سوريون يغيّرون أسماءهم للحصول على الجنسية التركية

  • 2017/05/14
  • 12:42 م

تسليم الهويات التركية للاجئين مقيمين في تركيا (تعبيرية)

عنب بلدي – سما نعناعة

“في مقابلة منح الجنسية التركية، طلب مني الموظف المسؤول تغيير كنيتي كونها غير تركية، وحاولت التمسك برأيي قدر المستطاع، إلا أنه أبى وقال إن الأمر غير ممكن، وفقًا للقوانين التركية، فاضطررت لتغييرها بأخرى تركية، متحولةً إلى منال أخرى”.

ينظر إلى حالة تغيير اسم منال (27 عامًا)، وهي سورية مقيمةٌ في تركيا، من وجهتي نظر: الأولى تعتبره اندماجًا مع المجتمع الجديد، فيما يراه آخرون تخليًا عن الهوية السورية.

أجبرت الحرب كثيرين على الهرب بحثًا عن موطن أكثر أمنًا، وسط محاولات متكررة للحصول على جنسية ثانية، رافقها تغيير اسم الشخص أو كنيته، كما يحصل في تركيا.

ويُعزى البحث عن جنسية إلى إغلاق معظم بلدان العالم حدودها بوجه السوريين، فلا تتعدى الدول التي يسمح للسوريين دخولها 30 بلدًا، وتضع بعضها شروطًا معقدة أيضًا، ما يصنّف جواز السفر السوري في مرتبة متدنية من بين أسوأ أربعة جوازات في العالم.

ونظرًا لوجود صلات القرابة وأعداد السوريين الذي يبلغ نحو ثلاثة ملايين في تركيا، حاول بعضهم التقدم على طلب الجنسية وفقًا لقوانين البلد، إما اعتمادًا على أصول تركية، أو بدواع أخرى كالإقامة خمس سنوات، وأحيانًا بطلبٍ رسمي من مديريات التجنيس.

ورصدت عنب بلدي حالات من تغيير الاسم أو الكنية لمن حصلوا أو قدموا على طلب الجنسية التركية، منهم من قال إنه “إجباري” وآخرون اعتبروه “اختياريًا”.

وبهدف الحصول على الإجابة الصحيحة حول حقيقة تغيير الاسم، تواصلت عنب بلدي مع جهات حقوقية مختصة، وحصلت على نسخة من قانون المواطنة التركي.

وبالعودة إلى منال، التي طلبت عدم ذكر اسمها الحقيقي لأسباب شخصية، أكدت لعنب بلدي أنه طُلب منها تغيير كنيتها، وذلك بحذف أحد حروفه كي يلائم اللفظ التركي، بعد محاولة من الموظف المسؤول تغييرها كليًا.

الأمر نفسه واجه عدة أشخاص قابلتهم عنب بلدي، منهم من غير كنيته أو اسمه كاملًا، سواء تغيير كلي أو جزئي، ينطوي على استبدال اللفظ العربي بآخر تركي.

حالات مضحكة أو تحمل معنىً سيئًا

عبد الرزاق علوش، محامٍ سوري ومختص بالأمور القانونية وشؤون الجنسية والإقامات في تركيا، أكد لعنب بلدي أن تغيير الاسم لدى الحصول على الجنسية التركية “اختياري” وليس “إجباريًا”.

وقال علوش إنه يمكن للشخص الراغب بالحصول على الجنسية التركية الإبقاء على الاسم والكنية أو طلب تغييرها، بغض النظر عن دولته التي ينحدر منها، مشيرًا إلى أن القانون المدني في تركيا واضح وصريح بهذا الخصوص.

ولدى السؤال عن الحالات التي اضطرت لتغيير اسمها بناءً على طلب الموظف المسؤول، أوضح علوش وجود عدة أسباب، رغم أن القانون العام التركي لا ينطوي على ذلك، الأول هو احتمال وجود سوء فهم بين الموظف والمراجع، والثاني له علاقة بطبيعة الاسم نفسه، أي أنه لا يوافق شروط اللغة التركية، وفيما عدا ذلك فالأمر مخالف للقانون التركي ويعد تصرفًا فرديًا “مزاجيًا” من قبل الموظف، أو ربما يكون هناك توسيع استثنائي على القانون الأساسي إن صح الأمر.

وضرب علوش، وهو متقن للغة التركية، مثالًا بكلمة “شبكة”، التي تمتلك عدة معاني في العربية، أولها معنى حرفي، وآخر إعلامي واقتصادي، وقد تعني مجموعة شركات أو جمعيات، إنما التركية فلها معنىً مغاير، ويعتبر سيئًا، ومعناها “عصابة”.

ففي حالة مشابهة، وإذا كان للاسم العربي معنى سيئٌ أو مضحكٌ أو مختلفٌ لدرجة أنه غير مقبول في التركية، فيطلب من الشخص تغيير اسمه أو كنيته.

اسمي طاولة

وتعقيبًا على معنى الاسم في التركية، ومن ضمن الحالات التي صادفتها عنب بلدي واضطرت لتغيير اسمها لغرابته، اسم “ماسة”، فهو اسم لأحد المجوهرات في اللغة العربية، ولكن في التركية فله معنىً مختلف تمامًا، مأخوذ من الإسبانية، ومعناه “طاولة”.

ويشمل هذا القانون جميع الأجانب وليس فقط السوريين، والأمر ذاته ينطبق على القانون السوري.

