تداعيات الثورة واحتمالاتها …
عنب بلدي – العدد 100 – الاثنين 20/1/2014
ما من متبصر يعيش الأحداث ويرقُبها ينكر انحراف الثورة عن مسارها وابتعادها عن جادة الصواب، إما لاختلاف توجهات من قاموا بها وكانوا نواة لاستمرارها، أو لوجود من عمل باسمها واستثمر انشغال العالم بها وحوّوَلها لمصدر رزق ومنبر للمزاودة، وإما لوجود أطراف كثيرة منها دولية استغلتها لتنفيذ مشروع تقسيم البلد واقتسام النفوذ في الهيكلية الجديدة التي اصطفت بها القوى الكبرى، وهذا واقع مأساوي ليس تكهنًا..
حيثيات الثورة ومجرياتها تغص بالتفاصيل الدقيقة، فلا يمكننا بمقال أو بملف واحد إجمال كل شيء، لذلك يمكننا تقسيم ما يجري في بضعة خطوط عريضة تدور في فلكها الأحداث نذكرها كما يلي:
– اتساع الثورة طولاً وعرضًا وشمالاً وشرقًا أخرج البلاد من قبضة النظام وأخرج القرار من إرادة الشعب إلى الإرادة الدولية، فالفوضى الحاصلة أصبحت تعني أمن الإقليم واستقرار الدول الموجودة فيه والتي تعاني من قبل انفلاتًا أمنيًا، ومن الدول الضالعة بصناعة القرار الولايات المتحدة وهي، مع أوباما عبر أسلوب القيادة من الخلف، بصدد تقسيم المنطقة ليس فقط سوريًا، ولها تجربة في العراق عميقة، فما خلفته من مناطق شيعية وكردية وسنية يعتبر إنجازًا في دولة غلب عليها الطابع السني، كانت تملك السيادة والريادة في المنطقة، ولو أخذت سوريا دون النظر لموقعها المحايد لإسرائيل ستكون بنفس الاعتبار العراقي، لكن اختلاف الظروف والغايات والموقع الاستراتيجي يعطينا تصورًا مختلفًا عن المستقبل، لأن ما يجري لا ينحصر في سوريا وحدها، والقضية لا تقتصر على شعب ينشد العدالة والحرية، إنما كسر حدود سايكس بيكو التي فرضت لإبقاء الشعوب في محميات القمع تجاه أي شكل من أشكال التحرر الديني والسياسي والاقتصادي والعسكري، عبر الوكلاء من الحكام العرب.
الخط الذي يسير عليه الجهاديون في النبرة والأسلوب الخطابي والتعامل، والعمل المسبوغ بالفكر السلفي الجهادي قرب دولتيان كلبنان والعراق أنهكهما الاحتراب الطائفي والانفلات الأمني، يعتبر بمثابة كسر للإرادة الدولية الرامية لإبقاء الجهاديين ومن يحذو حذوهم في قالب جامد في مواجهة الصحوات المدعومة من قبل الدول المعنية بهذا الملف، فالدول الفاعلة تدرك أهمية الاتحاد لما يترتب على ذلك من اصطفاف تحت رايات التوحيد في خطوات لتحكيم الشريعة ومحاربة اليهود والروافض ومصالح الغرب، وبذلك تكون بعض الدول، بما فيها روسيا، بصدد خسارة بعض مواقعها الحيوية والاستراتيجية داخل سوريا.
في نفس السياق ولاستعادة الكرة لملعب الأسرة الدولية، أعطي الضوء الأخضر لقوات الشيعية ذات دعم إيراني كفيلق القدس وحزب الله وأبو الفضل العباس وغيرها ليكونوا في وجه تلك الجماعات الإسلامية السنية، أي المحافظة على توازن القوى في مضمار الصراع، وبالرغم من أن هذه القوى الشيعية ذات جذور عقائدية، إلا أنها غير مكروهة ولم تدرج في قائمة المنظمات الإرهابية طالما أن التعبئة الدينية والأهداف لهذه الميليشيات مقتصرة على حماية المراقد والمقامات، إضافة لبعض الأعمال غير السامية، ولو أخذنا حزب الله المؤلف من جناح عسكري وآخر سياسي يمارس الحياة السياسية بشكل طبيعي في لبنان، لوجدنا أنه لم يمنع من الحق في المشاركة بالرغم من ادعائه العداء والمقاومة ضد إسرائيل، ولم تتدخل الأموال لأهل السنة لمحاربتهم، ومن جهة أخرى أسقط حزب الإخوان في مصر وهو ليس حزبًا سياسيًا فقط، وهذه هي لعبة الأمم وتوزيع الأدوار.
– لم تدم وحدة الشعارات والهتافات طويلًا، حتى الأسلوب الثوري اختلف بين القوى التي انطلقت، وللتخاذل الإسلامي والعربي والدولي دور في ذلك، والنهاية تجلت في التحزب وتعدد الرايات واختلاف الأهداف، والتخوين والطعن بين الكتائب والمجموعات الذي وصل مؤخرًا للاقتتال والخطف والتشويه، وذكر مسؤول استخباراتي غربي أن هذه المعركة التي شنت ضد تنظيم الدولة الإسلامية جاءت ضمن قرار دولي، وبالتالي هناك رغبة في شسحن كافة الأطياف العسكرية وخلط الأوراق كي لا يخرج أحد منتصر.
– أما الصنف الثالث والأهم، هم من يتاجر بالشعب ويتحدث باسمه ويدّدَعي تمثيله، هؤلاء من سيوقعون المعاهدات على غرار تلك التي وقعها حافظ الأسد لبيع الجولان، ومعاهدات السلام لبقائه في سدة الحكم، هؤلاء من تم اختيارهم ليكونوا ممرًا للقرارات الحاسمة في فرض العقوبات وإدخال القوات الأممية..
الدول في الإقليم بدلاً من أن تتحمل مسؤوليتها في حماية المدنيين، تقوم بتصوير الصراع على أنه بين إرهابيين ونظام حكم ديكتاتوري، وهذه الحكاية عادة ما تكون شماعة للتدخل، وربما هذا وارد في المدى المنظور على شكل قوات أممية تغطي الشريط الحدودي مع الأردن وإسرائيل ولبنان، إضافة للمهمة التي قد تلعبها في التغلغل داخل مدن سوريا كدمشق، الهدف منها السطوة وفرض النفوذ وليس حماية المدنيين.
أما بالنسبة للحل السياسي فسيكون حلاً جزئيًا في أحسن الأحوال، على الأقل إذا ابتعد عن طريق المبادرات الوهمية وكان على أسس واضحة بقرار جَدِي جدّي من مجلس الأمن يُجرد بشار الأسد من صلاحياته ويقضي بإخراج المعتقلين والمعتقلات، وفك الحصار عن المدن والأرياف، وعودة المهجّجَرين وتأمينهم، ضمن خطة إنقاذ دولية تضع حدًا لتفاقم الوضع وحماية وحدة البلاد من مساعي التقسيم إلى دويلات.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :