عنب بلدي – العدد 99 – الأحد 12/1/2014
حين حوصرت مدينة دير الزور من كافة الجهات، قطع النظام كل الطرقات المؤدية للمدينة ولم يعد هناك للمدنيين من سبيل للخروج منها هربًا من الموت القادم من السماء قذائف وصواريخ، ناهيك عن الرعب الزاحف أرضًا متمثلًا باقتحامات جيش الأسد، إلا طريق الجبل. الجبل العتيق الذي يرقد فيه أبناء المدينة الذين غادروها يومًا، ولم يكن يخطر ببال أحد أن هذا الجبل سيبتلع الأحياء أيضًا كما احتضن الأموات سنينَ طويلة.
على الضفة المقابلة، كان مقاتلو الجيش الحر، وهم قلة قليلة ممن صمد في المدينة، يراقبون سير المدنيين نحو ضفة الأمان، وقد اطمأنوا عليهم أنهم اجتازوا مرحلة الخطر، وكانت المفاجأة الصاعقة، دورية من جيش الأسد أوقفت سيارة مدنية تقل عائلة كاملة من نساء وأطفال وشيوخ لم تدرك أن هروبها من الموت حصارًا وجوعًا وخوفًا استحال هروبًا إلى الموت ذبحًا وحرقًا على يد وحوش لم تدرك للإنسانية معنى.
لم تكن العائلة التي اختطفها النظام هي الوحيدة، بل كانت هناك مئات العائلات التي لقت مصرعها في الجبل، عشرات من الجثث لمدنيين منها من نحر رأسه ومنها من قتل ومنها من حرق، عشرات من الضحايا ملقون فوق بعضهم وكأنهم ركام للمدينة كلها، وكأنهم رواية مبعثرة، نساء اغتصبن قبل أن يذبحن وأطفال بعمر الزهور قتلوا بكل دم بارد، جثث لرجال قد مثل بها وشوهت بطريقة تصور همجية من قاموا بذاك الفعل، وشيوخ ماتوا من رعبهم قبل الموت بسكين القاتل. وامرأة محروقة تحتضن طفلها الصغير بين ذراعيها، ورجل يمسك بأطفاله والكل صرعى.
حين تراكض الكل لرؤية الخطب الجلل، شباب ينقلون جثث الضحايا وعائلات صعدت الجبل لتتعرف على جثث أقاربها للتوثيق قبل الدفن، كان الجميع مجرد أشباح أشخاص تحوم في المكان، فأرواحهم مخدرة من هول المنظر، ولا شيء يواسيهم في تلك اللحظات سوى دموع تنهمر حرقة على أرواحهم التي احترقت مع جثث الضحايا المحروقة.
ولأن الحصار خانق ولا مجيب لنداءات الاستغاثة، ترددت في جنبات المدينة المحاصرة عبارة أطلقها أحد القادة الذين صمدوا في المدينة، «متى تهتز الشوارب»، وإلى اللحظة، وبعد عام وخمسة أشهر على تلك المجزرة، لا زال النداء خافتًا خلف أسوار المدينة، ولا زال الحصار يطوقها ولا زال النظام يتربص بها كالموت متحينًا كافة الفرص للانقضاض على ما بقي فيها من حياة، تلك المدينة التي لازالت تقدم أغلى أبنائها لتعود لها الحياة.