عنب بلدي – عبادة كوجان
تستمر ساعات “جس النبض” التي وضعتها تركيا أمام الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تخللها قصف جوي هو الأول من نوعه على مواقع “وحدات حماية الشعب” الكردية (YPG)، ومن ثم تحشيد القوات البرية على مقربة من بوابات حدودية شمال الحسكة والرقة، بانتظار ساعة الصفر، لعمل عسكري تركي جديد، يستهدف بالمقام الأول “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، الحليف الأقوى لواشنطن في سوريا.
ولأن واشنطن تعرّف نفسها أنها حليف قوي لأنقرة، وداعم أساسي لـ “قسد” المهيمن عليها من قبل “الوحدات” الكردية، فإن هذه الساعات أصبحت بمثابة “بالون اختبار” أمام العلاقات الأمريكية- التركية، فإن نجح الأتراك، كما بدا أنهم يعدّون، في طرق بوابتي تل أبيض (شمال الرقة) ومنبج (شرق حلب)، فهو مؤشرٌ واضح على تعافي العلاقات بينهما، بينما سيكون الفشل بمثابة تأزم دبلوماسي جديد.
وهنا، بدا كرد “الإدارة الذاتية” المعلنة من قبل حزب “الاتحاد الديمقراطي” الكردي (PYD)، محبطين من الحليف الأمريكي، الذي أبدى “قلقه” حيال ضربات جوية تركية انهالت على المقر الرئيسي لـ “الوحدات” في محافظة الحسكة، بالتزامن مع ضربات مدفعية مركزة على مواقعها في منطقة عفرين شمال غرب حلب، ليتبعها حشودات عسكرية تنذر باقتحام قريب.
تركيا تنشط ضد “قسد”
حركت تركيا في 25 نيسان الجاري، أسطولًا جويًا باتجاه مواقع “وحدات حماية الشعب” الكردية في سوريا، و”حزب العمال الكردستاني” في سنجار شمال العراق، وشنت ضربات جوية مركزة على مواقع “الوحدات” شمال الحسكة، التي اعترفت بمقتل نحو 20 عنصرًا لها.
وبعد يومين، بدأت القوات التركية البرية بتكثيف حشوداتها العسكرية على مقربة من مدن وبلدات كردية في ريف الحسكة، وأبرزها المالكية ورأس العين والدرباسية، بالتزامن مع حشودات أكبر نسبيًا قرب البوابة الحدودية الملاصقة لمدينة تل أبيض في ريف الرقة الشمالي.
وشهدت المناطق سابقة الذكر في الرقة والحسكة، مناوشات بين الجيش التركي و”الوحدات الكردية” المنضوية في “قسد”، استخدمت فيها أسلحة ثقيلة ومتوسطة، دون تحرك بري حقيقي للأتراك باتجاه الحدود، وهو ما خلق جوًا من التوتر في معظم المناطق الخاضعة لـ “الإدارة الذاتية”، أو ما بات يعرف كرديًا بـ “روج آفا”.
عفرين، التابعة إداريًا لـ “روج آفا”، والمفصولة جغرافيًا عنها بموجب دخول الأتراك في “درع الفرات”، لم تكن بعيدة عن التوتر، فركزت المدفعية التركية استهدافها مواقع “YPG” القريبة من الحدود، وهو ما انسحب على المواقع التابعة لـ “الكرد” في مدينة تل رفعت ومحيطها شمال حلب.
ردود فعل محلية ودولية
وقوبل التصعيد التركي الأخير، بمظاهرات واعتصامات دعت لها “الإدارة الذاتية” في المدن والبلدات المسيطرة عليها، رفضت من خلالها ما وصفته بـ “الاحتلال التركي”، ودعت إلى تطبيق حظر للطيران في مناطقها، وسط تهديد مبطن لـ “الوحدات” بالانسحاب من معركة الرقة.
وترجمت عنب بلدي عن بعض وسائل الإعلام الغربية، التي تحدثت إليها نسرين عبد الله، الناطقة الرسمية باسم “الوحدات”، وقالت إنهم سينسحبون من الرقة “في حال لم تتحرك واشنطن وتقوم برد فعل ملموس تجاه الضربات التركية”.
وأضافت “نحن مستمرون بالمعارك ضد داعش، ولكن شعبنا ينتظر ردًا منا على الضربات”، مشيرةً إلى أن “غياب الرد من التحالف الدولي، يجب تبريره فنحن لسنا عصىً بيدهم للتغلب على أعدائهم”، معتبرة أن “عدم الرد من الناتو، وتركيا عضو فيه، دليل على أنه موافق على تلك الضربات”.
الولايات المتحدة، اكتفت بإبداء “القلق” حيال التصعيد التركي، وقال المتحدث باسم الخارجية، مارك تونر: “نشعر بقلق عميق حيال شن تركيا ضربات جوية شمال سوريا وشمال العراق من دون تنسيق مناسب سواء مع الولايات المتحدة أو التحالف الدولي”، مضيفًا “لقد عبرنا عن هذا القلق للحكومة التركية مباشرة”.
وانسحب “القلق” أيضًا على روسيا، التي اعتبرت أن “تصرفات أنقرة هذه تثير قلق موسكو”، لأن “الحديث يدور حول عمليات يجريها العسكريون الأتراك ضد القوات الكردية التي تقاوم المجموعات الإرهابية على الأرض بصورة فعلية”.
وحركت واشنطن، الجمعة 28 نيسان، مدرعاتها إلى المناطق الحدودية مع تركيا شمال الحسكة، فيما بدا أنها محاولة لتهدئة الأوضاع في هذه المنطقة التي لا ترغب أنقرة باقتحامها بالأصل، وإنما تشير المعطيات الميدانية إلى أن الدخول قد ينحصر في تل أبيض شمال الرقة، ومنبج شرق حلب.
سياسة الإصرار والمغازلة
وجدد الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، نية بلاده دعم “الجيش الحر” على دخول منبج، وطرد “قسد” منها، في إعادة لإحياء التفاهمات السابقة مع واشنطن، بعدم اقتراب “الكرد” من الضفة الغربية لنهر الفرات.
وخلال كلمة لأردوغان في مؤتمر لرجال الأعمال بمدينة اسطنبول، السبت 29 نيسان، أوضح “قلنا إنّ منبج هي هدفنا المقبل، ونؤكّد أنّنا على استعداد لتنفيذ عملية الرقة بالتعاون مع قوات التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة”.
على الجانب الآخر من الفرات، ذكرت مصادر مطلعة لعنب بلدي، أن تركيا أدخلت نحو 300 مقاتل من “جيش درع الشرقية” لتمهيد دخولهم إلى تل أبيض، وبالتالي دخول تركيا فعليًا في معادلة الرقة، التي طالبت مرارًا بحجز مقعد لها في المعركة ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وهو ما يواجه الآن صيغة تفاهم مع الأمريكيين، قد تحسمها ساعات “جس النبض”.
رسائل أردوغان الواضحة حيال منبج، لم تخلُ من عبارات غزل للحليف الأمريكي، واصفًا قوة واشنطن بـ “الهائلة”، ومضيفًا “لا يمكن أن يكون هناك تنظيم إرهابي جيد وآخر سيئ، وعندما سأجتمع مع السيد ترامب سأشرح له ذلك”.
سيجتمع أردوغان مع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منتصف أيار المقبل، على أن تكون المسألة الكردية محور نقاشهما، وهو ما يحدد مصير “روج آفا”، التي قد تتلاشى فيما لو انحازت واشنطن للمعسكر التركي.