إبراهيم العلوش
داعش السنية، وحزب الله الشيعي، وبي كي كي القومي الماركسي، ثلاثة تنظيمات متباينة المبادئ والمذاهب، ولكنها تتفق ثلاثتها على معاداة الثورة السورية والعمل على إنهائها، سواء بالتعاون مع النظام أم بالتظاهر بمعاداة النظام، مستخدمة قواها الفتّاكة، فالتنظيمات الثلاثة تتسم ببناء عسكري منظّم، يجمع بين قدرات الجيوش النظامية، وقدرات العصابات في المناورة والالتفاف وتغيير أهدافها بسرعة وبقدرة كبيرة.
ما يوحّد هذه التنظيمات مع النظام هو البنية الفاشية، والعنصرية المعادية للبشر، ولحقوقهم المدنية، وطموحها في أن تحل محل جيش النظام ليقينها الخالص بأنها أقدر منه على إدارة القسر والإخضاع للناس، بسبب امتلاكها لأيديولوجيا تتطلع لصهر الناس في بوتقتها الجذابة، والمتسمة بالكثير من الإيمان والتسليم القدري بإمكاناتها.
التنظيمات الثلاثة نمت في ظروف سرية، وضمن شروط بناء العصابات والمافيات، التي تستغني عن العقول البشرية، وتكتفي باستخدام البشر كوقود لأفكارها ولنظريتها الطهرانية التي تفاخر بامتلاكها دونًا عن الناس أجمعين.
تنظيم داعش نما في ظروف انكسار دولة صدام حسين، واجتذب إليه الكثير من ضباط الجيش العراقي المهزوم، وخاصة من ضباط أجهزة المخابرات الذين يتسمون باحتقار البشر، والاستخفاف بوجودهم، فما بالك بأفكارهم وبحثهم المشروع عن الحرية والرفاهية لهم ولأبنائهم، كما أراد السوريون في ثورتهم.
استفاد تنظيم داعش من تجربة تنظيم القاعدة في أفغانستان وحصاره في جبال تورا بورا، وتشرّب بدعوات جهادييه الذين يفرّخون الفتاوى التكفيرية كالبعوض السام، واعتاش على أموال الممولين والدعاة الخليجيين الذين يعاملون البشر كمواطنين من الدرجة الثانية، وربما أقل، كما اعتادوا على ذلك في منظومة النخاسة السائدة في الدول البترولية، التي لا تعترف بالوافدين إليها إلا كعبيد يُباعون ويُشترون تحت عنوان الكفالة في تجميل حديث لأساليب النخاسة.
أما حزب الله فقد قام على الضد من المذهب الذي قادته داعش، واعتمد سياسة التخوين والعمالة لإسرائيل باتجاه كل رافض له، أو ضد من يتجرأ على نقده أو نقد نظام ولاية الفقيه.
وبتمويل إيراني ودعم من النظام السوري على مدى سنوات طويلة، ربما يكون قد بدأ تكوين هذا المسخ، منذ ظهور ثورة ولاية الفقيه واستيلائها على الدولة الايرانية، حين حوّلت استبداد جهاز السافاك (المخابرات الإيرانية)، إلى استبداد الحرس الثوري الإيراني الذي يصدّر هيمنته اليوم على طول المنطقة العربية وعرضها.
امتص حزب الله المقاومين اللبنانيين والفلسطينيين ضد الاحتلال الإسرائيلي، واستفاد من قدراتهم، ومن سمعتهم الطيبة ليستجر الاحتلال الإيراني إلى لبنان وسوريا بصراحة تصل إلى حد وقاحة تنظيمات المافيا التي تضع الأخلاق والدين والعواطف جانبًا، وتناقش بمصالحها بتجرد عن كل بعد إنساني، فالحزب لاحق كل السوريين الذين استقبلوا أفراده وتابعيه في المدن والقرى السورية إبان حرب 2006، ونشر حواجزه المميتة التي تبحث عن الخبز والدواء، وعن كل ما يعيق موت السوريين المتحدين للنفوذ الإيراني الطائفي في سوريا.
