المــالُ يعـادلُ الروح، «بحثــاً عـن حيــاةٍ كريمة»
عنب بلدي – العدد 99 – الأحد 12/1/2014
كُتبت له حياةٌ جديدة بعد أن فضّل البقاء تحت القصف برفقة أمتعته وأشيائه التي عمل جاهدًا على جمعها منذ نزوحه عن مدينته الأم ليستر به عورة نزوحه ويرد بعضًا من المأساة عنه وعن أفرادِ عائلته، إلى أن يسمح له الوقت بالهروب.
أبو أنس، نازحٌ من مدينة داريا، حاله كحالِ جميع النازحين من تلك المدينة وجارتها المعضمية الذين وجدوا في بلدةِ الحسينية الواقعة في الريف الغربي بالقرب من بلدة خان الشيح، ملجأً لهم من بطشِ النظام ووحشيته بعد الحملة الشرسة التي شنّها على المدينتين.
بعد مرور عامٍ على نزوحهم إلى تلك البلدة، دارت اشتباكاتٌ عنيفة بين المعارضة المسلحة وقوات النظام، استطاعت من خلالها المعارضة السيطرة على تلك البلدة والحواجز المحيطة بها، وكانت الضريبة قيام الطيران الحربي بصب غضبه على المدنيين والأحياء السكنية، قاصفًا إيّاها بالبراميل المتفجرة وشتّى أنواع القذائف دون رحمةٍ أو هوان.
لم يجد ساكنو تلك البلدة سواء الأصليين منهم أم النازحين إليها سوى الهرب وسيلةً للحفاظ على حياتهم، ولكنّ بعض النازحين آثروا البقاء تحت القصف برفقة أغراضهم علّ القصف تخف وتيرته، ليخرجوا أمتعتهم وأغراضهم الشخصية، «فالمال يُعادل الروح»، يقول أبو أنس.
زوجة أبو أنس وابنته وطفله استطاعوا الفرار تحت القصف، قاطعين طريق الحسينية-خان الشيح مرورًا بمزارعِ الخان إلى بلدة زاكية مشيًا على الأقدام. بينما آثرت أم أيمن البقاء مع زوجها وطفليها محاولين الخروج بسيارتهم التي امتلأت بأمتعتهم وأغراضهم، لكنّ رصاص النظام وقذائفه القادمة من التلة المطلة عليهم، كانت أسرع منهم باستهدافها لسيارتهم والبيت الذي يسكنونه، فلم يكن عندهم خيار سوى الاختباء بين كروم الزيتون في تلك المنطقة وانتظار قدرهم.
انتظر أبو أنس وأبو أيمن الكثير من الوقت قبل أن يستطيعا الخروج من تلك البلدة، ناقلين أمتعتهم ليلاً إلى مكانٍ خفيٍ عن نظرِ قوات النظام ومنطلقين منذ الصباح الباكر إلى مكانٍ أكثر أمنًا.
بينما لم يكن الحظ حليفًا لمحمد ابن مدينة المعضمية، الذي حاولَ جاهدًا إخراج أغراضه الشخصية، فكان البرميل المتفجر أسرع باستهدافه ليرحل شهيدا قبل أن يُحضر لعائلته كل ما يحتاجونه كما كان قد وَعدهم.
يرى محمود خريج كلية الهندسة، أنّه في ظلِ الصراع السوري القائم، وفي ظل المعارك الدائرة بين قوات النظام السوري والمعارضة المسلحة، يبقى للمدنيين النصيب الأكبر من الموت وتبقى قذائفُ النظام ذلك الشبح الذي يستهدف المدنيين ويطاردهم، دون التمييز بين مسلحٍ ومدنيٍ، إذ أنّ قوات النظام عند خسارتها في أي معركة، «تنتقم من المدنيين كردة فعلٍ على خيبتها»، على حد تعبيره.
بينما ترى أم أنس، أن الجيش الحر يتحمل جزءًا من المسؤوليةِ، إذ أنّها ترمي على عاتقه مهمةَ إخراجِ المدنيين قبل اتخاذ أي قرار باستهداف قوات النظام في المناطق القريبة من أماكنِ تواجدهم.
وبينما لا يزال الخطر محيطًا بالمدنيين من كل حدب وصوب، تتباينُ الآراء وتختلف وجهات النظر؛ فمنهم من يضحى بروحه في سبيل تأمين لقمة العيش أو جمع وتأمين ما تحتاج عائلته، ومنهم من يضحي بكل ما يملك في سبيل سلامته وسلامة عائلته.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :