عنب بلدي – العدد 101 – الأحد 26 كانون الثاني 2014
تقف لساعات طويلة على باب إحدى الجمعيات في العاصمة دمشق في انتظار دورها لتأخذ وجبة غذائية وُعِدت أن تأخذها كل 60 يومًا.
أم وائل، نازحة من مدينة داريا، دفعها النزوح القسري عند مدينتها لتسجيل اسمها عن طريق بطاقتها الشخصية ودفتر العائلة في الجمعية التي قامت بختمه، ليكون كفيلًا بحرمانها من التسجيل في أي جمعية أخرى من هذا النوع، علّها تجد نهاية كل شهر أو اثنين، أو ربما أكثر، بعضًا من المساعدات التي تستر بها عورة نزوحها.
حال أم وائل كحال الكثير من المهجرين عن المدن والبلدات والقرى والأحياء التي تعرضت للقصف والحصار، والتي أصبحت ساحات للمعارك الدائرة بين المعارضة المسلحة وقوات النظام.
يصف كثير من النازحين لحظات الانتظار على أبواب تلك الجمعيات أو الأماكن المهتمة بتوزيع المساعدات على النازحين، سواء في انتظار دورهم لتسجيل أسمائهم أو لأخذ المساعدة، بأنها لحظات من الذل المضاعف، ذل الحاجة إلى المساعدة، وإذلال موظفي تلك الجمعيات ممن يقفون على أبوابها لتنظيم الدور وعمليات تسليم الإغاثة وغيرها، ناهيك عن الإذلال المفروض عليهم من قبل عناصر النظام المتواجدين في تلك المناطق في بعض الأحيان.
أم حسام، نازحة من مدينة المعضمية، تعرضت لكثير من الإهانات من قبل بواب الجمعية عند محاولتها اقناعه بأن لديها موعدًا مسبقًا مع أحد الموظفين، وأنها تريد أن تستفسر منه عن بعض الأمور، ما لا يستدعي وقوفها في طوابير الانتظار؛ ولكنها على الرغم من محاولاتها المتكررة فشلت في إقناعه، ليقوم في نهاية الأمر بشتمها بذريعة النظام المطبق في الجمعية والذي لا يجوز خرقه، فكان ردها ابتسامة في وجهه، وجملة كانت الأصدق تعبيرًا: «هلأ هي معونات ولّا إهانات».
تقول أم حسام إن ذلك النظام يطبّق على أشخاص دون آخرين وإن أكثر ما أثار دهشتها قدوم عساكر تابعين لقوات النظام، ليأخذ كل واحد منهم أكثر من وجبة غذائية واحدة، متجاهلين كل من يقف من النازحين، وخارقين الدور والقوانين التي تضعها تلك الجمعيات.
تلك الاستثناءات لا تشمل فقط التابعين للنظام، دعاء النازحة من مدينة داريا استطاعت أخذ ضعف تلك المساعدات من جمعية أخرى على الرغم من عدم حملها لأي من الإثباتات أو الأوراق التي تطلب من طالبي المعونات، إذ كانت معرفتها المسبقة بأحد الموظفين كفيلة بتسهيل أمورها.
يقول أحد العاملين في إحدى الجمعيات إنهم يتعرضون لضغوط كثيرة وإنهم يتصرفون بهذه الطريقة لمحاولة ضبط الأمور وتنظيمها والابتعاد عن الفوضى؛ في حين يصف نازحون عمل الجمعيات نفسها بأنه تسوده الفوضى وعدم الالتزام، بالإضافة إلى قلة الأمانة، وغالبًا لا يصل إلى المحتاجين «إلا من الجمل أذنه».
وعلى الرغم من كل ما يتعرض له الواقفون على أبواب الجمعيات وأماكن توزيع المعونات، من إهانات وإذلال الوقوف والانتظار، إلا أن النازحين يستمرون مكرهين في نضالهم المرير للحصول على ما يسد رمقهم ويقيهم ما هو أكثر سوءًا وذلًا.