أما حزب بي كي كي فهو على عكس التنظيمين السابقين لا يعتمد الدين والمذهب الطائفي أساسًا في تكوينه، بل يعتمد المبدأ القومي المغمس بطلاء ماركسي مع خلطة من قوانين المافيات والعصابات الجبلية التي عايشها طوال سنوات قتاله ضد الجيش التركي في شرق وجنوب تركيا، وخرج مهزومًا مثل تنظيم داعش الذي جاء إلى سوريا مهزومًا من العراق.
احتل داعش مساحات كبيرة من سوريا الصحراوية التي تنسجم جغرافيتها مع بنية العقل الفاعل في التنظيم، وخاصة ببعديه العراقي والخليجي، وأعلن دولة الخلافة المزعومة بأساليب العصابة التي تدين لقادتها ومؤسسيها وخلفائهم أكثر مما تدين للبشر المحكومين فيها، وما المقاتلون فيها إلا مجرد أدوات تحركهم المشيئة الإلهية المحتكرة من قبل الخليفة.
حزب الله ركز على سوريا المفيدة والغنية وخنق قراها ومدنها التي تتسم بالكثير من الجمال والتي اشتهرت بالتسامح وقبول الآخر في مناطق حمص ومناطق دمشق والقلمون، ولعل احتلاله لبلدة القصير، وإعلان أهدافه الطائفية كان أول تجل لتبدّل أهدافه الكاذبة في مقاومة الاحتلال الإسرائيلي والممانعة، إلى الخنق والاحتلال الطائفي بالإضافة إلى التهجير والتبديل الجغرافي لغايات طائفية.
حزب بي كي كي استطاع احتلال الجزيرة السورية، وتفريغ المنطقة من الأحزاب والتنظيمات العربية والكردية، بحجة أن العرب كلهم أنصار لداعش، وأن الأحزاب الكردية تعيق تطبيق أيديولوجيته السحرية، التي ستحل مشاكل شعوب المنطقة في ظل الطائرات الأمريكية والغربية، ويقوم برهن المدن والمطارات والبشر لشكل جديد من أشكال الاحتلال، يحجز فيه دورًا فعالًا، وإن كانت وظيفته أقرب إلى المرتزق مما هو إلى الشريك.
التنظيمات الثلاثة تعتمد في نظرياتها مبدأ هدم الدولة، وقد مارست ذلك كلًا على حدة في العراق وفي لبنان وفي تركيا، وهدفها اليوم هو تمزيق الدولة السورية الوطنية، التي لا تتسع لنظرية الخلافة الداعشية، ولا لولاية الفقيه الإيرانية، ولا لنظرية الشعوب الديمقراطية التي يقودها أوجلان عبر فرسانه الذين يعيشون في الجبال، منذ عشرات السنين، في “غيتوهات” لا تحتك بالبشر بل بالنظرية وبالسلاح وبالاغتيال السياسي.
اليوم تنحسر داعش وتعطي أمكنتها لحزب بي كي كي، وتنتقل المناطق التي يحتلها الحزب إلى معسكرات تعد لحرب طويلة مع تركيا، للانتقام من الخسائر والهزائم التي مني بها في تركيا، سواء من قبل الدولة التركية، أو من قبل الكثير من أكراد تركيا، الذين فضلوا حياة الدولة، على حياة العصابة التي لا تجيد البناء بقدر إجادتها للهدم. أما حزب الله الذي شل الدولة اللبنانية وحوّلها إلى دولة مفككة، فهو يهدم اليوم حياة المدنيين السوريين، ويطوّق مدنهم وقراهم بحواجزه التي توزع صور آيات الله بلحاهم الكثة حيث تحتل لحية واحدهم ثلاثة أرباع الصورة، ولا تظهر في الفراغ المتبقي إلا عينان حقودتان لرجل دين، يصر على إعادة خلق العالم على مذهبه.
ثلاثة تنظيمات تتسم باعتماد قيم الهدم، وبالعنصرية، وبنبذ قيم الحرية، تساهم مع النظام بتدمير سوريا، وبتسليمها إلى المزيد من الدول المحتلة، ثلاثة تجليات للهمجية تخرج من صحاري، ومن جبال المنطقة، وتهجم لتدمّر المدن والحواضر السورية التي تثير غيظهم وهي تطالب ببناء بلد متحضر، وحر، وكريم، يحترم كل البشر الذين يرضون بالعيش فيه.