قنديل ضاهر
ما نمّر به –نحن السوريين- منذ ثلاثة أعوام ليس أمرًا سهلًا أبدًا على أيّ مجتمع إنسانيّ، فهو ليس مجرد حرب ننتظر نهايتها، بل هي كل شيء، ثورة وحرب وشروخ وطائفيّة ولجوء وتشريد.
الجميع استمتع بالثورة وكانت لهم فيها ذكريات جميلة. عاشوا فيها بعض الأشهر شعروا خلالها أنّهم أحرار فعلًا ويستطيعون تحرير أرضهم بسهولة من مغتصبها. ولكن للأسف اختلف كل شيء وانقلب عليهم، فمنهم من مات ومنهم مشرد وآخر معذّب. وأغلبيّة الشعب اليوم يعيش في ظلام وكآبة لا مثيل لها بسبب ما جاء بعد الثورة.
كان عملنا أثناء الثورة يجتمع على زيادة زخمها وقوّتّها ونشرها للعالم كأجمل ما تكون، ولكن بعد ذلك تحوّل عملنا إلى بكاء ولطم، وفي أحسن الأحوال إلى الكتابة عن السوداويّة التي نعيش فيها وسيعيشها بلدنا من اليوم.
للأسف هذا الحال لا يساعدنا إطلاقًا في تخطي أزمتنا التي اخترناها بإرادتنا، فنحن لا نستخدم الطاقات والإمكانات التي مُنحناها، ولا نزيد أنفسنا التعبة إلا تشاؤمًا وخوفًا من الحاضر والمستقبل.
وبما أنّنا أردنا للحياة في سوريا أن تتغيّر لتصبح أكثر حريّة وكرامة وبالتالي ينعكس ذلك على فضاءٍ أكثر إنتاجيّة وإيجابيّة لنعمل بجدٍّ واجتهاد فنرفع مرتبة بلدنا العلميّة والعمليّة ونهيّئ لشعبه حياة أكثر رفاهية وسعادة، كان يجب على كل واحد منّا أن يعمل على تغيير نفسه لتصبح أكثر إيجابيّة بالفعل في مواقف كهذه، وأخيرًا سنرى سوريا قد تغيّرت فعلًا لأنّ أساسها هو الإنسان.
لم يعد يجدي اليوم البكاء واللطم، لم يعد ينفع أن نبرر لأنفسنا قعودنا وكسلنا عن تغيير أنفسنا بأنّنا حزينون ومتعاطفون مع القتلى والمحاصرين والمشردين –حتّى لو كنّا من بينهم-.
ربما هناك صعوبة حقيقيّة في توقّع مستقبل مشرق وزاهٍ لبلدنا وسط دوامة الحرب والطائفيّة، أي أنّ عدم التفاؤل سيكون مفهومًا على الأقل، ولكن ليس مقبولًا منّا أن نتّبع منهجًا سلبيًا في حياتنا اليوم، وأن تكون السلبيّة موجودة في كل أفعالنا وكلامنا؛ لأنّ هذه السلبيّة على أيّ حال ستجعل حياتنا أسوأ بكل تأكيد.
رغم كوننا متشائمين، ونظرتنا ليست ورديّة، ستكون حياتنا أفضل إن تحلّينا بالإيجابيّة وجعلناها إحدى مقوّمات تفكيرنا وتفاعلنا مع ما يحيط بنا.
ونعني بالإيجابيّة هنا أن ننظر للحياة بعين أخرى لم نعتد عليها، بعين ترى أنّ لكلّ مشكلة حل، وأن لكل عقبة جهد خاص بها لتخطّيها.
الإيجابيّة تعني أن نرى مسافة كبيرة وعميقة بين ما نحن عليه اليوم وبين ما نطمح لنكون عليه في يوم ما، ولكن بفارق واحد وهو أن نرى جسرًا يصل بين هاتين الضفتين، وهذا الجسر هو العمل والعمل، لا شيء غير الحركة والنشاط والعمل سيبني ذلك الجسر «المستحيل» ليصل بنا إلى مكان كنّا نظنّه يومًا ما مجرد «حلم».
الإيجابيّة لا تعني أن نغذّي قلوبنا على القسوة ونمنعها من الانفطار حزنًا على ما يعانيه أهلنا وأصدقاؤنا أو ما نعانيه نحن، الإيجابيّة تبقي علينا كـ «إنسان» نفرح ونحزن، نتشائم ونتفائل، ولكنّ ميّزتها أنّها لا تجعلنا نستلقي طول اليوم بلا عمل وبلا حسّ بالمسؤوليّة أو الواجب بالتغيير، بل تدفعنا للعمل، تدفعنا بما نحمله من مشاعر وبما نخاف من مستقبل أسود وبما نطمح إليه من مستقبل مشرق.
الإيجابيّة تعني أن نقف الآن ونحدّد مسؤوليّتنا وما نقدر على فعله وتغييره، أولًا لأنفسنا، ولاحقًا لمن نحبّ، ولا ننسى أرضنا التي نحب.