عنب بلدي – خاص
دخلت الغوطة الشرقية منعطفًا جديدًا بعد ثمانية أيام من اقتتال الفصائل العسكرية، إذ أنهى الطرف البارز الأول ما أراده من عمليته العسكرية، لتطلق تزامنًا مع إعلانه “تكهنات” كثيرة بمواقف الأطراف البارزة الأخرى، التي لم تبين موقفها حتى الآن، سواء بمتابعة العمل العسكري لاستعادة المناطق التي خسرتها، أو الرد بطرق أخرى على ما بدأه الطرف الأول وفق قولها.
ومازالت عمليات الاقتحام والاشتباكات المتقطعة بين الطرفين، في مناطق سيطرتهما في مدن شرق العاصمة دمشق.
في الخامس من أيار الجاري، أعلن فصيل “جيش الإسلام” العامل في الغوطة الشرقية، والطرف الأبرز في اقتتال بلدات ريف دمشق الشرقي، إنهاء ملف جبهة “النصرة”، المنضوية في “هيئة تحرير الشام”.
وقال “الجيش” في بيان له إن معركته ضد الفصيل حققت أهدافها، و”قضت على مقومات وجود هذا التنظيم الدخيل على الغوطة، ولم يبقَ منه إلا فلول طريدة”، محملًا بقية الفصائل مسؤولية ملاحقة “فلول التنظيم” ضمن قطاعاتهم.
لم تمض ساعات على البيان العسكري، حتى طُرحت تساؤلات حول أسباب الرضوخ لإيقاف المعارك بعد أسبوع من الاقتتال.
وعلمت عنب بلدي من مصادر متطابقة أن وساطة تجري في الفترة الحالية، لوقف الاقتتال بين “الجيش” و”فيلق الرحمن”، والذي أدت إلى مقتل عشرات العناصر، وصلوا بحسب مصادر من بلدات الغوطة إلى أكثر من 150 قتيلًا من جميع الأطراف، إضافةً إلى خمسة قياديين عسكريين من الطرفين.
في حين تحدثت المصادر عن اجتماع على مستوى القيادات بين الطرفين، “بوساطة قطرية” لوقف الاقتتال.
وتوجهت عنب بلدي حينها إلى مكتب التواصل في “جيش الإسلام”، للاستفسار حول الوساطة المذكورة، إلا أنه اعتذر عن عدم الإجابة أو الخوض في تفاصيل القضية.
ماذا حقق “الجيش” في هجومه على “تحرير الشام”؟
وبحسب مصادر من داخل الغوطة الشرقية تحدثت لعنب بلدي، فإن “جيش الإسلام” لم يحقق أي تقدم على الأرض، أو يسيطر على مقرات عسكرية تابعة للفيلق و”هيئة تحرير الشام”.
إلا أنه جرّد “الهيئة” من معظم سلاحها “النوعي”، وسيطر على منصات صواريخ “كونكورس” وحشواتها، إضافةً إلى مضادات الدروع، ومدافع 57 وحشواتها أيضًا.
كما سيطر على 1500 بندقية “كلاشنكوف”، والعتاد العسكري التابع بها، و12 ألفًا من قذائف الهاون.
وأشار المصدر إلى أن معلومات انتشرت في مساجد الغوطة تفيد بأن “أغلب المهاجرين الأجانب المنضوين في صفوف الهيئة قتلوا، ما عدا القيادي المعروف المدعو أبو عاصم”.
المواجهات مستمرة و”الفيلق” يطالب بمحكمة قضائية
في سياق متصل، ورغم إعلان “الجيش” إنهاء ملف المعارك ضد “النصرة”، استمرت الاشتباكات بين الطرفين على محور مديرا- مسرابا، في محاولة من “الفيلق” لاسترجاع المناطق التي تقدم إليها “الجيش” في الأيام الماضية من المواجهات العسكرية.
وقال الناطق العسكري باسم “الجيش”، حمزة بيرقدار، عبر حسابه الرسمي في “تلغرام”، إنه “وبعد إيقافنا حملة تطهير الغوطة، وانسحابنا من البلدات التي دخلناها، يحاول فيلق الرحمن بمساندة فلول جبهة النصرة اقتحام مواقعنا في بلدة الأشعري”.
ونقلت مصادر في الغوطة أنّ الطريق مايزال مقطوعًا بين المناطق التي يتمركز فيها “جيش الإسلام” من جهة، و”فيلق الرحمن” من جهة أخرى.
وأوضحت أنّ الطرفين استقرّا في النقاط التي وصلا إليها قبل إعلان انتهاء القتال، ورفع كل منهما سواتر ترابية في نقاط التمركز.
في حين أشار إلى “أنباء عن نية الفيلق الهجوم على بلدة حمورية، في خطوة للقضاء على ألوية المجد المعروفة بأبو موسى الاشعري سابقًا، التي انشقت عنه في اقتتال الفصائل الأخير في نيسان 2016”.
وتتركز نقاط “الجيش” في “قطاع دوما” والمناطق المحيطة بها، بينما تتجمع نقاط “فيلق الرحمن” في “القطاع الأوسط، بدءًا من مدينة حمورية وباتجاه حي جوبر.
إلى ذلك طالب “الفيلق” في بيان له السبت 6 أيار، بتشكيل محكمة لمقاضاة ومحاسبة “كل من أفتى وأمر ونفذ هذا الاعتداء، الذي استهدف كل بلدات الغوطة الشرقية”.
واعتبر أن “الفيلق ينتمي للجيش الحر، ولا ينتمي للفكر التكفيري والمتطرف، بل شارك في محاربة التطرف في الغوطة الشرقية، وشارك في مواجهته بالغوطة الشرقية”، مشيرًا إلى أنه “شريك في استراتيجية لتفكيك التطرف بكل الوسائل، لكن له أدواته بعيدًا عن حماقات المتسرعين”.
