عنب بلدي – العدد 102 – الأحد 2/2/2014
بعد ثلاثة أيام من زيارة السيدة أم خالد لابنها في سجن صيدنايا، تمكنت من الحديث، وقالت «يمكن اللي شفته ابني، هيك نادوا اسمه، عرفته من وحمة عخده، أما اللي شفته كان هيكل عظمي، خلصت الزيارة وما قدر يرفع ظهره، من كتر مو منحني، وفاقد كل وزنه وصحته، والزيارة ما بتوصل لـ 5 دقايق، وبيننا شبكين، المسافة بينهما متر، وعسكريين واقفين جنبه، وعسكري جنبي، وعسكري يتحرك بالممر بيننا، وممنوع يحكي غير سلام وتأكيد أنو وضعه بخير، وممنوع يلمّح بإشارة أو يصدر أي حركة أو يخبرني مين قاعد معه من رفقاته، أو إذا انعرض ع القاضي أو لاء، وبآخر الزيارة المليانة دموع وقهر وذل ودعس لكرامته وكرامتي، طلب مني أنو ما بقى أزوره، وعرفت لما طلعت أنو المساجين بيتعرضوا للضرب والتعذيب لما يرجعوا من الزيارة، وسمحوا لي أدخل له تياب، ولكن ما سمحوا بإدخال مصاري، مع أنو قانونًا مسموح إدخال مبلغ حتى 5 آلاف ليرة سورية كحد أقصى».
خالد (25 عامًا) طالب في كلية العلوم، تم اعتقاله من قرابة سنتين، بتهمة مشاركته في إحدى تظاهرات الطلبة في الجامعة، قضى سنة في فرع الجوية، ثم تم تحويله إلى سجن عدرا المركزي (إيداع لصالح المحكمة الميدانية الأولى)، بقي في عدرا ما يقارب سبعة أشهر، ثم تم تحويله إلى سجن صيدنايا المركزي، دونما أن يُعرض أمام محكمة حتى الآن.
تتنقل الأم من محكمة لأخرى، وقد كررت طلب البحث عن ابنها عدة مرات، بين الشرطة العسكرية (القابون) والقضاء العسكري (المزة)، والمقر الجديد للمحكمة الميدانية في مركز التدريب الجامعي (المزة)، وفي كل مرة كانت تتلقى من الشتائم من عناصر الأمن والعاملين هناك، ما يزيد عليها مشقة بحثها عن ابنها «الإرهابي».
طالبت السيدة أم خالد بمقابلة وزير العدل في مكتبه، وحصل ذلك، ولكنه أكد لها أنه لا علاقة لهم كوزارة بالمحكمة الميدانية، وأنها من اختصاص النائب العام (محمد حسن كنجو)، والذي رفض الأخير طلبها بمقابلته عدة مرات، مع تلقيها الشتائم الكثيرة من مدير مكتبه، «الحجة» كما يطلقون عليه هذا الاسم، ومنذ عدة أيام تم ترفيع «كنجو» من رتبة عميد إلى لواء ولم يعد هو المسؤول عن المحكمة الميدانية، وعندما سألت أم خالد عن النائب العام الجديد، أخبرها «الحجة» أن النائب الجديد في إجازة، لم يتسلم مهامه بعد، ريثما يتم تجهيز مكتب له، وأن طلب الزيارة إلى سجن صيدنايا أصبح من الشرطة العسكرية (القابون) مباشرة، دونما المرور بالقضاء العسكري (المزة)، وزاد ألمها بعبارته «ابنك أكيد عايش… لو كان ميت كانوا اتصلوا وخبروكي تجي تاخدي هويته وأغراضه… الدولة مالها خجلانة من حدا .. ومع ذلك قدمي طلب أنو ابنك مفقود، وخذيه ع الشرطة العسكرية، وهنيك بشوفو اسم ابنك بسجلات الأموات.
وعند سؤالنا أحد المحامين العاملين في شؤون المعتقلين السوريين عن المحكمة الميدانية أخبرنا بأن «هذه المحكمة عسكرية تجري جلساتها بشكل سرّي وتصدر أحكامها مبرمة غير قابلة للطعن فيها، حيث تصدر الأحكام عنها للتنفيذ بعد تصديقها من قبل رئيس الجمهورية بالنسبة للأحكام الصادرة بالإعدام، ومن قبل وزير الدفاع بالنسبة للأحكام الصادرة بالحبس، ويحق لرئيس الجمهورية فقط تخفيض العقوبة كليًا أو جزئيًا بالنسبة للأحكام الصادرة بالإعدام، كما يحق لوزير الدفاع فقط تخفيض العقوبة كليًا أو جزئيًا بالنسبة للأحكام الصادرة بالحبس، ويُمنع على المحامي منعًا باتًا مراجعتها أو التوكل عن أي شخص يحاكم أمامها، إذ ُيحال إليها الأشخاص بقرار من وزير الدفاع استنادًا لاقتراحات من الأجهزة الأمنية، فغالبًا ما يُحال إليها الأشخاص المتهمون بالتعامل مع جهات أجنبية ومع العدو الإسرائيلي، حيث لا تتقيد هذه المحكمة بأي أصول أو إجراءات وهي تخضع لمزاج رئيسها.»
وتضيف أم خالد «حتى موظفو المحاكم التي كنت أقصدها، وكل من كان يصادفني كان يزيد خوفي من هذه المحكمة بعبارتهم: ليش شو عامل ابنك حتى محولينه ع هي المحكمة، كتير صعبة وعم يعدموا ناس كتير فيها وما بتصدر أحكام إلا وقت الحرب، على حد تعبير (الحجة)».
ويبقى حال أم خالد كحال كل أمهات وزوجات وأهالي المعتقلين، الملتاعين بين أروقة المحاكم والقصر العدلي والقضاء العسكري والأفرع الأمنية، باحثين عن قائمة تضم اسم معتقلهم بين المفرج عنهم، أو حتى ليس في قائمة الميتين على أقل تقدير.