لأننا نستحق الأفضل

  • 2012/05/27
  • 8:33 ص

حنين النقري – دوما

إحدى طرق المستبد لتمكين أركان ظلمه على الأرض، هي إشاعة الظلم بين الناس، فظلم الناس بعضهم بعضًا، وظلمهم أنفسهم، يجعل تقييمهم الذاتي لأنفسهم متدنٍّ، يمنعهم من الثورة على ظلم الحاكم لأنهم لا يرون أنفسهم أهلًا لهذه الثورة، ويخلصون إلى نتيجة أنهم لا يستحقّون حاكمًا أفضل، لأنهم ليسوا بأفضل منه، وأن الطريق إلى العدل يبدأ بإصلاح النفس، عندها سيتغير الحال تلقائيا…

لطالما صُوّر لنا الوضع على هذا النحو.. لطالما آمنّا أن التغيير سيبدأ من النفس، أليس كذلك؟

ولا زال هذا الكلام مصيبًا، وأول تغيير يفترض أن يكون: هو إرادة التغيير..

لن يكون التغيير بزيادة عدد الركعات في الليل والدعاء بأن يرسل الله لنا حاكمًا أفضل، من دون نتائج وترجمة على الأرض، لهذه الصلاة وذاك الدعاء…

بل سيكون بإيماننا أننا نستحق الأفضل، لأن رضوخنا للأسوأ سيبقينا أسوأ، لن يسمح لنا بأن نبدع، أن نتقدم، أن نتبنى وجهة نظر مخالفة لما يراه «الأسوأ» ويرينا إياه… وسيبقى الدوران التاريخي في تلك الحلقة المفرغة… لا نستحق حاكمًا أفضل لأننا لسنا أفضل منه؛ وبقاؤنا تحت الحكم الراهن لن يسمح لنا بأن نكون أفضل.. وهكذا

اليوم وفي ظل الثورة نسمع كلامًا مشابهًا ممن يشككون في جدوى ثورتنا وجدارتنا بالنصر على نظام نجاريه بظلمنا لبعضنا، ولعلّ هذا الكلام يبدو مقنعًا للبعض، لكن ماذا لو أخبرنا هؤلاء المشككين أن ثورتنا على الظالم هي أول خطوة لثورتنا على نفوسنا؟ والدرب الأول لتأمين بيئة نستطيع أن نشعر فيها بالانتماء الحقيقي للوطن وبالألفة بين أبنائه تمنعنا لاحقًا من أي فعل مجحف ظالم؟

احتكار رؤوس الأموال في جيوب «النخب» وتجّار السوق الكبار، عدم إعطاء فرص للشباب لبناء البلد وإثبات أنفسهم، الرشوة في المؤسسات الحكومية لتسيير المعاملات وتحصيل المصالح، التضييق على النساء ومنعهنّ من حقهنّ الشرعي بالميراث، تعسير الزواج والاختيار  بناء على معايير سطحية لا تربّي جيلًا ولا تبني أسرًا، التعليم القائم على التلقين والبصم، عدم إتقان العمل، إهمال الشغف والهدف سعيًا وراء لقمة العيش نكسبها من نقيض أحلامنا أحيانًا، التمييز على أساس الجنس، الدين، الطائفة، المنطقة، النسَب، الشكل؛ دخول الجامعات وفق مفاضلات لا تعيننا على تمييز الأصلح لنا، التفريط بقيمنا والسماح لقيم فصّلت على مقاسات أمم أخرى بغزونا والعيش بيننا، رمي القمامة في الشارع، المشاجرات والعنف، عدم السماح برأي آخر في النقاشات، المهاترات وسوء معاملة بين الجيران، هذه قائمة مصغّرة عن أنواع من الظلم نمارسها وتُمارس علينا يوميًّا صارت اعتيادية لدرجة لا ندري معها أنّها ظلم؛ لكن جهلنا بحقيقتها لا يغيّر من الأمر شيئًا، كانت تجري على مرأى ومسمع نظام يهمّه أن يبقى استحقاقنا لنظام أفضل في نظرنا أمرًا غائبًا…

لكننا ثُرنا، وثورتنا على النظام -البيئة الحاضنة لأشكال الفساد والراغبة بنشرها- هي الوسيلة الأولى والدرب الأقرب للقضاء على هذا الفساد، إن من يثور على الظلم سيثور على أي ظلم مهما كان نوعه وتحت أي مسمّى كان، ومن يجهر بكلمة الحقّ تحت الموت والرصاص سيجهر بها في الشارع والعمل والبيت، من يعتقل وهو يطلب الحرية لن يتعدّى على حريات غيره بالقول أو الفعل، ومن خاض ثورة على نظام الأسد سيثور على كل طاغية يقف في طريقه..

هذه هي ثورتنا المباركة، جعلتنا أقوى، أكثر وعيًا بما نريد، وأكثر استحقاقًا له..

 لأننا نستحق الأفضل، سنكون أفضل..

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب