هجرتان في ريف دمشق: قسرية نحو الشمال وطوعية إلى الحصار
الغوطة الشرقية – هيثم بكار
“ننهي اليوم آخر صفحة من مسيرة القابون في الثورة، التي ستعود إلى حضن النظام، رغم أننا لم نترك وسيلة للصمود في وجهه”، بهذه الكلمات ودّع الطبيب نزار القابوني، الحي الذي احتضنه على مدار سنوات، مع خروجه والعشرات إلى إدلب، منتصف أيار الجاري، لكنّ آخرين فضّلوا الانتقال من حصارٍ إلى حصارٍ أكبر.
ورغم التهجير القسري الذي حمل الأهالي إلى الشمال السوري، فضّل بعض أهالي حي القابون التوجه نحو الغوطة الشرقية، من خلال نفق وحيد، كان ممرًا أيضًا لآخرين خرجوا من الغوطة نحو الحي الدمشقي، ليخرجوا مع أهله بعيدًا عن دمشق.
ما تزال تفاصيل اتفاق خروج المعارضة من القابون، غير واضحة كونها لم تعلن رسميًا من قبل الفصائل أو حتى النظام السوري، وتُقدّر أعداد الذين خرجوا باتجاه إدلب بحوالي ألفي شخص، بينهم مقاتلون ومدنيون من الغوطة الشرقية، وصلوا إلى القابون عبر النفق، قبل سيطرة قوات الأسد عليه.
لكن في الجهة المقابلة، فضّل نحو مئتي مقاتل التوجه إلى الغوطة، بدل المغادرة إلى محافظة إدلب، ووفق مصادر عنب بلدي فإن معظمهم ينتمون إلى فصيل “جيش الإسلام”، إضافة إلى بعض المدنيين ممن كانوا يقطنون في الحي.
عزّ في الحصار
يقيم مروان الشامي مع عائلته في الغوطة منذ خمس سنوات، بعد أن وصلها من حمص، ونقل لعنب بلدي حوارًا دار بينه وزوجته، عندما وقفا أمام حافلات نقل المهجرين من القابون.
“شاركنا أهالي الغوطة الألم والجوع والموت، وقليلًا من الفرح، لكن الألم في الخروج كان أكبر”، يقول الشامي، مستعيرًا عبارة زوجته حال قرارهما العدول عن مغادرة دمشق “الرجعة عز يا الله.. راجعين يا أولاد (إلى الغوطة)”.
ومع الشامي توجّه بعض أهالي القابون إلى الغوطة، ومنهم المقاتل سامي أبو الزهر، الذي رفض التهجير نحو الشمال، عازيًا ذلك إلى إيمانه بـ “وجوب الجهاد ومحاربة الظلم الذي عاناه على يد النظام الطائفي”، على حد وصفه.
يبلغ طول النفق بين القابون وعربين في الغوطة، حوالي ثلاثة كيلومترات، ومع استمرار المعارك بالقرب منه، توقفت الخدمات فيه وأصبح مليئًا بالماء والطين وبعضٍ من دماء مصابي المعارك، وفق ما تحدثت آخر مجموعة عبرت النفق لعنب بلدي.
وقال المقاتل ابن القابون إنه لا يملك عذرًا بالخروج كما الكثيرون مثله، ما دعاه للتشبث بخيار التوجه إلى الغوطة، معتبرًا أن الخروج للشمال السوري مع وجود إمكانية البقاء “فرارٌ من الزحف الذي حرمه الله وعدّه من الكبائر”.
الاقتتال أبرز مبرّرات المهجّرين
إياد الجزائري (27 عامًا)، ناشط من أهالي الغوطة، خرج إلى الشمال السوري مع سكان القابون، وقال لعنب بلدي إن السبب يعود لأنه يعيش وحيدًا “لم يبق أحد من عائلتي وأقاربي، ولا سبب لبقائي بعد هدر المقدرات والأنفس في الاقتتال المتكرر بين الفصائل، التي كانت سببًا رئيسيًا لسقوط الجبهات”.
وبدأ الاقتتال الأول في الغوطة في 28 نيسان من العام الماضي، ولحقه اقتتال آخر بعد عامٍ تمامًا، وأسفرت المعارك الداخلية عن مقتل عددٍ من مقاتلي وقادة الفصائل، تزامنًا مع سيطرة الأسد على القطاع الجنوبي في الغوطة وحي القابون في دمشق.
ويؤكد المقاتل سليم المقدم أنه “في حال استمرت الفصائل بالاقتتال، لم يعد التجذر والبقاء في الغوطة واجبًا”.
المقدم أب لأربعة أطفال يقيمون في تركيا منذ ستة أشهر، فضّل اللحاق بعائلته وإعالتهم، معتبرًا أن ذلك “أوجب من بقائي في أرض الفسطاط، التي دمرها القادة والمشايخ، دون إنكار دور المجاهدين الأبطال على الجبهات”.
“من رأى الشباب متجهين إلى النفق يحترق قلبه”، يقول الرجل الستيني أبو منير ورد، أحد سكان مدينة دوما، مضيفًا بحرقة “الذي يترك أرضه وبيته ويمشي ليحفظ روحه، يكون وصل إلى درجة كبيرة من اليأس”.
بين دمشق وإدلب مسافات طويلة، إلا أن المحاصرين في الغوطة، المعقل الأخير للمعارضة في محيط دمشق، يتخوفون من مصير جيرانهم في القابون، بعد تفرّغ قوات الأسد للجبهات في الغوطة بالسيطرة على القابون وتشرين.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :