اقتتال الغوطة يُهجّر أهلها داخليًا ويقسمها إلى قطاعات

  • 2017/05/14
  • 2:11 ص

أطفال من دوما يحملون لافتات تعبّر عن التآخي بين المدن والبلدات في الغوطة - 11 أيار 2017 (عنب بلدي)

الغوطة الشرقية – هيثم بكار

“رأيت سواتر ترابية مرتفعة أكثر مما كانت عليه في الاقتتال الماضي، توقفنا الحواجز أكثر من مرة، وتفتشنا بشكل دقيق، وخاصة الذكور”، تروي الموظفة سناء معرّاوي، مشاهدات خلال “الرحلة” من مدينتها دوما إلى عملها في القطاع الأوسط.

أدى اقتتال الغوطة الأخير إلى شرخ في النسيج المجتمعي ونزوح داخليٍ بين مدنها وبلداتها، تبعًا لأماكن سيطرة الفصائل، ولم يعد الأهالي يستطيعون التنقل بحرية لرؤية أقاربهم وأصدقائهم.

تلخّص معرّاوي حوارًا مع صديقتها بالقول “لاحظت نقمة أهالي القطاع الأوسط على الفصائل، واتهامهم للأهالي في قطاع دوما، صراحة أو بشكل غير مباشر، بالمسؤولية عما جرى بطريقة أو بأخرى”، لكنها تقول إن ذلك أحزنها “لأن الأهالي لم يدعموا أو يقفوا مع طرف، بل استنكروا الاقتتال، وشاركوا في المظاهرات المطالبة بإيقافه”.

ورغم الاتهامات المتبادلة بين سكان “القطاعين”، خرجت مظاهرات في الجانبين ندّدت بالاقتتال، مؤكدةً على ضرورة التفريق بين الأهالي والفصائل.

يقول “جيش الإسلام” إن الاقتتال جاء ردًا على اختطاف “تحرير الشام” لرتل مؤازرة تابع له كان متوجهًا إلى القابون، وإنه ردّ على ممارسات “النصرة” في المنطقة.

بينما يتفق “فيلق الرحمن” و”الهيئة” على أنه “هجوم مدبر وكيدي”، ويصفونه بـ “الاعتداء والبغي”.

الأهالي أكثر المتضررين

وعاشت مدن وبلدات الغوطة في ريف دمشق توترًا، بدأ الجمعة 28 نيسان الماضي، مع الذكرى السنوية لاقتتال العام الماضي، إذ شن “جيش الإسلام” هجومًا لاستئصال “هيئة تحرير الشام”، ودخل فصيل “فيلق الرحمن” في الاقتتال إلى جانب “الهيئة”، متهمًا “الجيش” بقتاله والهجوم على مقراته وعناصره.

وتكرر سيناريو الاعتقالات التعسفية والنزوح بين مدن وبلدات القطاعين، ما صعّب تنقل الناس والطلاب، ليستهجن السكان ما يجري، كما يقول البقّال سليم النحاس “وكأن الناس لا يكفيهم ما يصيبهم من قذائف وغارات النظام السوري، فلم يسلموا من أبناء جلدتهم”.

تضرر النحاس في عمله، فارتفعت أسعار الخضراوات الصيفية، التي يأتي معظمها من القطاع الأوسط، في ظل قطع الطريق أمام حركة السيارات، ويوضح لعنب بلدي أنه في حال أراد الذهاب إلى القطاع الأوسط، إما المرور بعربين ثم حرستا، وهذا طريق طويل وتكلفته أكبر، مقارنة بطريق مسرابا- دوما المباشر المتوقف حاليًا.

نزوح داخلي

أصابت لعنة النزوح الداخلي العديد من أهالي الغوطة، وخاصة بلدة حزّة، وخطوط المواجهات بين الفصائل، في أطراف مديرا والأشعري، ما دعاهم إلى الخروج نحو المدن والبلدات الأخرى في القطاعين، باحثين عن منازل جديدة.

ويقول وائل الصالحاني، وهو أب لأربعة أطفال، إنه عانى كثيرًا نتيجة الاقتتال، راويًا قصته لعنب بلدي “استيقظنا على اشتباكات عنيفة اعتقدت حينها أن النظام اقتحم حزّة من هول وشدة إطلاق النار، لنكتشف بعد ساعات أنها ناتجة عن اقتتال الفصائل”.

بقيت عائلة الصالحاني على مدار يومين داخل المنزل، ويوضح رب العائلة “نفد الحليب والماء والخبز وكاد بكاء أطفالي يقتلني، وبعد مناشدات عدة عن طريق الإنترنت تمكن الدفاع المدني من إخراجي في ظل هدوء متقطع للاشتباكات، فخرجت وعائلتي تحت جنح الظلام”.

ويخشى أحمد سليمان من مدينة دوما، دخول مدينته منذ بدء الاقتتال، متخوفًا من الاعتقال الذي يمكن أن يطاله، كون عناصر “فيلق الرحمن” منتشرين على الطريق، ويقول “حوصرت في القطاع الأوسط مع بدء الاقتتال.. اشتقت لزوجتي وأطفالي. هم الآن دون معيل”.

ورصدت عنب بلدي حالات اعتقال على يد فصيل “جيش الإسلام” من جهة، و”هيئة تحرير الشام” و”فيلق الرحمن” من جهة أخرى، ضمن مناطق نفوذ كل منهم في القطاعين.

شلل في القطاع التعليمي والصحي

لم تتوقف معاناة أهالي الغوطة عند “التقسيم”، بل طال الضرر قطاع التعليم، فانقطع الطلاب عن المعاهد المتوسطة بين قطاعي دوما والأوسط، فمنذ بدء الاقتتال لم يستطع أي شخص الالتحاق بدراسته، نتيجة انقطاع الطرقات وانتشار القناصين.

موفق كمال، طالب سنة أولى في معهد إعداد المدرسين بفرع جامعة حلب، يقول إن الامتحانات من المقرر أن تبدأ في التاسع من رمضان المقبل، لكنّ المعهد علّق الدوام مرات عدة، في ظل قصف النظام، لينقطع نهائيًا منذ أسبوعين بسبب الاقتتال.

ويرى أن الانقطاع يؤثر سلبًا على تحصيل الطلاب العلمي، ويزيد الضغط المترتب عليهم “سنضطر للاستعجال في دراسة المحاضرات المتراكمة، في ظل ضيق الوقت قبل بدء الامتحانات”.

القطاع الطبي تضرر بدوره، وسط صعوبات تعيق حركة المرضى إلى دوما، التي تضم قسم غسيل الكلى الوحيد في الغوطة، ويقول مصدر طبي مطلع، رفض كشف اسمه، إن عدد الحالات التي تخضع لغسيل كلى بشكل دوري انخفض خلال فترة الاقتتال.

وتحدّث المصدر عن عوائق أمام الحالات الإسعافية، التي تُهدد حياة المرضى في حال لم يصلوا في الوقت المناسب، “اضطررنا إلى نقل المرضى في بعض الاحيان عن طريق النقالة، متجاوزين السواتر الترابية العالية ما فاقم من معاناتهم”.

“ما يجري في الغوطة لا يسر إلا العدو”، وفق المصدر، “فالإسعاف توقف بشكل شبه كامل، وكل ذلك بعد عناء كبير عمل عليه كبار الأطباء”، معتبرًا أن كل ما سبق بسبب تعنت القادة وجهلهم وعدم تحملهم المسؤولية، داعيًا جميع شرائح المجتمع للنزول إلى الشوارع ورفض الهيمنة والاستكانة لحكم الفصائل التي ما جلبت إلا الخراب والدمار، بحسب توصيفه.

غياب أفق حل قريب ينهي المعاناة

شُكّلت خلال الاقتتال لجنة مدنية، لإزاحة العقبات بين الفصائل وتسهيل أمور الناس، بتفويض من المؤسسات المدنية، وأبرزها مجلس محافظة ريف دمشق.

وضمّت اللجنة سبعة أعضاء، على رأسهم المهندس أكرم طعمة، نائب رئيس الحكومة المؤقتة، وسط احتجاج من بعض المؤسسات على مدى شرعيتها.

وأصدرت اللجنة بيانات عدة، آخرها في 8 أيار الجاري، دعت فيه الفصائل إلى وقف فوري لإطلاق النار، وفتح الطرقات وتحييد المؤسسات المدنية، إضافة إلى إطلاق سراح جميع الموقوفين نتيجة الأحداث الأخيرة، وتشكيل محكمة قضائية مستقلة، داعيةً الأهالي إلى التظاهر، ومحمّلة الفصائل العسكرية المسؤولية الكاملة عن سلامة الغوطة، إلا أنها لم تلق تجاوبًا.

تعيش مدن وبلدات الغوطة الشرقية اليوم هدوءًا “ثقيلًا”، مع انخفاض وتيرة الاقتتال بين الفصائل، مع استمرار حالات القنص والاشتباكات المتقطعة في عموم الغوطة.

“جيش الإسلام” أعلن قبل أيام، استعداده للتعاون بخصوص فتح الطريق الواصل من مسرابا إلى حمورية، أمام سيارات نقل البضائع، لتمكين التجار من شرائها ونقلها إلى القطاع الأوسط، وأمام سيارات الإسعاف والدفاع المدني والحالات الإنسانية.

ووفق ما تحدث مصدر من الدفاع المدني (رفض كشف اسمه) إلى عنب بلدي، فإن “فيلق الرحمن” يرفض فتح الطريق “لغياب الثقة”، ويسعى إلى فتح طريق فرعي من بلدة مديرا، ما يعكس تباينًا في وجهات النظر بخصوص فتح الطريق بين الفصيلين.

ماتزال الطرقات مقطوعة، حتى السبت 13 أيار، كما علّقت جامعة حلب الدوام في كلياتها ومعاهدها، وينتظر أهالي الغوطة حلًا يُنهي مأساتهم المستمرة منذ أسابيع.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع