جنيف2 والمعارضة… ورجل الشارع

  • 2014/01/14
  • 1:23 ص

عنب بلدي – العدد 99 – الأحد 12/1/2014

حنين النقري

«أديش اليوم بالشهر؟ -7 كانون – يعني باقي 15 يوم -قولتك بيطلع بإيدون شي؟»

جزء من حوار بين رجلين عابرين في الشارع؛ بحساب بسيط أدركت أنّ الحديث عن مؤتمر جنيف 2، المتوقع إبرامه في 22 الشهر الحالي. وحقيقة فإن العابرين ليسا وحيدين بترقّبهما -بفارغ الصبر- للمؤتمر وما سيأتي عليه من نتائج، فلسان حال الجميع يتساءل عن مدى قدرة المؤتمر المنتظر على إيجاد حلول للمشاكل العالقة في القضية السورية، ورغم انقسام الشارع بين متفائل به وغير معوّل عليه، إلا أن الجميع مدرك تمامًا لمدى أهمية دور هذا المؤتمر ومحوريته في المرحلة القادمة، وأنه ربما سيكون نقطة انعطاف أساسية في هذا المخاض الصعب.

ومع هذه الأهمية الواضحة يأتي موقف المعارضة الضعيف والمخيّب للآمال بإعلانها عن عدم حسمها لموضوع المشاركة فيه، تاركة المنبر والمقام للنظام السوري، ذاك الذي خلت له الساحة سياسيًا فأصبح يعلن شروطه للمشاركة بجنيف، وتعليقه بعدم الموافقة على أي نتائج صادرة عنه إلا بعد «استفتاء شعبي عام» حسب ما قاله وزير إعلام النظام «الزعبي» في آخر لقاء صحفي معه.

والأمر غير المفهوم هو لمَ تغلق المعارضة بابًا مهما كهذا «بتبجّح» منقطع النظير؛ وهل ثمة بديل عن الحل السياسي في المرحلة القادمة طالما أن الحل العسكري لم يؤت أكله خلال سنتين من الاقتتال وشلال الدماء السورية؛ وكيف لا تسعى المعارضة لطرق كل الأبواب في سبيل فك الحصار عن المناطق المحاصرة، تلك التي بدأت تموت جوعًا أمام أعين الجميع؟

الأخطاء العسكرية على الجبهات أكبر من أن يغضّ الطرف عنها، والحسم العسكري -باعتراف قادة الجيش الحرّ أنفسهم- غير ممكن، فكيف تتوقع المعارضة أن يتم حلّ مشاكل السوريين الإنسانية كبديل عن الحوار وعن الحلّ العسكري معًا؟ لمَ لم تجمع المعارضة أوراقها لحضور مؤتمر جنيف 2 بقوّة تتناسب مع آمال الشعب وتطلعاته، ومستوى تضحياته!

المشكلة الأساسية –برأيي- نابعة من كون المعارضة والقيادات العسكرية للجيش الحر بعيدة كل البعد عن مآسي الناس وجوعهم وواقعهم، فلا هم تحت النار والقصف، ولا هم تحت الحصار والجوع.. ولا هم معتقلون في سجون النظام ينالون ويلاته كلّ يوم.

إن المستطلع لآراء الناس في أي منطقة ترزح تحت الموت البطيء -الجوع- والموت السريع -القصف الأسدي- يدرك بغير كثير من البصيرة أن مبتغى الناس الوحيد اليوم صار «الخلاص» بأقل قدر من الخسائر وأكبر قدر من الكرامة الإنسانية المهدورة يوميًا على طوابير شراء «طحين علف الأبقار»!

الحرب أرهقت النفوس وأضنتها، وأزهقت الأرواح.. الرابح فيها خاسر، وكلا الصفّين مكلوم موجوع يحصي قتلاه بحسرة، لا نساوي هنا بعدالة القضية بينهما، إلا أننا نساويهما بالألم الإنساني.

فلمَ هذا الإصرار على استمرار الحرب، وهل من خاسر فيها إلا الشعب السوريّ الذي بات اليوم بين نازح ومحاصر ومعتقل وشهيد وجريح؟

الغاية الأساسية من الثورة هي الإنسان، والغاية الأساسية للحرب «قتل» الإنسان، فكيف تغدو الثورة حربًا وهما نقيضان هدفًا وغاية؟

هذا الإنسان الذي قامت الثورة به ولأجله لو سألتموه حاله -إن كان يعنيكم- لقال أنه تعب، فاقد الأمل بمستقبل مشرق لسوريّته الحبيبة، فلم لا تطرق المعارضة -بقوّة- كل الأبواب التي تعيد إحياء هذا الأمل فيه؟

هلّا لجأنا للحوار الهادئ الواعي، الساعي -حقيقة لا كذبًا- لخير الإنسان ومصلحته فقط، بعيدًا عن تجار الحروب وأمرائها الراغبين بإطالة عمرها تحقيقًا لمآربهم الخاصة!

النظام يقتل ويقصف ويحاصر، والمعارضة تعاند وتبحث عن المزيد من الدعم المسلّح، والشعب بين حجري رحى يطحن ويسحق وينادي بصوت مخنوق «الخلاص الخلاص» ولكنه بين حجرين أصمين لا يسمعانه.

فهلا أصغيتم لصوت إنسان الشارع البسيط، وسعيتم لفك حصاره ووقف القتال المسلّح، إطلاق سراح المعتقلين من الطرفين، وإيجاد تسوية سياسية تحفظ للإنسان السوري ما بقي من كرامة وعزّة لم تهدر بعد؟

للأسف فإن الثورة السورية قضية حقّ، لكنها وقعت بين يدي محام فاشل غير واع أنه باستهتاره يقود «موكّله» البريء إلى حبل المشنقة، تاركًا المجرم يفرّ بفعلته رغم ثبوت الأدلة عليه.

فهلّا استيقظنا!

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب