محمد صافي – حماة
تصبح مدينة حماه كل يوم على أصوات المدافع وراجمات الصواريخ التي تدك ريفها المحرر، فيما تجتاح المداهمات وحواجز النظام أحياء المدينة؛ فما إن يباشر السكان بالتوجه إلى أعمالهم حتى يصطدموا بحواجز مليشيات الأسد التي تقطع أوصال المدينة، وتعمد إلى معاملة «مذلّة» بحق المواطنين، ناهيك عن الاعتقالات التعسفية للشبان الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و 27 عامًا بهدف التضييق عليهم لتهجيرهم خارج المدينة.
أما خلال فترة الظهيرة فتتمركز قوات النظام في أربع نقاط رئيسية: حاجز الكوثر، حاجز الكراج الغربي، حاجز البريد، وحاجز الحزب القديم. ومن هذه النقاط تنطلق ميليشيات الأسد في دوريات إلى الأسواق المجاورة، حيث تنهب وتسلب من أصحاب المحال ومن المارة في الأسواق أيضًا، وهو مشهد بات يتكرر يوميًا.
وفي هذا الوقت أيضًا تبدأ حملات الاعتقالات في الأحياء الشعبية التي احتضنت الثورة، مثل الفراية وباب قبلي والشيخ عنبر وطريق حلب، إذ تدخل قوات النظام الأحياء وتتجول داخلها لفترات طويلة، تداهم خلالها المنازل بحثًا عن المطلوبين والمتخلفين عن الخدمة الإلزامية، فيما استولت قوات النظام على منازل المطلوبين تسرق منها ما تريد.
أما الحواجز الأربعة المحيطة بالمدينة، وهي حاجز كفربهم، حاجز المكننة الزراعية، حاجز دوار النسر، حاجز دوار السباهي، فهي تطبق إغلاق المدينة بشكل كامل عدة أيام كل شهر، كما تضيق حصارها تزامنًا مع عمليات الجيش الحر التي تستهدف حواجز النظام على أبواب المدينة.
وتتكرر على هذه الحواجز سرقة السيارات، ولا تقتصر على سيارات الأهالي والسيارات الصغيرة، وإنما تتعدّاها لسرقة سيارات الشحن بغية استخدامها لنقل الأسلحة والذخيرة من مطار حماه إلى الحواجز والقطع العسكرية المحاصرة في الشمال السوري.
الفترة الأخيرة شهدت تصعيدًا فيما يخص الاعتقالات، فتعدت الشبان وطالت نساء المدينة؛ إذ وثقت العديد من حالات الاعتقال، منها 9 نساء في حارة الجسر، وثلاث في حي طريق حلب، فيما اعتقلت شابتان في حي القصور.
كما ويصل للمدينة أسبوعيًا عدد من جثامين أبنائها الذين قضوا تحت التعذيب في الأفرع الأمنية في دمشق. وكان قد وصل مؤخرًا 93 جثمانًا للمشفى الوطني في حماه لمعتقلين قضوا في مطار المزة العسكري بعد منع الطعام والدواء عنهم، في ظل انتشار أمراض جرثومية نتيجة تآكل جثث المعتقلين الذين قضوا داخل الزنزانة، وساعدت جروحهم المفتوحة –نتيجة التعذيب- على انتشار الأمراض والأوبئة.
ميدانيًا، تحكم قوات النظام سيطرتها على المدينة، وتحول دون القيام بأي عمليات للجيش الحر داخلها، لذا تقتصر عملياته داخلها على الاغتيالات وعلى استهداف مطار حماه العسكري بصواريخ الغراد من الريف الشمالي. أما قوات النظام فترد على استهداف المطار بقصف كفرزيتا الواقعة في الريف الشمالي بشكل يومي بالبراميل والحاويات المتفجرة والصواريخ، إضافة إلى عملها على خلق الخلاف بين الجيش الحر والأهالي، وهذا ما ظهر أخيرًا في حي الكرامة حيث استهدف النظام الحي بقذيفة هاون بالتزامن مع قصف الجيش الحر للمطار، وسارعت قناة الدنيا إلى المكان واتهمت العصابات المسلحة بهذا العمل الذي وقع جراءه شهيدة وجريح.
ومع كل معركة وجبهة جديدة للجيش الحر مع قوات النظام في أي رقعة في سوريا يتوافد الأهالي إلى مدينة النازحين، حماه، حتى أن بعض أحياء المدينة باتت خالية من السكان من أبنائها، ولا يوجد فيها سوى ضيوف المدينة من المناطق الأخرى.
هكذا هي الحياة داخل مدينة حماه اليوم، آمنة من القصف إلا أنها مرتع مريح لمليشيات النظام وسجن كبير للأهالي الذين –وحسب قولهم- لا ينتظرون الجيش الحر ولا أيًا من الفصائل الأخرى المقاتلة لتخليصهم؛ بل يأملون من الله فرجًا طال انتظاره.