عنب بلدي – العدد 100 – الاثنين 20/1/2014
للأرقام أهميتها الرمزية في حضارات عريقة عبر التاريخ تناقلتها بعض الشعوب إلى الآن، منها ما يشكل مبعثًا للتفاؤل، وأخرى للتشاؤم، فليس غريبًا أن تجد إنسانًا في الدول الأوربية، التي تعتبر الآن الأكثر تحضرًا يتشاءم من الرقم ثلاثة عشر. أما الشعوب الآسيوية فلها تجربتها الخاصة مع الرقم أربعة الذي يرمز لديهم إلى الموت حتى عصرنا هذا، وللصينيين قصة تفاؤلٍ تجمعهم بالرقم ثمانية.
إنما لو سألت السوريين هل تؤمنوا بأرقام الحظ، لتباينت الإجابات ولاعتبرها كثير منهم خرافة عفا عنها الزمن، ولكن هل يعقل أن تجتمع المصادفات فعلاً لتنتج ملحمة بطلها أحد الأرقام؟ لمَ لا …
إنه الرقم اثنان، فمصادفات هذا الرقم مع السوريين تزداد بطريقة غريبة منذ انطلاق الثورة السورية قبل ما يقارب الثلاث سنوات.
البداية كانت مع مشهد لم يألفه السوريون إلا مفردًا هو حق النقض في مجلس الأمن «الفيتو»، فالمعتاد رؤية ممثل الولايات المتحدة يرفع يده منفردًا لمصلحة إسرائيل، أما الجديد بعد الثورة أن يصبح الفيتو اثنان، وترفع في مجلس الأمن يدان، روسية وصينية.
ولو انتقلت لأسماء رؤساء الدول المتعاطفة مع النظام ممن تغيروا خلال الثورة، لوجدت أن الرئيس الإيراني الذي خلف نجاد اسمه روحاني، وروحانِ مثنى كلمة روح، وقد أعطى لإيران روحًا ثانية بعد الاتفاق النووي الأخير، أما الروسي ميدفيدف فقد خلفه الرئيس بوتين مثنى كلمة (put) بالإنكليزية وتعني (وضع) فحياة بوتين السياسية لا تخلو من الوضعين فمرة بوضع رئيس روسيا ومرة ثانية بوضع رئيس الوزراء.
الائتلاف الوطني في الجهة المقابلة سار على ذات المنوال في الأسماء.
فرئيس الائتلاف الحالي أحمد الجربا ورئيس الحكومة المؤقتة أحمد طعمة، أي إن الائتلاف لم يكتف بأحمد واحد بل بأحمدين.
لو عدنا لتاريخ ما قبل الثورة لوجدنا أيضًا الرقم اثنين موجودًا في ثنائية الحكم، ثنائية حافظ وشقيقه رفعت، ثم بشار وشقيقه ماهر، عداك عن تولي اثنين من عائلة الأسد رئاسة سوريا. حتى لو نظرنا إلى العَلَم، فلكل الدول علم واحد إلا سوريا كان لها علمين، علم البعث وعلم الدولة.
ولو تركنا التاريخ وتأملنا المستقبل لوجدنا العالم أجمع يربط كل أرواح السوريين بنهاية ولاية بشار الأسد الرئاسية الثانية منصف 2014. أما لو بقينا في الحاضر فآخر زيادة الطين بلة ما سمي مؤتمر جنيف اثنان، ولا أعلم من الذي اختار الرقم اثنين ولماذا لم يستبدل بالأحرف الأبجدية فيصبح جنيف باء مثلاً ..! ربما هو الخوف من الحاجة لجنيف تاء ومن ثم جنيف ثاء وما أدراك ما حرف الثاء .. فللحروف والسوريين قصة حظ أخرى ليست ببعيدة عن الأرقام.
نترك الحروف لنعود لجنيف اثنين الذي لم يُربط بهذا الرقم فقط، بل تجاوز ذلك بفشل تحديد موعده مرارًا إلى أن استقر الأمر على تحديده في يوم لا يخلو من المصادفة فتم تحديده في يوم 22/1 العام الحالي. قد يتسرع أحدهم فيقول: كان يجب تحديده في 22/2 حتى يكتمل المقال، لكن لا داعي للتسرع، تذكر أن الشهر 1 في العربية يسمى كانون الثاني.
بعدَ هذه الملحمة -وربما نسيت أحد فصولها- التي جمعتهم مع الرقم اثنين، يبقى أمل السوريين ألا يكمل الرقم اثنان طريقه نحو النهاية، وأن تبقى بلدهم سوريا بلدًا واحدًا لا ينقسم لسوريا واحد وسوريا اثنين.