"كان الرجل يعتبر مساعدته في المصروف من قبل زوجته أمرًا معيبًا ومهينًا"
تحديات جديدة تواجه المرأة السورية
عنب بلدي – حنين النقري
عندما نتحدث عن تأثير الحرب السوريّة على المرأة، لا يمكن حصر ذلك بقرابة 24 ألف شهيدة، أو 7500 معتقلة، بحسب الشبكة السورية لحقوق الإنسان، ولا بخمسة ملايين لاجئ نسبة الأطفال والنساء منهم تقارب 80%، بل لعلّ تأثيرها الحقيقي هو في علاقة المرأة بما يزيد عن 200 ألف شهيد، و25 ألف شهيد طفل، و106 آلاف معتقل، وفيما وراء هذه الأرقام كلها من قصص شخصية، وزوايا يومية قد يراها البعض عادية جدًا، وتحديات جديدة فرضتها تغيّرات الواقع وتبدلاته عليها.
“ليتني أتممتُ تعليمي، على الأقل كنتُ وجدتُ عملًا بشهادتي، الآن أبحث كثيرًا حتى أجد عملًا أتقنه ويزيد دخلنا ويمكننا من إعالة أطفالنا الخمسة”، تقول السيدة أم عبيدة، ثلاثينية مقيمة في ريف دمشق، هذه العبارة أثناء حياكة القطعة التي بين يديها.
معيلٌ واحد.. لا يكفي
رغم أنها تعتبر نفسها من “السوريين المحظوظين”، بعدم خسارة أحد من عائلتها المقربة سواء بالاعتقال أو الشهادة، إلا أن النزوح غيّر حياة أم عبيدة بشكل كبير، وتوضح “في الغوطة، كنا نعيش في منزلنا، وكان زوجي يتكفل بمصروفنا كاملًا، صحيح أن حياتنا لم تكن مرفّهة، وأن مستواها كان تحت المتوسط، إلا أنها مستورة، عمومًا لم يكن نمط عمل المرأة للمساعدة في دخل العائلة منتشرًا في الغوطة، وكان الرجل يعتبر مساعدته في المصروف من طرف زوجته أمرًا معيبًا ومهينًا لرجولته”.
عقب النزوح إلى إحدى بلدات ريف دمشق، وزيادة عدد أبنائها من ثلاثة إلى خمسة، أصبحت مصاريف العائلة مرهقة وثقيلة، وهو ما لم يستطع عمل “أبو عبيدة” الجديد تحمّله، تقول زوجته “عدا عن حجم العائلة الكبير ومصاريف الأطفال المتزايدة، هناك مصاريف جديدة، مثل أجار المنزل، وتكاليف الماء وتوليد الكهرباء، وغلاء أسعار كل احتياجات الحياة، وهو ما لا يمكن لعمل (شغّيل) أن يعيله، وهكذا فكرت بأن أبحث عن عمل، شجعني على ذلك وجود نماذج كثيرة في محيطي لسيدات يساعدن في المصروف، في النهاية الظروف صعبة علينا جميعًا”.
استأجرت “أم عبيدة” آلة خياطة، وبدأت العمل بالحياكة لمشغل جهاز عرائس، وتقول “استفدتُ من دراستي في ثانوية فنّية، فأنا أعرف أساسيات الخياطة، وأعمل بحياكة الشراشف وأغطية المخدات وملابس الصلاة، السعر الذي أتقاضاه على القطعة بسيط جدًا، لكنني أحاول أن أساعد زوجي، وقد يتحسن عملي في المستقبل”.
مسألة مصيريّة
رغم خروجها من سوريا منذ عامين، تؤكد تجربة السيدة ميسم، مهندسة سورية مقيمة في تركيا، ما قالته “أم عبيدة”، “فالعائلة بحاجة لمصدري دخل على الأقل حتى تعيش بكرامة”، وتضيف الشابة “عندما خرجنا من سوريا، اعتمدنا في البداية على عمل زوجي كمبرمج عن بعد مع إحدى الشركات العربية، ورغم أن دخله كان كافيًا لنا، إلا أنه يؤمّن الحد الأدنى من المعيشة مع الاقتصار على الضروريات، دون وجود مبلغ مُدّخر للطوارئ، أو بحبوحة لزيارة أقاربنا في المدن المجاورة، أو القدرة على تسديد إيجار المنزل مقدّمًا لشهرين، كما أن زيارة أحد من الأقارب أو الأصدقاء لنا في المنزل عدة أيام كانت مرهقة اقتصاديًا بشكل كبير، كان هذا حتى بدأتُ بالعمل بشكل حرّ بالترجمة”.
تقول ميسم إن عملها بدأ بتحسين وضعهم الاقتصاديّ ببطء، تضيف “الأمر لا يقتصر على حالتنا كسوريين، معظم العائلات التركية التي أعرفها يعمل فيها فردان أو ثلاثة لإعالتها، دخل واحد لم يعد يكفي كما كان سابقًا، في الماضي كان عمل والدي وحيدًا قادرًا على إعالة 11 فردًا والتكفل بمصاريفهم في الجامعات والمدارس، اليوم صار إنجاب طفل واحد مسألة مصيرية وتحتاج الكثير من الحسابات”.
“حجابي“
عندما سألنا الآنسة رهف، طالبة طب بشري، عن التحديات التي تواجهها كامرأة في إقامتها بألمانيا، لم تتردد في إجابتها “الحجاب”، تقول “سافرتُ إلى ألمانيا منذ ثلاثة أعوام تقريبًا بغرض إتمام دراستي الجامعية، ورغم كوني (سبور) في طريقة لباسي وكلامي مع الجميع ولغتي الألمانية الممتازة، إلا أن الحجاب كان على الدوام نقطة الإشكال بيني وبينهم، الكثير من الزملاء الألمان يتفادون إجراء أحاديث معي أو توطيد علاقاتهم بسبب الحجاب، وهو الأمر الذي يحول بيني وبين الاندماج مع المجتمع الجديد”.
عقب إنهاء دراستها الجامعية، تجاوز الأمر بالنسبة لرهف مسألة العلاقات وتشكيلها، وصار مرتبطًا بالفرص التي تحصل عليها، تقول “الكثير من الأطباء يمتنعون عن تدريبي بسبب حجابي، وهو أمر تكرر مع صديقات عربيات محجبات أيضًا، بالنسبة للشباب الأمور أسهل بكثير، أما بالنسبة للفتيات ففي كثير من الأحيان هي أمام خيارين، الحفاظ على حجابها، أو التمسك بمستقبلها ومسيرتها العلمية والوظيفية”.
أسئلة كثيرة
تشير رهف إلى وجود حالات خلع حجاب بين صديقاتها ومعارفها في أوروبا “البعض اضطررن لذلك للحصول على وظيفة أو فرصة، وأخريات خلعنه عن قناعة ورغبة”، حسب تعبيرها. وبدروها، لا تُخفي رهف حيرتها الشديدة، ومئات الأسئلة التي تدور في رأسها حول الموضوع، تضيف “ناقشتُ أهلي بموضوع الحجاب عشرات المرات، إلى الآن لم أتوصل إلى قرار، لا أرغب بالعودة إلى سوريا أو السفر إلى بلد عربيّ، كما أن سفري إلى بلدان إسلامية أخرى يعني اضطراري لتعلّم لغة جديدة، عدا عن مجهولية المستقبل للأطباء فيها”.
دوائر حكومية
إضافة إلى ما ذُكر، يواجه المرأة داخل سوريا تحدّ من نوع مختلف، سبّبه سفر الشباب من المدن، وخوف الرجال من التنقل في أماكن النظام، الأمر الذي دفع النساء للقيام بأعمال لا خبرة مسبقة لهنّ بها، ومن بينهنّ السيدة هدى، الأربعينية من حمص، وعن هذا تقول “فجأة وجدتُ نفسي سفيرةً للعائلة في سوريا، وكل من يحتاج إلى معاملة حكومية أو إجراء ما، يتواصل معي لأجل ذلك، حركتي كامرأة أسهل من حركة زوجي وأكثر أمانًا، وهكذا بدأت للمرة الأولى منذ وُلدت بالتردد على أروقة المحاكم، والدوائر الحكومية”.
تشير السيدة هدى أنها تقابل الكثير من النساء مثلها في المكاتب الحكومية، وجميعنّ لا يمتلكن خبرة في الموضوع، وتفسّر ذلك “فيما مضى كان الرجال هم من يتولّون هذه الأمور، سواء استصدار هوية، أو جواز سفر، أو دفتر عائلة، لهذا ليس لديّ كامرأة أدنى خبرة في هذا، وأجدني حائرة في أسلوب التعامل مع الموظفين وحيلهم، كما أنني أخاف وأحسب ألف حساب عندما أريد أن (أدفع إكرامية) لأحدهم، وأحتار في الأسلوب المناسب للقيام بذلك لتسيير أموري”.
حكاية جواز سفر
كمثال على ذلك، تشاركنا السيدة هدى عدد الدوائر التي زارتها لاستصدار جواز سفر لابن أخيها المولود حديثًا في السعودية، تقول “تطلّب الأمر نسخة أصلية من شهادة ميلاده في المشفى، وصورًا عن جواز سفر أخي، ثم أخرجتُ قيدًا عائليًا لي ولأخي لإثبات قرابتنا، ثم تثبيت الطفل الجديد في النفوس، وإخراج قيد عائلي لعائلة أخي بعد إضافة الطفل، وتقديم طلب جواز سفر في الهجرة والجوازت، بعد ذلك ذهبت إلى البنك لأدفع، وأخذتُ إشعار الدفع من البنك إلى المالية، هناك صدّقتُ الإشعار، وقدمتُ الإشعار المصدّق مع كل الأوراق المطلوبة لاستصدار جواز السفر لدائرة الهجرة، كل هذا لأحصل على جواز سفر، وليس تأجيل عسكرية!”.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :