محمد رشدي شربجي
حتى بداية الشهر الماضي، كان كل شيء على ما يرام بالنسبة لبوتين. قوات الأسد تتقدم على معظم الجبهات، صفقات التهجير تجري على قدم وساق، تركيا المنشغلة بمحاصرة الطموح الكردي تتقرب أكثر من روسيا وتقدم التنازلات مرة تلو الأخرى، وأخيرًا مندوبة أمريكا في مجلس الأمن تصرح بأن التركيز على إسقاط الأسد ليس من أولويات الإدارة الأمريكية ولا يجب أن يكون، تبعها المتحدث باسم البيت الأبيض ليؤكد نفس الرسالة، حتى جاء هجوم الكيماوي!
من الصعب فهم السبب الذي يجعل الأسد يستخدم الكيماوي وهو في وضع تميل فيه موازين القوى لصالحه داخل سوريا، أو ما تبقى منها، وخارجها، اللهم إلا هدفه الاستراتيجي المتمثل بإبادة السوريين لا إخضاعهم فقط، وهو ذات المنطق الذي يفسر إقدامه على إعدام عشرات آلاف السجناء لديه علمًا أنهم سجناء ولا يشكلون خطرًا عليه من أي نوع، ويبدو أن التصريح الأمريكي فتح شهية الأسد للتوسع في هدفه الاستراتيجي هذا.
لم يكن رد فعل ترامب متوقعًا، فهو صديق لبوتين الذي تدخل شخصيًا في قرصنة البريد الإلكتروني للحزب الديمقراطي في الانتخابات الأمريكية، ولكنها المصالح مرة أخرى، وصورة أمريكا أمام العالم التي لطخها الأسد هذه المرة، إنها قضية طاعة والتزام إذن، وليست قضية إنسانية، و”على الأسد أن يلتزم باتفاق وقعه بنفسه”، كما قال وزير الخارجية الأمريكي.
قصف مطار الشعيرات خلق واقعًا جديدًا، ووجه رسالة قوية لبوتين بأن روسيا تفعل لأن أمريكا تحجم عن الفعل لا لشيء آخر، وهو ما التقطه بوتين الذي أدرك أن كلام ترامب عن المناطق الآمنة ليس مجرد وعود انتخابية، وهو ما جعله يهرع لتنفيذ مناطق آمنة بطريقته عله يقطع الطريق على مقترحات ترامب.
لا يتوقع أن ينال اتفاق ” تخفيف التوتر” مصيرًا مختلفًا عن مصير الهدن التي أعلنتها روسيا من قبل، فهو عدا عن كونه يستثني بوضوح قوى أساسية فاعلة في سوريا أبرزها السعودية والولايات المتحدة، التي أبدت قلقها كما المعارضة من وجود إيران كطرف ضامن للاتفاق، فإنه لا يحدد آلية واضحة لمراقبة خطوط الفصل، عدا عن كلام نسمعه في كل نسخة من أستانة عن وجود لجنة مشتركة لمراقبة الهدنة، ولا العقوبات التي ستفرض على الطرف المنتهك وغيرها من القضايا التقنية التي لم يتم التوافق عليها.
قصف مطار الشعيرات برغم وجود الجنود الروس بداخله، وإسراع بوتين لإقرار مناطق آمنة لم يكن ليقدم عليها لولا تلميحات من ترامب هنا وهناك، يؤكد الحقيقة المرة الفريدة التي يعيشها العالم منذ نهاية الحرب العالمية الثانية: كل دول العالم بلا استثناء، بدءًا بروسيا وانتهاء بأشباه الدول كحال معظم دول المشرق العربي، لا تتحرك إلا بعد معرفة موقف واشنطن، العالم يريد وواشنطن تريد!
يبقى من حظنا العاثر أن أوقعنا مع إخوة المنهج الذين لم تكفهم إيران والنظام السوري وروسيا فقرروا إضافة الولايات المتحدة عليهم.