عنب بلدي – العدد 102 – الأحد 2/2/2014
وراء كل أسرة سورية قصة اجتماعية وإنسانية تحمل في طياتها أحلامًا وآمالًا عقد عليها الزوجان مستقبلهما، ولعل أهمّها أطفالهما. ورغم المعاناة التي يمر بها السوريون، واللاجئون منهم على وجه الخصوص، فإن إصرارهم على استمرار الحياة لا يزال جليًا، فمنهم من تزوج حديثًا متحديًا الأوضاع الصعبة ومدفوعًا لبناء أسرة صغيرة تعوضه ما فقده في بلاده، ومنهم من لا يزال يحلم بطفل يضيف إلى حياتهم نبضًا جديدًا ملؤه الأمل.
جهاد شاب سوري في الثلاثينات من عمره، تزوج قبل سبع سنوات، ولطالما حلم وزوجته ببناء أسرة مثالية، إلا أن انتظارهما طال، وما إن بدأ حلمهما بالتحقق حتى أجبرتهما الأوضاع الأمنية وتعرض مدينتهما بريف دمشق للقصف والحصار على النزوح والانتقال للإقامة في لبنان. وهناك، وبعيدًا عن وطنه، كان حمل زوجة جهاد هدية ومواساة لهما في غربتهما.
ومع الفرحة يأتي تأمين نفقات الولادة ليضع ضغوطًا مادية إضافية ويزيد الصعوبات أمام الأسرة، فتغطية تكاليف الولادة تشكل الصعوبة الأكبر التي تواجه الأسر اللاجئة التي تنتظر مولودها. وحسبما يقول جهاد فإن تكاليف الطبابة والعلاج الذي تحتاجه الأم ووليدها بعد الولادة مرتفعة جدًا في لبنان مقارنة بتلك في سوريا، وتبلغ ما بين 1000-1200 دولار على أقل تقدير، مالم تكن الأم مسجلة في الأمم المتحدة، التي تقدم حسمًا يصل حد الـ 70%. لذا يشكل العامل المادي واحدًا من أسباب عدة يدفع بعشرات العوائل السورية في بلاد اللجوء للتوجه إلى سوريا لإجراء عملية الولادة. فتكلفة الولادة في سوريا لم تتجاوز 200 دولار، كما ذكر جهاد.
من جهة أخرى فإن الإجراءات القانونية لتسجيل المولود الجديد تعتبر أحد الأسباب الرئيسية التي تدفع بالزوجين لاختيار سوريا مكانًا للولادة. فتسجيل المولود لأبوين سوريين، في لبنان مثلًا، يحتاج لإجراءات معقدة ما بين الأمم المتحدة والأمن العام اللبناني والسفارة السورية، وهو ما يستهلك وقتًا وجهدًا كبيرًا، ناهيك عن التكلفة المالية لكل تلك المعاملات؛ بينما في سوريا يسجل المولود بشكل نظامي وتلقائي وبتكاليف أقل، وتسهل عملية الحصول على إخراج القيد ومن ثم جواز السفر، إلا أن ذلك يترافق بمخاطر أمنية كبيرة قد تتعرض لها الأم. كل ذلك، إضافة إلى أسباب نفسية دفعت بجهاد وزوجته إلى المغامرة بالعودة إلى سوريا من أجل الولادة، يقول جهاد: «لا أريد لابنتي أن تحمل في هويتها اسم البلد الذي نلجأ إليه في ظرف استثنائي من تاريخ بلدنا»، ويضيف «لا أريد لها أن تحمل ذكرى هذه الأيام العصيبة».
أما آيات التي وضعت مولودها قبل أيام، فقد فضلت الولادة في لبنان تجنبًا للمخاطرة والأوضاع الأمنية غير المستقرة، وذلك رغم إقرارها بصعوبة تأمين نفقات العلاج والأدوية، إذ يصل سعر علبة الفيتامين في لبنان إلى مبلغ يقدر بـ 5000 ليرة سورية، وتكلف مراجعة الطبيبة المختصة ما يقارب الـ 3000 ليرة سورية، لكنها رغم ذلك تقول: «إن سلامتي وسلامة ابنتي هو أهم شيء بالنسبة إليّ وإلى زوجي».
وتضيف آيات إن الأسباب التي تدفع الناس للمخاطرة والعودة إلى سوريا من أجل الولادة لا تقتصر على الدوافع المادية فحسب، بل إن إجراءات التسجيل في لبنان التي تتطلب الكثير من الأوراق وتحتاج إلى وقت طويل لإتمامها تلعب دورًا في قرار البعض بالتوجه إلى سوريا.
قرار مشابه اتخذه عماد وزوجته، الذين لم يمض على زواجهما عام، وهما الآن ينتظران قدوم مولودهما الأول؛ فرغم الأوضاع المادية الصعبة التي يعيشانها، إلا أنهما فضلا إجراء الولادة في لبنان، وتحمل تكاليفها المرتفعة على المخاطرة بالعودة إلى سوريا، فزوجة عماد سبق وأن اعتقلت على خلفية نشاطها الثوري، وهي تخشى أن يكون اسمها موجودًا على الحدود. ويضيف عماد: «لا أريد أن أكون بعيدًا عن زوجتي عندما تضع مولودنا الأول، وهي بأمس الحاجة إلي في هذا الوقت».
وبينما ينتظر عماد طفله الأول، تنتظره صعوبات تسجيل المولود في لبنان، إذ «تستغرق عملية التسجيل والحصول على جواز سفر مدةً تتراوح بين 6-9 أشهر»، فكل ما تعطيه السفارة السورية في لبنان للعائلة بيان عائلي يدرج فيه المولود الجديد.