جريدة عنب بلدي – العدد 17 – الأحد – 27-5-2012
بقلم: العتيق – حُمص
تحدّثت في الأسبوع الماضي مع إحدى الأخوات الفاضلات من الأراضي الفلسطينية عبر شبكة الإنترنت، وكان موضوع النقاش هو «السائد» من أفكارٍ وممارساتٍ اجتماعية منتشرة في بلادنا العربية، وأقصد ذلك المزيج من أعراف بالية وتقاليد آبائية ما أنزل الله بها من سلطان، تعيق التقدم الحقيقي، لما تحويه من قناعاتٍ سلبية وتحجيم كبير للفرد والمجتمع، ومحاولة قولبة المرء بقوالب مسبقة الصنع، تنتِج مجتمعًا نمطيًا يُختزل بعدّة شخصيات فقط.
من هذا «السائد» المعايير المعتمدة عرفيًا في إختيار شريك العمر لكلٍ من الطرفين: الذكر والأنثى.
وتعرف معايير الآباء بإختلافها بين بلد وآخر، بل ربما ضمن نفس البلدة، بين عائلة وأخرى، وتشترك في عدم منطقيتها أو انعدام صلتها بالدين أو بالعلم، من قريبٍ أو من بعيد. كأن تمنع العشيرة أبنائها من الإرتباط بأحدٍ من خارجها، وتتوعد لمن يخالف ذلك بالويل والثبور، (يقال) حتى لا تنتقل أموال العشيرة إلى خارجها (في حال زواج الشاب)، أو كي لا ينقص نسلها (في حال زواج البنت)!!.
وتعارض معظم الأعراف الزيجات غير النمطية، لأن المجتمع بطبيعته يميل إلى تقديس التشابه ودعمه، وإلى نبذ الإختلاف ووأده، كزواج الرجل من إمرأةٍ تكبره سنًا، أو تختلف عنه في الوضع الإجتماعي أو المادي، حتى لو كان التفاهم والحب هو الرابط الوثيق في أمثال هذه العلاقات، فالمجتمع يحرجه غير النمطي وغير التقليدي، الذي يقول له: معاييرك لا تناسب الجميع، بل هي تكاد لا تستحق أن تكون السائد، فهذا طعنٌ بالآباء وعقولهم وطرق معيشتهم، وهذا أشدُّ حرامًا من الطعن في الدين، لذا جاء الدين ليهدم طريقة التفكير المبنية على قداسة الآباء.
وتبنى معايير المجتمع بطريقة ماديّة بشعة، قائمة على مزيج من مفاهيم الرياضيات: الأكبر والأصغر، الأطول والأقصر، والأشكال الهندسية المختلفة (المدوّر والمثلّث …) وتستخدم السنتيمتر كوحدة قياس، بالإضافة إلى قداسة النسب والعائلة، ثم أخيرًا يتم ملئ النموذج المثالي بالألوان المناسبة التي ترضي الذوق العام، ويغلّف ذلك كله بالحديث عن الدين والأخلاق والعلم!!
وهذه المعايير تتعامل مع المرأة على أنها «شيءٌ» مادي، ينظر إلى مواصفاته الفنيّة والتعبويّة، وليس على أساس أنها «إنسان» لديه من الأفكار والمشاعر ما يستحق النظر، ومن المؤسف أن هذه النظرة توجهها المرأة إلى نفسها وإلى غيرها من بنات جنسها، وهذا ما يفسّر الإقبال الكبير على عيادات التجميل، ومستحضرات البشرة، وطرق التنعيم والتكبير والشد والتجميل، وإعتناء المرأة الزايد بشكلها الخارجي، وذلك لإدراكها الباطن بأن قيمتها تكمن في مظهرها مهما ادّعت خلاف ذلك.
وتشمل المعايير أيضًا الحديث عن «السن المناسب» للزواج، بدلًا من «الشخص المناسب».
وكثيرًا ما تدّعي الأسر المحافظة اهتمامها الأول بالدين والأخلاق، لكن قليلًا من التأمل بتجارب الزواج داخلها نجد أن كل ماسبق موجود بنسبةٍ أو بأخرى، تحت هذا الإسم أو ذاك.
ولا ننسى أيضًا المهور وتكاليف الحفلات والجهاز ووو …
كيف الخلاص من كل هذا الركام المتهافت من المعايير الإجتماعية البالية؟
يجب أن نوقن بأن التغيير في المجتمع لا يتم لأن الناس تدرك الحقيقة، وتقرّ بالخطأ، ثم تتلمس الطريق القويم. بل يتم التغيير على أيدي الإستثنائيين من أبناء المجتمع الذين يتحررون من كل سلطان من دون الله، كالشائع والشهير والعرف وغير ذلك، أولئك الأشخاص الذين نشعر بغرابتهم وتفردهم وتغريدهم خارج السرب (وكلها مفردات منبوذة اجتماعيًا).
فها هو معلمنا عليه الصلاة والسلام يتزوج من زوجة دعيّه ليكسر نمطًا اجتماعيًا راسخًا في بيئته، رغم أن الله أنزل نصًا قرآنيًا في ذلك، لكن طبيعة البشر أنها لا تستجيب غالبًا للمجرّد والنظري، بل لا بد من التمرّد العملي على هذه المعايير والآبائيات وتحطيمها بالضربة القاضية دون رجعة.
على كل واحدٍ منّا -كشباب ثوريٍ واعٍ ومثقف- أن يحمل هم تحطيم واحدٍ على الأقل من الأصنام الإجتماعية كثيرة الإنتشار والتقديس، أما الحديث القرآني والكلام المنطقي والتوعية لن تفيد طالما مازلنا نخشى التمرد ومخالفة الآباء.
يقول تعالى {إِنْ هِيَ إِلَّا أَسْمَاءٌ سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الْأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى}
ويقول عليه الصلاة والسلام: بدأ الدين غريبًا وسيعود غريبًا فطوبى للغرباء، وأثر عن أحد الفلاسفة الكبار قوله : اخدموا غرابتكم.