عنب بلدي – درعا
لم يكن الكثير من أبناء المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة السورية يظنون أنهم سينقسمون حول بعض القتلى في صفوف قوات الأسد، فقد سرت قناعة “مطلقة” أن أي جندي يُقتل في صفوف الجيش يُعتبر دفاعًا عن الأسد ضد الثورة، إلى أن خلط النظام هذه المعادلة بهدف تعويض النقص في عدد عناصره، فشنت قواته حملات واسعة للتجنيد الإلزامي، واعتقلت المئات عشوائيًا وساقتهم إلى الجبهات، وجندت آلاف الموظفين في الدوائر الحكومية ضمن الخدمة الاحتياطية.
أعاد ذلك إلى الأذهان ما عايشه المجندون قسرًا في الأشهر الأولى من انطلاق الثورة، في بحثهم عن الانشقاق، وما عايشه ذووهم في تبرير وجود ابنهم أو مقتله ضمن قوات الأسد.
خلال الأسابيع الفائتة، بدأت جثث عدد من أبناء المناطق المحررة في درعا، ممن قتلوا بعد تجنيدهم قسرًا أو اعتقالهم ترسل إلى ذويهم، وفي حديثٍ لعنب بلدي، يقول “أبو محمد” (رفض كشف اسمه الكامل)، وهو شقيق أحد ضحايا التجنيد القسري، إن المجند القتيل لا يختلف عن المعتقل أو المخطوف، موضحًا “شقيقي يعمل بنقل الركاب بين المناطق الخاضعة للمعارضة وتلك الخاضعة لقوات الأسد، وقد وصلنا خبر اعتقاله على أحد الحواجز من زبون لديه”.
ظنّ “أبو محمد” أن الأمر كان اعتقالًا لتهمة معينة، لكنه تلقى اتصالًا من شقيقه بعد حوالي أسبوعين، يخبره أنه جنّد قسرًا، وهو موجود قرب بلدة حلفايا في ريف حماة.
وأكد أن شقيقه كان يسعى للانشقاق حتمًا، لكنه لم يستطع بسبب المعارك العنيفة، ليتلقى “أبو محمد” نبأ مقتله بعدها بأيام قليلة، “تلقينا اتصالًا من مشفى تشرين العسكري، للحضور لاستلام الجثة، بعد أقل من ثلاثة أسابيع على اعتقاله”.
وبعد إحضار الجثة ودفنها لم يلاحظ أبو محمد أي معاملة سيئة لكون شقيقه قُتل في صفوف قوات الأسد، “السبب أن الجميع يعرف شقيقي وكيف تم اعتقاله، وأيضًا الفترة الزمنية القصيرة جدًا بين اعتقاله ومقتله”.
وطالب الشاب بعدم الانجرار وراء الانقسام الذي تسعى قوات الأسد لتكريسه في المناطق الخاضعة للمعارضة عبر اختطاف وتجنيد أبنائها، مضيفًا “يتعمد الأسد تجنيد أبناء المناطق المحررة، ثم يتعمد عند مقتلهم إعادتهم ليتم دفنهم في بلداتهم، ليثير الانقسام والخلاف بين أهالي البلدة الواحدة، فالشهداء تحت التعذيب في سجون الأسد لا يختلفون أبدًا عمن يتم اختطافهم وتجنيدهم قسرًا”.
بينما اعتبر زياد المبارك، وهو عنصر في “الجيش الحر” في بلدة دير العدس، أن وجود أي شخصٍ في صفوف قوات الأسد اليوم هو أمر “غير مبرر بأي شكل”، موضحًا “خلال المعارك ضد قوات الأسد لا يهمنا من الجندي الذي يقابلنا، لا نهتم بجنسيته أو طائفته أو المحافظة التي أتى منها، هم يقاتلون دفاعًا عن الأسد بغض النظر عن هذه التفاصيل”.
وحمّل زياد المجندَ قسرًا مسؤولية تجنيده، فـ “المناطق المحررة شاسعة، وشخصيًا لا أقبل أي مبرر لوجود أي شاب في مناطق سيطرة الأسد، وعندما يتم تجنيده قسرًا، فهو يتحمل المسؤولية، ولا يجب أن يُطلب مني أن أبرر موقفه”.
واعتبر المقاتل أن تشييع المناطق الخاضعة للمعارضة لهؤلاء المقاتلين هو “حالة من الانفصال عن الواقع”، موضحًا “عندما تقع جثة لأحد عناصر قوات الأسد بين أيدينا، يتم دفنها بعيدًا عن مقابر الشهداء، بغض النظر عن محافظته، سواء كان من اللاذقية أو إدلب مثلًا، وفي إدلب عندما تقع جثة أحد أبناء درعا ممن يقاتل في صفوف قوات الأسد، سيفعلون ذات الشيء”.
عاشت الثورة السورية منذ انطلاقتها انقسامات عديدة وصل بعضها إلى حد الاقتتال الداخلي، والتسويات القسرية مع نظام الأسد، ويرى الأهالي اليوم، أن نظام الأسد يعمل جاهدًا على زرع المزيد من الانقسامات في صفوف الثورة، وأنه لا يهدف بالتجنيد القسري إلى رفد قواته بالمقاتلين فقط، بل إلى زعزعة البيئة الاجتماعية للثورة، فأي خلاف أو انقسام، مهما صغر، يستفيد منه الأسد ونظامه.