معتز مراد
منذ لحظة نشوء داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) خلال السنتين الماضيتين، لم يجرؤ الغالب الأعظم من أبناء الشعب السوري بكافة فصائلهم الثورية (المدنية والعسكرية) على الوقوف علنًا في وجهها، لسببٍ أساسيٍّ وهو رفعها أو استخدامها لرايةٍ عزيزة على قلوب المسلمين، راية «لا إله إلا الله»، وتحدثها باسم الإسلام وتحكيم الشريعة وسيادة مبادئ الدين.
ولكن ما فعلته داعش بحق السوريين فاق كل قدرتهم على التحمل، وعكس تشوهها الخطير في فهم الدين والحياة، ومدى تدخل النظام في صنعها وإطلاق يدها في سوريا. فلم تتورع فصائل هذا التنظيم عن قتل السوريين، مسلمين وغير مسلمين، سلفيين وجهاديين، بطريقة مشابهة تمامًا لطريقة النظام في القتل والتصفية، حتى المعتقلين لم يسلموا من إجرامها، بل شهدنا كيف قُتل مؤخرًا الطبيب حسين السليمان (أمير أحرار الشام في تل أبيض) وعشرات آخرين في سجونها، بطريقةٍ ذكّرتنا بمقتل حمزة الخطيب وغياث مطر في سجون النظام. أضف إلى ذلك استهدافها لتشكيلات الجيش الحر بالسيارات المفخخة وقتلها للعشرات. وسبق ذلك كله استغلالها لجهد الثوار وطعنهم في ظهرهم، فكثير من المناطق المحررة التي سيطر عليها الجيش الحر استولت عليها داعش وطردت منها تشكيلات جبهة النصرة (التابعة للقاعدة أيضًا) وغيرها، مستغلةً انشغال الأخيرة والجيش الحر بحربهم ضد النظام، متناسيةً أن الحرب يجب أن تكون ضد نظام الأسد وليس ضد الأخوة في الدين.
وبعد نفاد الصبر وانتهاء المهل المعطاة لداعش للتراجع عن تلك الأفعال البشعة والتوبة عنها وتسليم الجناة، اضطرت تشكيلات الجيش الحر (الجبهة الإسلامية- جبهة ثوار سوريا- جيش المجاهدين) إعلان الحرب عليها والسعي لطردها من جميع المناطق المتواجدة فيها في سوريا. وبتنا نسمع يوميًا عن تحرير مدن جديدة منها. وتحقيق مجاهدي الجيش الحر لانتصارت كبيرة، رغم أن عين الأخير تركز في الوقت ذاته على الجبهات المفتوحة مع النظام والتي أعلنت داعش أنها ستنسحب منها ليسيطر عليها جيش الأسد كنوع من التهديد وليّ الذراع، في خطوة تعني تمامًا أن النظام أفضل لها وأقل خطرًا من الجيش الحر والتشكيلات الإسلامية.
ولكن علينا أن نعلم أن الخطر سيبقى قائمًا حتى لو تم طرد التنظيم بشكل كامل من سوريا، فسياسته في تفخيخ السيارات وتفجيرها وقيامه باغتيارلات مُرتّب لها للكثير من القيادات العسكرية والمدنية، لن تنتهي بنهاية سيطرته على المدن.
وبعد هذا كله، وبعد أن تمّ إعلان عداء الثورة لداعش أمام العالم، وتم رفض أفعالها بمظاهراتٍ خرجت على شاشات التلفزة في حلب وغيرها (جيش حر للأبد، داعس داعش والأسد- ثورتنا حرة حرة، وداعش تطلع برّة)، فهل سقطت هذه الورقة التي استخدمها نظام الأسد طويلًا أمام العالم، في محاولاتٍ مستميتة لإقناعهم أنه لا يواجه شعبه، بل مجموعاتٍ متطرفة وإسلاميين عبارين للقارات. وهل بان للمجتمع الدولي أن الشعب السوري يرفض بفطرته تلك الأفعال البشعة التي يأباها كل صاحب دين ومبدأ وضمير حي، وأن سوريا لن تكون موطنًا للتطرف، فنسيجها وإرثها الاجتماعي لن يقبلا بذلك.
وهل سيكون هذا الإعلان الكبير (طرد داعش من سوريا) ورقة في صالح الثورة السورية وصورتها العالمية واستعادتها للبوصلة، كونها تنبذ الإرهاب المنظم تحت أي مسمى كان، أم أنّ شمس الثورة سيغطيها غربال النظام والمجتمع الدولي المتآمر من جديد؟
ختامًا يمكننا القول: أن هناك قناعة تنمو وتترسخ لدى الشعب السوري أنّ العبرة يجب أن تكون أولًا بالسلوك والأفعال لا بالأقوال والشعارات الرنّانة.ٍ فتلك روسيا وإيران، تتشدقان يوميًا باحترامهما للقانون الدولي وحقوق الإنسان، ولكنّ أفعالهم وسياساتهم تقتل الإنسان وتدمر أقدم حضارة عرفها التاريخ.