحدّد نوع عمل المرأة بقبوله لاختصاصات ورفضه لأخرى.
بينما تشير مديرة مكتب التعليم في منظمة “بارقة أمل” في إدلب، رضاء سميع، إلى أنّ المرأة يمكن أن تعمل في كافة المجالات في حال راعت “الضوابط الشرعية”، إذ “يمكن للمهندسة ألا تخرج لمكان عمل تختلط فيه بالرجال، إنما يمكن أن تخدم منزلها بتمديد الكهرباء له”.

طبيبة أو معلمة

القاضي راتب الرز، الذي يعيش في الغوطة الشرقية، يوضح لعنب بلدي أنّ مهنة المحاماة فقدت النساء بشكل كامل في المناطق السورية التي تسيطر عليها المعارضة، كما لم يعد هناك وجود للقاضيات، مشيرًا إلى أنّه يؤيّد الأمر كون المرأة يجب أن تعمل في المجال الطبي والتعليمي، أما في القضاء فـ “ما أفلح قومٌ ولّوا أمرهم امرأة”.

فيما يرى الصيدلاني يحيى نعمة، أنّ محاولات النساء ماتزال “خجولة” في طريق العمل المؤسساتي، في حين يكاد دور المرأة في المجالات الطبية لا ينقص عن دور الرجل.

 فقدان “النضج والمرجعيات السياسية” يقيّدان عمل المرأة

لقاء مع وزيرة الثقافة والأسرة سابقًا في الحكومة المؤقتة سماح هدايا

وصفت وزيرة الثقافة والأسرة سابقًا في الحكومة السورية المؤقتة، سماح هدايا، عمل المرأة في المناطق المحررة بأنه “مشاركة شكلية” وقالت، في حديثها لعنب بلدي، إن المرأة هناك “قادرة على الإمساك بزمام الأمور ولعب دور قيادي، إلا أن آلية صنع القرار دائمًا تكون غير مرتبطة فيها”.

ورغم تأكيدها على أهمية الدور الذي تلعبه المرأة في القطاعات الصحية والتعليمية والمنظماتية، إلا أنها ترفض تحجيم هذا الدور وتأطيره بعيدًا عن التخصصات، بقولها “إذا كانت المرأة لا تشارك بقيادات العمل فإن عملها يبقى شكليًا”.

“عقليّة” القيادات تسيطر

وانتقدت هدايا القيادات المسؤولة عن الحياة المدنية والاجتماعية في المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة بوصفها قيادات “رجعية وغير متطورة”، معتبرةً أنها لم تتح المجال أمام المرأة لممارسة عمل “حقيقي وفاعل” يتناسب مع قدراتها ومؤهلاتها.

وتشير معظم المنظمات التي التقتها عنب بلدي في مدينة إدلب وغوطة دمشق إلى وجود نساء جامعيات يعملن في غير تخصصاتهن، ومنهن وسام معري، مديرة مكتب الأيتام في منظمة “ركين” بإدلب، وهي خريجة كلية الهندسة المدنية إلا أنها لم تجد فرصة للعمل في مجالها فانضمت إلى المنظمة.

وطالبت الوزيرة السابقة، سماح هدايا، بوضع المرأة السورية بمكانها المناسب حسب تخصصها ومؤهلاتها، بعيدًا عن ضوابط العادات والتقاليد التي تفرضها القيادات في مناطق المعارضة، على حد قولها.

“حماية المرأة فكريًا قبل حمايتها جسديًا”

“انخراط المرأة في جمعيات نسائية رسمية مهمتها قيادة عملية التغيير الفاعل وليس الشكلي” اعتبرته سماح هدايا الحل الأول على طريق تعزيز الدور الفاعل للمرأة في مناطق المعارضة.

ودعت هدايا القيادات المدنية الحاكمة إلى اعتماد عقلية “ناضجة” ومرجعية سياسية تؤمن بعمل المرأة وتعطي جميع فئات المجتمع حقوقها ضمن إطار العدالة الاجتماعية.

كما طالبت بتفعيل دور المثقفات القادرات على الإمساك بزمام الأمور، وأضافت “يجب صقل مهارات المرأة المتخصصة وتأهيلها للعمل في مجالها لتتمكن من المشاركة الفعالة في الحياة السياسية والاجتماعية والإدارية”.

وعن توعية المرأة، شددت هدايا على ضرورة اتباع أساليب جديدة بعيدًا عن “التوعية الجنسية” التي باتت تخيف المرأة أكثر من أن تحميها، مشيرةً إلى أهمية حماية المرأة “عقليًا وفكريًا قبل حمايتها جسديًا”، وتفعيل دورها القيادي في المجتمع “المدمّر”.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.

مقالات متعلقة