نحن وتركيا
محمد رشدي شربجي
كنت قد كتبت هذا المقال مركزًا على علاقتنا كسوريين بتركيا، التي بات رئيسها وتصريحاته مادة يومية في الإعلام العالمي على مدى السنوات الماضية، وهو مناسب أيضًا، ولو بدرجة أقل، لعلاقتنا مع قطر التي يبدو أن حملة منسقة بين عدة دول بدأت للتو بغية محاصرتها هي الأخرى.
هناك من ينتقد تركيا لعداء أيديولوجي بحت مع الإسلام أو الإسلاميين (والتفريق بينهما مهم)، عند هؤلاء افتراض راسخ أن أردوغان هو إسلامي متستر بالعلمانية، والبعض وصل معه الحال إلى القول بأنه إخوان حتى! وأنه ينتظر اللحظة المناسبة حتى يعلن الخلافة الإسلامية ويبدأ بغزو الكوكب. لا يكفي هؤلاء طبعًا ما رأوه من تمزق أقطار الربيع العربي بسبب صراع الأيديولوجيات السخيف هذا، بل يريدون أن يعم الخراب دول الإقليم كافة.
وهناك من ينتقد تركيا لأنه ضد الربيع العربي مطلقًا، وهنا يأتي انتقاد تركيا في إطار ثورة مضادة تجتمع فيها قوى الأنظمة السابقة و مدعومة من قوى عالمية، على رأسها روسيا (التي تفاخرت مرارًا بأنها أوقفت بجيشها امتداد الربيع العربي) لمحاصرة الثورات العربية وداعميها، والمراقب لفريق المهاجمين الدائمين للدور التركي، يجد أن أعداء الثورات غالبًا ما يلعبون دورًا أساسيًا داخله.
وهناك أخيرًا من ينتقد تركيا لأنها تستحق الانتقاد فعلًا، فالسياسة التركية في سوريا سياسة فاشلة، وأضرت بنا وبهم على حد سواء، وملف الدولة في حقوق الإنسان في تراجع مستمر للأسف، ولا يمكن إنكار تعظم الذات عند أردوغان وجنوحه أكثر فأكثر نحو الديكتاتورية وتثبيت السلطات في يده، وغيره مما هو معلوم.
لعكس الأسباب الثلاثة السابقة: القناعة بأن أردوغان إسلامي متخفّ، تأييد للربيع العربي، وديمقراطية تركيا واستقبالها للاجئين بحد أدنى من الكرامة، هناك من يمتدح تركيا ليلًا نهارًا ويشيد برئيسها وإنجازاته وقوته، وكأنه رئيسه الشخصي وليس رئيس دولة مجاورة.
على المستوى الشخصي أنا أحب تركيا، هم أناس يشبهوننا وأتمنى لهذا البلد الذي استقبلنا كل الخير، وقناعتي للأسف أن تركيا ماضية في طريق خاطئ مجرب في عدة دول وهو طريق لا يبشر بخير، وحبي لهذا البلد هو رد لجميل ودين ثقيل تحمله الشعب التركي بالنيابة عنا، وأعتقد جازمًا أن الحملة العالمية على أخطاء أردوغان في وقت يوجد فيه أمثال بشار الأسد وعبد الفتاح السيسي ليس بريئًا، وهي تأتي في إطار حملة عالمية تافهة لمكافحة “الإرهاب” ترى أن المشكلة اليوم هي أبو بكر البغدادي وليس نظاما الأسد ونوري المالكي.
ولكن أيًا كان موقفك يا أخي السوري الجميل المشغول بتعداد ميزات أردوغان أو المنزعج من إغلاق السلطات التركية لموقع “ويكيبيديا”، إياك أن تنسى أننا من سوريا المسالخ، سوريا الكيماوي، سوريا صيدنايا التي تحرق فيها جثث المساجين بعد سلخهم، حيث تتساقط البراميل على المدنيين أكثر من المطر، حيث يرعى المجتمع الدولي تهجيرًا منظمًا للسوريين عن أرضهم ثم يأتي من يفجرهم في حافلات فوق ذلك. انتقد كيفما شئت وأيّد كيفما شئت، لكن إياك أن تنسى أن ذلك السفاح القاطن في حي المهاجرين هو أصل مصيبتنا وعلّة الكوكب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :