عنب بلدي – ر. ك
“83% من الموفدين الحاصلين على منح دراسية مجانية خارج سوريا لم يعودوا منذ عام 2011″، تمثل هذه النسبة إحصائية جديدة نشرتها وزارة التعليم العالي حول وضع البعثات الدراسية وما آلت إليه بعد ظروف الحرب في سوريا.
وفي حديثها إلى صحيفة “الوطن” المحلية، في 12 نيسان الماضي، قالت معاونة وزير التعليم العالي لشؤون البحث العلمي، سحر الفاهوم، إن 923 موفدًا من أصل 1126 تخلفوا عن القانون الذي يلزمهم بالعودة إلى وطنهم بعد حصولهم على المؤهل العلمي من الجامعات التي أوفدوا إليها.
الظروف الأمنية “منعتنا من العودة“
تميم محمد شاب حصل على منحة دراسية مجانية إلى فرنسا، عام 2007، مقدمة من جامعة دمشق لدرجة الدكتوراه فرع العلوم التطبيقية، على أن يعود للبلد عام 2011.
ومع انتهاء مدة بعثته وحصوله على درجة الدكتوراه اندلعت الثورة السورية وتزايدت معها وتيرة “الاعتقالات التعسفية” بحق الشباب، ولم يستطع تميم بعد إلحاح من أهله وخوفهم عليه، أن يعود للبلد، وفق ما قال لعنب بلدي.
“لم يكن في حسباني أن أمورًا كثيرة بحياتي ستبقى عالقة نتيجة عدم عودتي إلى البلد”، أضاف تميم الذي تأثر بموت والده قبل سنتين دون أن يراه، كما أن هجرة والدته وإخوته إلى أوروبا زادت الأمر “تعقيدًا” بالنسبة لحصوله على حقه من الميراث.
ونتيجة الظروف الاقتصادية “السيئة” في فرنسا وندرة حصول السوريين على فرص عمل، كان من الطبيعي بالنسبة لتميم أن يطالب بحقه من ورثة منزل أبيه ومحله التجاري، خاصة بعد هجرة عائلته وعدم حاجتها إلى البقاء في المنزل.
تميم أشار إلى أن أصدقاء له أوصلوا له خبرًا بأن إدارة الجامعة رفعت دعوى قضائية ضده، وبالتالي فإنه يُمنع من بيع وشراء أي من ممتلكاته أو حصصه من العقارات، وبالتالي من الصعب على والدته وإخوته بيع حصصهم.
إجراءات مشددة تتخذها الحكومة
معاونة وزير التعليم العالي، سحر الفاهوم، أشارت لصحيفة “الوطن” أن الحكومة السورية تتخذ إجراءات جديدة بحق الموفدين ممن لم يعودوا، وذلك عبر إرسال مطالب بحقهم إلى وزارة المالية ليصدر قرار بالحجز على أموالهم المنقولة وغير المنقولة.
عنب بلدي تحدثت إلى محامية في دمشق، رفضت نشر اسمها، وأوضحت أن قانون “البعثات العلمية” السوري يُلزم الحاصلين على المنح الدراسية بالخدمة لدى الجهات الحكومية عقب انتهاء المنحة ضعف المدة التي قضوها في الخارج.
وتنص المادة “45” من القانون التشريعي على ما يلي: “يترتب على الموفد العودة إلى الوطن ووضع نفسه تحت تصرف الجهة الموفِدة خلال مدة ستين يومًا على الأكثر من تاريخ انتهاء دراسته ونجاحه في الشهادة، أو من تاريخ الدفاع عن الأطروحة التي سينال بموجبها الشهادة المطلوبة التي أوفد من أجلها”.
كما يلزم القانون الموفدين بدفع ضعفي المبلغ الذي صرفته الجامعة عليهم في حال لم يعودوا إلى البلد، مضافًا عليه نسبة من الضرائب، حسبما قالت المحامية.
وتنص المادة “61” على أنه “إذا خالف الموفد (ببعثة دراسية أو إجازة دراسية) أحكام المادة (45) من هذا المرسوم التشريعي يجب على اللجنة التنفيذية مطالبته برد ضعف الأجور والنفقات المصروفة عليه أثناء مدة إيفاده”.
ولم تنص أي مادة في القانون على إجراءات الحجز على الأموال المنقولة وغير المنقولة للموفد في حال لم يدفع المبالغ المترتبة عليه، خلافًا للإجراءات الجديدة المُتخذة.
ماذا عن “حق” الدولة؟
قانونيًا من حق الدولة في حال عدم استفادتها من كفاءة الموفد، الذي حصل على مؤهله العلمي من خزينة الدولة، أن تسترد المبالغ التي صرفتها عليه خلال مدة الإيفاد.
وتختلف مدة الإيفاد الأساسية للموفد بحسب نوع الدراسة ودرجتها، وتتكفل الدولة بحسب نظام “التبادل الثقافي” مع البلدان الأخرى بكافة مصاريف المنحة، من دفع أقساط الجامعة وتأمين السكن ودفع بدل طعام وتأمين الرعاية الصحية والاجتماعية طيلة فترة الإقامة في بلد الإيفاد.
وبحسب ما ذكر تميم محمد، أثناء حديثنا معه، فإنه يترتب عليه دفع ما يقارب ثلاثة ملايين ليرة سورية، أي ما يعادل 60 ألف دولار عندما كان الدولار بـ 50 ليرة سورية قبل عام 2011.
وقال إنه متخوف من أن يُعدّل المبلغ وفق التسعيرة الجديدة للدولار التي تجاوزت 500 ليرة سورية، ليترتب عليه دفع 30 مليون ليرة.
إلا أن معظم المتخلفين عن العودة، بحسب ما رصدت عنب بلدي، لم يعودوا بسبب الظروف “السيئة” التي تمر بها البلد أمنيًا واقتصاديًا.
وأضاف تميم أن معظم طلاب دفعته الذين خرجوا معه في البعثة لم يعودوا كونهم اتخذوا موقفًا معارضًا للحكومة بداية الثورة السورية، بسبب “أعمال العنف التي ارتُكبت بحق المدنيين”، ولأنهم لا يرغبون بخدمة “نظام قاتل”.
كما أن خوفهم من استغلال الحكومة لخبراتهم وإعطائهم أقل مما يستحقونه، في ظل عدم تناسب متوسط دخل الفرد في سوريا مع غلاء الأسعار، زاد من رغبتهم في عدم العودة والتخطيط لمستقبلهم في الخارج.
هل يصدر إعفاء بحق المتخلفين؟
في أيلول 2016، أقر مجلس الوزراء مشروع القانون المتضمن تسوية أوضاع الموفدين الذين تأخروا في الحصول على المؤهل العلمي المطلوب أو في العودة.
وسمح المشروع الجديد بتسوية وضع الموفد إذا حصل على المؤهل العلمي المطلوب منه في قرار إيفاده بعد استنفاد المدة المحددة في قانون البعثات العلمية، أو إذا غيّر الجامعة أو المعهد الذي يدرس فيه.
ويجب على الموفد أن “يحصل على المؤهل العلمي المطلوب قبل صدور هذا القانون، وأن يضع نفسه تحت تصرف الجهة الموفدة خلال ستة أشهر من تاريخ صدور هذا القانون”.
إلا أن عدد المستجيبين لهذا الإعفاء كان شبه معدوم مع انتهاء مهلة الستة أشهر، حسب ما ذكرت معاونة وزير التعليم العالي، فـ “المغريات” التي تقدمها الحكومة لم تكن كافية بالنسبة لهم.