د. أكرم خولاني
تؤثر مشكلات الغدة الدرقية عند الأطفال على نموهم الجسدي والعقلي، وهذا ينعكس على اكتساب الطفل المهارات الاجتماعية وقدرته علي التعلم، ويؤدي لتغيرات سلوكية عنده، وقد يكون خلل الغدة الدرقية على شكل زيادة إفراز هرموناتها (فرط نشاط)، وقد يكون على شكل نقص إفراز هذه الهرمونات (قصور).
ويعتبر قصور الغدة الدرقية أشيَع أمراض الغدد الصم التي تصيب الأطفال، لذلك من الضروري أن يتفهم الوالدان الأعراض والعلامات الرئيسية لهذا المرض، ليتم التفريق بين الأعراض التي تظهر على الطفل نتيجة المرض، وبين الطبيعة والصفات التي تتميز بها شخصيته، وبالتالي مراجعة الطبيب بأسرع وقت، إذ إن العلاج متاح، والتبكير به ضروري لتجنب المشكلات على المدى البعيد.
ما هي الغدة الدرقية؟
هي غدة صغيرة صماء (ليس لها قناة وإنما تفرز هرموناتها إلى الدم مباشرة) خفيفة الوزن تقع في مقدمة الرقبة أسفل الحنجرة، وهي على شكل جناحي فراشة تحيط بالقصبة الهوائية من الأمام.
تقوم الغدة الدرقية بوظيفة إفراز هرمون الثيروكسين (T4) وهرمون الثيرونين (T3)، وهذان الهرمونان يفرزان تحت إشراف مباشر من الغدة النخامية عن طريق إفرازها الهرمون المحفز للغدة الدرقية TSH، وهرمونات الغدة الدرقية أساسية وحيوية في جسم الإنسان، فهي المسؤولة عن وظيفة الاستقلاب في الجسم أو ما يسمى بالأيض metabolism.
ما أسباب قصور الغدة الدرقية عند الأطفال؟
يحدث قصور وظائف الغدة الدرقية لسبب خلقي أو لأسباب مكتسبة:
القصور الخلقي، يتلخص بأن الطفل يولد بدون غدة درقية أو بغدة درقية معطلة نتيجة فشل في تكوين هرموناتها، أو عدم فاعلية مستقبلات هذه الهرمونات.
أما حالات قصور الغدة المكتسبة، فمعظمها ناتجة عن خلل مناعي يهاجم الغدة الدرقية عند الطفل مما يؤدي لانخفاض إنتاج هرمون التيروكسين، وأهمها مرض هاشيموتو (يصيب الإناث عشرة أضعاف الذكور)، وهنالك حالات أخرى ناتجة عن نقص عنصر اليود في الطعام أو تعرض منطقة العنق للإشعاع أو تناول بعض العلاجات، وقد يحدث القصور في أعقاب قصور الغدة النخامية المسؤولة عن نشاط الغدة الدرقية، ويمكن أن يظهر القصور المكتسب في أي جيل لدى الأطفال، ولكنه منتشر أكثر في جيل المدرسة وسن البلوغ.
كيف يتظاهر قصور الغدة الدرقية عند الأطفال؟
يتظاهر قصور الدرق عند الرضع بطول فترة الاصفرار بلون الجلد وبياض العينين، النعاس الزائد، رفض الرضاعة أو عدم الرضاعة بشكل طبيعي، ارتخاء العضلات، البكاء بصوت أجش (مبحوح)، الإمساك، انخفاض درجة حرارة الجسم، جفاف وتقشر الجلد، وفي الحالات الشديدة قد يكون هناك بعض التشوهات الجسدية مثل فتق السرة وكبر حجم اللسان، وعندما يولد الطفل وعنده نقص في هرمون الغدة الدرقية ولا يكتشف هذا النقص في الأشهر الأولى بعد الولادة فإنه يؤدي إلى إصابة الطفل بالتخلف العقلي مع نقص النمو، وقد تحدث بعض التشوهات الجسدية ككبر حجم اللسان.
أما بالنسبة للأطفال الأكبر فتكون الأعراض متفاوتة، ومنها تضخم الغدة، الإجهاد والتعب المفرط، النعاس، تأخر ظهور الأسنان، قصر القامة، زيادة في الوزن رغم ضعف الشهية، جفاف في الجلد ،عدم تحمل البرد، خدر في الأطراف، النسيان وعدم التركيز، تراجع الأداء المدرسي، تأخر النضج الجنسي وعلامات البلوغ.
كيف يتم تشخيص المرض؟
التظاهرات السريرية لوحدها لا تكفي للتشخيص، لذلك يجب أن يتم أخذ عينات دم لإجراء الفحوصات المخبرية: فحوصات هرمونات الغدد الدرقية FT3، FT4.
- هرمون الغدة النخامية TSH.
- فحص الأجسام المناعية المضادة للغدة الدرقية (أهمها ATPO والذي يشخص مرض هاشيموتو).
- تصوير إيكو الغدة الدرقية.
- تخطيط الغدة الدرقية بالنظائر المشعة.
- أخذ خزعة من الغدة الدرقية في حال وجود عقدة.
وفي دول العالم المتطور عادة ما يتم أخذ عينات دم لفحص الثيروكسين بصورة روتينية لكل المواليد قبل إرسالهم إلى بيوتهم، وهذا يتيح اكتشاف مبكر لحالات قصور الغدة الدرقية والمباشرة بالعلاج المبكر قدر الإمكان.
كيف يعالج قصور الغدة الدرقية عند الأطفال؟
يهدف العلاج إلى تعويض هرمون الغدة الدرقية المفقود عن طريق إعطاء التيروكسين الصناعي فمويًا.
ويعد الليفوثيروكسين هو حجر الزاوية في العلاج، وبما أن الرضع والأطفال الصغار لا يستطيعون بلع المضغوطات الفموية لذلك يتم طحن المضغوطة (25 مكغ) وحلها بكمية قليلة من الماء (5 – 10 مل) ويعطى من هذا المعلق كمية تتناسب مع الجرعة الموصوفة.
ويعطى ليفوتيروكسين بجرعة بدئية وفق ما يلي:
- عمر 0-3 شهر: 10-15 مكغ/كغ/اليوم
- عمر3-6 شهر: 8-10 مكغ/كغ/اليوم
- عمر 6-12 شهر: 6-8 مكغ/كغ/اليوم
- عمر 1-5 سنة: 5-6 مكغ/كغ/اليوم
- عمر 6-12 سنة: 4-5 مكغ/كغ/اليوم
- عمر أكبر من 12 سنة: 1.7 مكغ/كغ/اليوم.
- ويجب تعديل الجرعة خلال 4-6 أسابيع حسب الاستجابة السريرية والمخبرية للعلاج.
ويعمل ليفوتيروكسين على تنشيط الغدة الدرقية والتي تبدأ في النشاط مرة أخرى تدريجيًا، وعندما تصل إلى حوالي 70% من قوتها يمكن أن يتم إيقاف العلاج ومع الوقت ستصل إلى كامل قوتها.
وأما العلاج بالاستئصال الجراحي فيستطب في حالة وجود أورام أو عقد في الغدة الدرقية.