الأنظمة المتعلقة بتنفيذ قانون الجنسية التركية رقم “5901”

تسجيل الاسم والكنية.. المادة 74

يمكن للأجانب المقدمين على طلب الجنسية التركية أن يغيروا اسمهم أو كنيتهم إلى تسميات تركية.

وفي حال أراد الشخص الإبقاء على اسمه الأجنبي، فيجب أن يكتب بالأحرف التركية، وفقًا للقانون رقم 1353، المتعلق بقبول الأحرف التركية وتطبيقاتها، ويسجل في سجل العائلة أيضًا.

ويسجل الاسم الأولي (الاسم) على ألا يتجاوز كلمتين، ومن دون كتابة الاختصارات.

أما بالنسبة للكنية فيراعى فيها الأسس الموجودة ضمن قانون الكنية التركية، وعلى أن تكون كلمة واحدة، مع شرط ألا يفصل شيء بين الاسم والكنية مثل خط أو نقطة أو أي إشارة.

ما آثار تغيير الاسم قانونيًا؟

وحاولت عنب بلدي معرفة انعكاسات الاسم من الناحية القانونية وتأثيرها على المعاملات الرسمية، والمصرفية أو الشهادات وغيرها.

إن اضطر الشخص إلى تغيير اسمه أو كنيته، فلا بد له أن يثبت أنه نفسه لدى الدوائر المعنية، سواء كان لدى الجامعات أو السفارات أو الدوائر الحكومية أو المصارف.

وبغية إثبات ذلك يتقدم الشخص إلى دائرة النفوس التركية، مع قرار الجنسية الصادر عن وزارة الداخلية، للحصول على بيان تعديل اسم.

ففي حال كان الشخص مضطرًا لإبراز هويته في بلد أجنبي خارج تركيا، يجب أن يحصل على تصديق من الخارجية وسفارة البلد المقصود لإبراز الوثائق اللازمة.

وعلى سبيل المثال، يوجد لدى الشخص شهادة بالهندسة حصل عليها من سوريا أو تركيا، وأراد إبرازها لجهة جديدة، ولكن الاسم على الجواز أو الهوية مختلف، فعليه حينها إبراز صلة الوصل.

وخلاصةً، يوجد لتغيير الاسم انعكاسات سلبية، ويعاني الشخص المعني من مشكلات لاحقة سواء كان في سوريا، أو في تركيا، أو البلد الأجنبي الذي يقصده.

أما بالنسبة للمعاملات المصرفية، فقد يضطر الشخص لتصفية الحساب القديم تجنبًا للمعضلات اللاحقة، أو يبرز بيان التعديل لدى الجهة المصرفية المعنية لمرة واحدة، ويطلب اعتماد أحد الاسمين.

 

الاندماج في الوطن الجديد

عندما يغير الشخص اسمه أو كنيته، يكون انعزل بشكل غير شعوري عن ماضيه وتاريخه وربما أصدقائه القدامى وأقاربه، ولمعرفة الانعكاسات الاجتماعية والنفسية، تواصلت عنب بلدي مع أماني سندة، الاختصاصية النفسية وتعمل في أحد المراكز المختصة بشؤون اللاجئين في تركيا، واعتبرت أن الهدف من تغيير الاسم أو الكنية هو تسهيل عملية الاندماج والانصهار في المجتمع والوطن الجديد، للأشخاص الذين يعيشون في هذه الدولة وقبلوا بجنسيتها ويعملون بها ولديهم فيها علاقات اجتماعية، مشيرةً إلى أنه أمر طبيعي.

ويتوافق تحليل سندة مع سلوك يختاره بعض المقيمين العرب في تركيا، غيّروا أسماءهم عبر حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، إلى اللفظ التركي (Ahmet, Mehmet, Ömer) رغم أنهم لم يبدؤوا بإجراءات الحصول على الجنسية.

إرث اجتماعي

ولكن بالحديث عن التأثيرات الاجتماعية على الفرد أو على أسرته أو على أطفاله مستقبلًا، فللأمر “انعكاسات خطيرة”، بحسب سندة، فاسم العائلة في المجتمع السوري يرتبط بإرث الأسرة، وهو مدعاة للتفاخر غالبًا، خاصةً في العائلات المعروفة والعريقة.

واعتبرت الاختصاصية النفسية أن الشخص لدى تخليه عن اسمه، يبدأ من الصفر، ويكون تخلى عن إرث اجتماعي، وتاريخي، وثقافي مرتبط بماضيه وعائلته، والأمر يمكن أن يكون له انعكاسات سلبية على الأطفال خاصةً، فالطفل لدى إحساسه بالفرق بينه وبين بقية الأطفال، والعائلات الأخرى الذين يملكون أقارب لديهم نفس الكنية، يبدأ بالتساؤل: لماذا لهؤلاء أسماء كنية واحدة ونحن لدينا كنية مختلفة عن أقربائنا وأجدادنا.

يولّد ذلك حالة من عدم الاستقرار النفسي لدى الطفل أو الشخص، ويعاني من حالة توتر نابعة عن البيئة القديمة التي كان يعيش فيها، وكنيته السابقة التي كان يكنى بها.

ولكن هل يمكن أن يسبب تغيير الاسم أو الكنية حالة انسلاخ عن الوطن الأم لدى الأشخاص المعنيين أم لا؟

ترى سندة أنه لا يمكن اعتبار ذلك انسلاخًا بحد ذاته، فالسوري اليوم في وضع حرب، ومعاناته من نقص الأمان في بلده هي جزءٌ من حالة الانسلاخ أساسًا، لا سيما بوجود أشخاص اندمجوا سريعًا مع المجتمعات الجديدة.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع