ريف حماة – طارق أبو زياد
“بات عدّاد الغارات والقذائف يتسارع، ليصبح الوقت بين الضربة والأخرى ثواني معدودة، ولا تدري نفسٌ خلقها الله في ريف حماة الشمالي، بأي لحظة أو طريقة تموت”، كلمات قالها تيسير حج أسعد، واصفًا حال مدينته اللطامنة، ومن آثر البقاء فيها رغم حملة التصعيد الأخيرة من قبل طيران النظام السوري أو حليفته روسيا، على حد سواء.
توتر وخوف بديا ظاهرين على ملامح الأربعيني، ابن اللطامنة، المدينة التي تكاد تخلو حاليًا من البشر والحياة، أثناء حديثه إلى عنب بلدي، متهكمًا وساخرًا في الوقت ذاته من تعدد طرق الموت، “من المحتمل أن تموت خنقًا بغازات سامة، أو تحت ركام المنزل، أو بالشظايا إذا كنت في الشارع”.
ويتعرض الريف الحموي الخاضع لسيطرة فصائل المعارضة، لتصعيد مستمر منذ آذار الفائت، ويعدّ الأعنف منذ مطلع الثورة في آذار 2011، أدى إلى دمار كبير في بعض المدن والبلدات، بالتزامن مع حملة برية استمرت لما بعد دخول اتفاق “تخفيف التوتر” حيز التنفيذ.
85 هجومًا جويًا في اليوم خلال شهرين
وقال عثمان السلوم، عضو المجلس المحلي لمحافظة حماة “الحرة”، إن ريف حماة الشمالي أصبح بلا أفران ولا مستشفيات ولا مدارس ولا حتى دور عبادة، وأضاف في حديث إلى عنب بلدي أن “الدفاع المدني لم يسلم من القصف، واستشهد من كوادره تسعة أشخاص”.
وأوضح السلوم أن التصعيد الأخير تسبب بتهجير معظم العوائل التي لم ترغب بالنزوح سابقًا وكانت تتمسك بالأرض، لأنها تعيش منها ولا تقوى على دفع الإيجارات، مشيرًا إلى أن الريف الحموي بات خاليًا من المتاجر، وتأمين مقومات الحياة أصبح صعبًا، لكن رغم ذلك مازالت هناك عائلات رافضة للخروج.
تعرضت مدن وبلدات ريف حماة الشمالي لنحو 5100 غارة جوية خلال آذار ونيسان المنصرمين، وفق أرقام حصلت عليها عنب بلدي من المجلس المحلي للمحافظة، توضح أن المنطقة تعرضت لـ 3100 ضربة جوية، من بينها 1900 مسجلة للطيران الروسي خلال شهر آذار.
وتشير الأرقام إلى أن نيسان الفائت سجّل 782 غارة جوية من طيران النظام، من بينها 414 برميلًا متفجرًا، إلى جانب 729 غارة من الطيران الروسي، من بينها 98 قنبلة فراغية بالمظلات، و181 غارة بالقنابل الفوسفورية.
وأحصيت تسع حالات لاستخدام غاز الكلور السام في ريف حماة الشمالي، وهجمة واحدة باستخدام غاز السارين خلال الشهرين المذكورين.
نزوح ونداءات استغاثة
وأوضح عثمان السلوم، أنه ومنذ بداية الحملة، أطلق المجلس المحلي نداء استغاثة للمنظمات والهيئات الداعمة لإغاثة النازحين في ريف حماة الشمالي، وتأمين أبسط مقومات المعيشة.
وأضاف السلوم أن النداءات قوبلت باستجابة بعض المنظمات، وقدمت الحد الأدنى من احتياجات النازحين، وتابع “مازلنا على تنسيق واجتماعات دورية مع مندوبي المنظمات، من أجل تأمين النازحين واحتياجاتهم”.
وأشار عضو المجلس المحلي إلى أنه خلال اشتداد الحملة، أعلن المجلس المنطقة منكوبة، وبحاجة لمساعدات شاملة لجميع السكان، سواء النازحون أو الذين بقوا في منازلهم، مطالبًا المنظمات الدولية والمحلية، بالنظر إلى الأوضاع الإنسانية في ريف حماة الشمالي بجدية أكبر، والإسراع في تقديم الخدمات اللازمة والضرورية.
وحول المساعدات الطارئة التي قدمها المجلس في ظل الحملة العسكرية، قال عثمان إنهم عملوا على توزيع سلال إغاثية متنوعة، وسلال طوارئ.
من جهته، أكد أحمد حلوة، الذي يسكن في منزل على أطراف مدينة كفرزيتا في ريف حماة الشمالي، أن مدن وبلدات الريف تكاد تخلو من سكانها، وأن نحو 90% من أهلها نزحوا هربًا من القصف، ومنهم من نزح لعدم توفر مقومات الحياة.
وأوضح المواطن أن العدد القليل الذي آثر البقاء في المنطقة، كان بسبب عدم توفر الإمكانيات المادية للنزوح ودفع الإيجارات وتأمين المستلزمات في المناطق الهادئة، مبررًا حالة العجز التي يعيشها الأهالي بأن “الموت أهون من ذل المخيمات”، وأنهم لن يتخلوا عن أرضهم مهما كان السبب.
تعتبر مدينتا اللطامنة وكفرزيتا والبلدات التابعة لهما، من أكثر مناطق الريف الحموي تضررًا جراء التصعيد العسكري، عدا عن المناطق التي استعادتها قوات الأسد مؤخرًا، وأبرزها طيبة الإمام وحلفايا وصوران، وهي ثلاث مدن باتت خالية تمامًا من السكان، وتفوق نسبة الدمار فيها 90%، وفق مجالسها المحلية.