عنب بلدي – العدد 99 – الأحد 12/1/2014
تعتبر مشكلة التمييز في معاملة الأبناء من أكثر المشكلات التي تؤثر سلبًا على صحة الطفل النفسية التي قد تلازمه طوال حياته. هي مشكلة يعاني منها الأبناء مهما اختلف جنسهم أو عرقهم أو حالتهم الاجتماعية. إضافة إلى أن تمييز طفل عن آخر لا ينعكس بالسلب على الطفل الذي يعامل بشكل سيئ فقط، وإنما تمتد آثاره إلى بقية الأطفال في العائلة.
وعلى الرغم من زيادة الوعي بالآثار النفسية لهذا السلوك فإن الكثير من الآباء ما زالوا يمارسون التمييز بين أبنائهم لسبب أو لآخر. فقد بينت الدراسات أن الآباء الذين يتعرضون لضغوط نفسية يميلون في الأغلب إلى معاملة الأطفال بشكل مختلف بعضهم عن بعض، بمعنى أنه من المنطقي أن الأم التي تعاني من ضغوط نفسية لا تتحلى بالصبر الكافي مع الطفل المشاغب، وقد تلجأ إلى تعنيفه. ويمكن أن تستخدم الإيذاء البدني أو الصراخ في وجهه مثلاً، بينما لا يحظى الطفل الأكثر هدوءً بمثل هذا الإيذاء، سواء النفسي أو البدني، مما يشكل فجوة كبيرة في المعاملة، ويؤثر بالسلب على جميع أطفال العائلة.
لا يمكننا أن نغفل الأثر الذي يتركه تمييز الآباء في معاملة أبنائهم، حيث أن هؤلاء الأطفال هم معرضون أكثر من غيرهم للانخراط في العادات السيئة عند بلوغهم فترة المراهقة، مثل التدخين أو شرب الكحوليات أو إدمان المخدرات، ويمكن أن يتورطوا في نشاطات إجرامية مثل السرقة، ويلجؤوا إلى التحايل والخداع، ويمكن في بعض الأحيان أن يحاولوا الانتحار. من الممكن أيضًا أن يكون التمييز دافعًا إلى الجرائم الأسرية، التي زادت حدتها خلال السنوات الماضية، وأصبحت تمثل زهاء 60% من الجرائم التي ترتكب داخل المجتمع، وذلك لأن الأبناء تنشأ بينهم عداوة، فالابن غير المرغوب يعتقد أن إخوته هم السبب فيما يلاقيه من حرمان واضطهاد، فيكون على استعداد للانتقام منهم عندما تتاح له الفرصة.
الممارسات الواجب على الوالدين اتباعها لتفادي التمييز بين أطفالهم:
• يجب على الآباء أن يستوعبوا أن لكل طفل شخصية تختلف عن الآخر وليس بالضرورة أن يكون الإخوة متشابهي الطباع، وأن اختلاف الشخصية لا يجب أن يترتب عليه تمييز في المعاملة. مثلاً في حالة وجود طفل هادئ الطباع وآخر كثير الحركة والنشاط، يجب على الوالدين أن يتفهما طبيعة الاختلاف ولا يعاقبا الطفل كثير النشاط إلا في حالة فعل الخطأ (بمعنى ألا يتم عقابه لمجرد أنه كثير الحركة أو الكلام مقارنة بالطفل الآخر)، ويتحتم عليهما أن يظهرا الحنان والرعاية بنفس القدر من التساوي لكل أطفالهم.
• الابتعاد عن أسلوب المقارنة باستمرار حتى ولو على سبيل التحفيز (مثل مقارنة الأداء الدراسي لطفل بالنسبة للأخ الآخر).
• يجب على الوالدين أن يبذلا جهدًا لفهم دواخل أطفالهم، ومعرفة احتياجاتهم، وردود أفعالهم، وإعطاء الأبناء حقهم في التعبير عن مشاعرهم، وحاجاتهم، والاستماع إليهم جميعًا.
• عدم إبداء اهتمام كبير بالطفل الصغير بصورة لافتة للنظر، خاصة أمام أخيه الذي يكبُره مباشرة كي لا يفسر ذلك بأنه نوع من التمييز بينه وبين أخيه، ومن الضروري أيضًا عدم ذكر السلبيات في الطفل وتجريحه أمام إخوته عندما يخطئ، بل مناقشة ذلك معه على انفراد.
• قد تكون هنالك بعض الظروف التي تضطر الآباء إلى الاهتمام بطفل أكثر من الآخر لأسباب مختلفة، مثل الحالات الاستثنائية عندما يكون الطفل الذي يتم تمييزه يعاني من مرض مزمن يستدعي اهتمام الوالدين وتفضيلهم، وحالات أخرى مثل تمييز الطفل الأصغر في السن. في مثل هذه الحالات، يجب أن تقوم الأم بشرح مبسط للطفل الأكبر في السن عن ضرورة توفير الرعاية للأخ الأصغر حتى يتسنى له أن يكبر ويصبح مثل أخيه، أو في حالة الطفل المريض فيجب على الأم أن تشرح للأخ السليم عن أهمية الاعتناء بأخيه المريض. وبذلك يتم استبدال المشاعر السلبية مثل الغيرة والشعور بعدم الاهتمام بمشاعر أكثر إيجابية مثل العطف والاهتمام بالأخ الأصغر أو الأخ المريض.