عنب بلدي – درعا
تخلّت المزارع والسهول المحيطة في درعا البلد، والتي تعتبر واحدة من أهم الحقول الزراعية في محافظة درعا، عن صفتها الزراعية، وأصبحت أراضٍ سكنية تنتشر فيها الخيام التي تأوي مئات العائلات النازحة.
وكما أن لهذه القصة جانبٌ إنساني، فلها أيضًا جانبٌ اقتصادي مهم، فالمتجول في هذه المزارع، لا بد له أن يلاحظ أن كثيرًا من الحقول الزراعية باتت خالية من المزروعات، فهذه المزارع المشهورة بزراعة الخضروات والحبوب على أنواعها، والتي تضم كذلك عشرات الآلاف من أشجار الزيتون والفواكه، لا تعيش اليوم أجمل أيامها، في ظل المعارك المندلعة على بعد كيلومترات قليلة منها.
عنب بلدي تحدثت إلى عبد الله المسالمة، المزارع في منطقة “الشياح” في درعا البلد، واعتبر أن وجود النازحين في الأراضي الزراعية لم يكن المشكلة بحدّ ذاته، موضحًا “تشهد المزارع هنا انتشارًا كثيفًا للخيام والنازحين منذ عدة سنوات، نتيجة القصف المستمر على أحياء درعا البلد، وهذه لا تعتبر مشكلة، بل إن كثير من أصحاب الأراضي أصبحوا نازحين ومقيمين فيها”.
المزارعون يوقفون العمل
ولم تكن هذه المزارع تسلم من قصف قوات النظام، بحسب عبد الله، الذي أضاف “كانت المزارع تتعرض بشكل متقطع لقصف مدفعي أو إلقاء للبراميل المتفجرة، فهي لم تكن آمنة بمعنى الكلمة، ولكنها بكل تأكيد أفضل من أحياء المدينة التي كانت تشهد قصفًا مستمرًا”.
ولكن مع إطلاق المعارضة لمعركة السيطرة على حيي المنشية وسجنة، باتت المزارع في مرمى القصف بشكل مستمر، “قوات الأسد أصبحت تتقصد قصف المزارع وتجمعات النازحين فيها، على الرغم من عدم وجود أي فائدة عسكرية، ولكنها كانت تهدف إلى إيقاع خسائر بشرية في صفوف المدنيين”.
هذا التصعيد ألقى بظلاله على الموسم، ليضطر عبد الله والكثير غيره من الفلاحين إلى الاستغناء عن موسمهم الحالي، وأوضح “بدأت المعارك مع شهر شباط، ومضى عليها الآن قرابة الشهرين، وهذه الفترة تعتبر أساس الموسم، وخسارتها تعني خسارته بالكامل”.
وأضاف عبد الله أنه اضطر لإلغاء موسمه خوفًا من الخسارة الكبيرة، متابعًا “كنت أخطط لزراعة أرضي بالخضراوات، كالبندورة والخيار، ولكن الأمر كان يحتاج لمغامرة، قد تعرضني لخسارة كبيرة”.
ويصف عبد الله المخاطر التي تواجه المزارع اليوم بـ “المعركة الزراعية”، موضحًا “تعرضت المزارع لقصف بأكثر من أربعة صواريخ محملة بمئات القنابل العنقودية، التي باتت تنتشر اليوم بين المزارع وتعرض حياة المزارعين للخطر، كما أن القصف لا يتوقف، والمزروعات عرضة للحريق في أي لحظة نتيجة هذا القصف، والعمال الذين يعملون في جني المحاصيل يرفضون العمل في هذه المنطقة، وهناك استحالة لاستخدام الآليات الزراعية في هكذا ظروف، وفوق كل هذا، الأسعار لا تشجع أبدًا على الدخول في هذه المعركة الزراعية”.
خوفٌ من الحرائق
بدوره عبّر أيمن بجبوج، صاحب إحدى الأراضي الزراعية في منطقة “الحويرة” جنوب درعا البلد، في حديث إلى عنب بلدي، عن أمنياته في انتهاء المعركة بأسرع وقت، قبل بدء موسم حصاد الزيتون، موضحًا “هذه الفترة، هي فترة الاهتمام بأشجار الزيتون وحراثة الأرض وسقايتها، ومنذ بدء المعركة لم أستطع الاهتمام بالأشجار بالشكل المطلوب، نظرًا لحالة القصف والاشتباكات”.
وأشار أيمن إلى أن استمرار حالة القصف مع بدء دخول موسم الصيف، يشكل خطرًا كبيرًا على الأراضي الزراعية، “نتخوف من الحرائق التي قد تنتشر بسرعة في فصل الصيف، وسط غياب المزارعين عن أرضهم، وصعوبة احتواء النيران مباشرة”.
واختتم أيمن حديثه معتبرًا أن قلق المزارعين على أرضهم مبرر، ولكن الحرص على نجاح المعركة وسلامة المقاتلين مقدم على ذلك، “لا يمكننا أن نطلب من المقاتلين التركيز على سلامة الأراضي الزراعية، إلى جانب العمل العسكري الذي يقومون به، وخسارة المزارع لموسمه الزراعي مقابل تحرير المدينة، ليست خسارة أمام ما يقدمه المقاتلون على أرض المعركة”.
لا تغيب عن الأذهان مشاهد احتراق المحاصيل الزراعية، والتي تكررت كثيرًا في الأعوام الأولى للثورة، فقد كان حرق المحاصيل الزراعية هدفًا لقوات الأسد، في محاولة لدفع المزارع لهجرة أرضه من جهة، وضرب اقتصاد المناطق التي تخضع لسيطرة المعارضة من جهة أخرى. لاحقًا ومع توسع سيطرة المعارضة على مساحات واسعة من أرياف المحافظات، وتحكمها بغذاء المناطق الخاضعة للنظام وكذلك الخاضعة للمعارضة، تراجعت وتيرة هذا الاستهداف، تحت ضغط انهيار اقتصاد النظام السوري.