واستجابة لبيان “الفيلق” وجهت اللجنة المدنية في الغوطة الشرقية تعميمًا إلى المجالس المحلية والفعاليات المدنية، وطالبتهم بتقديم تقرير حول أحداث الغوطة الشرقية منذ صباح 28 نيسان 2017، يتضمن “قوائم بأسماء جميع الشهداء والجرحى، وقوائم بأسماء جميع المعتقلين، إضافةً إلى قوائم بكامل المفقودات المادية الموثقة لديكم والأضرار الناجمة”.
مثقفو الغوطة.. عن اقتتال الفصائل العسكرية
أبو عمر سقر، رئيس مجلس محافظة ريف دمشق
تم تفويض لجنة مدنية لوقف الاقتتال ونزع فتيل الفتنة، وأنا أحد أعضائها باعتباري رئيس مكتب المحافظ.
اللجنة تعمل منذ ثلاثة أيام وقابلت جميع الفصائل العسكرية، وأصدرت اليوم البيان الأول وستستمر في عملها.
المهندس بسام زيتون، مدير الخدمات في محافظة ريف دمشق
برأيي الأمر هو تقديم أوراق اعتماد للخارج حسب السياق الذي تمر به الثورة وتوجه اللاعبين الإقليميين والدوليين، وخاصة أمريكا وروسيا.
معركة دمشق قام بها “الفيلق” قبل انعقاد مؤتمر جنيف الأخير بأيام فقط، وكلنا كنا نعلم أنها لن تستمر سوى أيام وسيتراجع فيها.
معركة “الجيش” اليوم ضد “الجبهة” تمت قبل أيام قليلة من مؤتمر أستانة، وللملاحظة اجتماع جنيف السابق وجد فيه وائل علوان الناطق الرسمي لـ “الفيلق” كشخصية محورية بالتزامن مع معركة دمشق بقيادة الفصيل الذي يتبع له.
في أستانة سيكون محمد علوش من “الجيش” شخصية محورية أيضًا.
للأسف لا أحد ينظر الى الثورة ونجاحها وما ستقدمه لأهالي سوريا، بقدر ما ينظر إلى حصته ومكانته ونفوذه في سوريا المستقبل.
وحسب ما يقتضيه تحقيق هذا الهدف والسياق الذي تمر فيه الثورة يتم العمل على فتح معركة، إنهاء معركة، اقتتال داخلي، قبول التفاوض، رفض الذهاب إلى المفاوضات.. لا أحد يبني استرتيجيته على مصالح الشعب وتحقيق أهداف الثورة.
المهندس خليل عيبور، رئيس المجلس المحلي لمدينة دوما
أفضّل عدم الحديث، وأرى أنها فتنة والساكت خير من المتكلم والقاعد خير من الواقف.. “الله يكفينا شر هذا الوضع”.
الأستاذ حسام البيروتي، نائب رئيس المجلس المحلي لمدينة حرستا
دائما ما تلبس المصالح السياسة والسلطوية بلبوس الدين أو الإرهاب، وهو ما يكون بالمجمل عاريًا عن الصحة ويؤخذ من قبل الأقوياء كذريعة لتحقيق المصالح والأجندات.
اليوم بصراحة ما يجري في الغوطة برأيي هو صراع السلطة ضمن رؤية للحل مطروحة على طاولة المفاوضات التي تسبق أستانة.
الصراع هو ظاهرًا رغبة “جيش الاسلام” بتصفية “هيئة تحرير الشام”، لكن باطنًا هو إرادة إعادة الهيكلة التي فقدها العام الماضي، ومحاصرة “فيلق الرحمن” الذي يبدو اليوم هو المنافس الوحيد لـ “الجيش” على السلطة، لكنه يراعي ألا يحيد عن هدفه من خلال بياناته ومخاطبته للداخل والخارج، وهو القضاء على من يسميهم “الإرهاب”.. هذا تحليلي الشخصي.
بعض النظر عن التحليلات هذا الاقتتال سيؤثر وبكل المقاييس سلبًا على الغوطة الشرقية على أكثر من صعيد.
التأثير الأول هو معركة القابون التي يشنها النظام منذ أكثر من ثلاثة أشهر، والتي سيساعد هذا الاقتتال على حسمها من قبل النظام، وبالتالي التعجيل بتوجه النظام نحو الغوطة، عدا عن قتل كافة أشكال التماسك والصمود لدى المتقاتلين.
أما الثاني معنويات الناس التي فقدت تمامًا الثقة بكافة المكونات العسكرية، وخاصة أن الاقتتال جاء بالتزامن مع اشتداد الحصار وارتفاع الأسعار بشكل جنوني، ونقمة الناس على المحتكرين، فبدل من أن تتضافر جهود الجميع لوقف الاحتكار، اتجهت بنادق الفصائل باتجاه بعضها البعض.
لكن ورغم ذلك نجد أن الإيجابي في الموضوع هو محاولة الجانب المدني أخذ دوره بشكل كامل من خلال التأييد الشعبي اليوم لمبادراته وتحركاته، وهو ما سيعجل بإعادة التوازن لصناعة القرار بالغوطة الشرقية.
الاقتتال شر وقع، والكل يسعى لتخفيف آثاره من خلال محاولة إيقافه، وبالتأكيد فإن استمراره سيؤدي لعواقب وخيمة جدًا قد تصل إلى سقوط الغوطة، لكن مازلنا ندفع باتجاه العمل الثوري الجامع الذي لا يلغي أحدًا.