هيك الأوامر … من مذكرات معتقلة

  • 2014/01/02
  • 7:32 م

عنب بلدي – العدد 97 – الأحد 29/12/2013

بيلسان عمر

«كنت وصديقتي وأمها قد ركبنا سيارة تكسي –أجرة- في طريق سفرنا إلى لبنان، وأثناء مرورنا على حاجز السومرية، تم تفتيش السيارة، ثم طلب هوياتنا، وأوقفنا جانبًا ليفيش الهويات، وعلى قول أحد عناصر الحاجز «هيك الأوامر لأنكم من داريا»، وأخذوا جوالاتنا، وقاموا بتفتيشها بشكل دقيق، ليأمروا باعتقالنا، واقتادونا إلى فرع الجوية-المطار العسكري- ما يقارب الثالثة ظهرًا.

هكذا بدأت «راما» حديثها، وتتابع «قرأت كثيرًا من قبل في أدب السجون، وفتحت عدة مواقع إلكترونية تتحدث عن معاناة المعتقلين في السجون السورية، وزرت عددًا من المفرج عنهم، وسمعت قصصهم، وتكونت لديّ خلفية كبيرة عن الاعتقال، وطرق التعذيب والتعامل داخل السجون السورية، وعند وصولنا إلى الفرع بدأت أستذكر كل ما قرأت، وأرسم سيناريو مسبق لكيفية سير عملية التحقيق والتعذيب، وأستحضر مع كل قصة قرأتها المزيد من مشاعر الرهبة والخوف من القادم.
دخلنا غرفة الأمانات في ذاك الفرع، وقمنا بتسليم ما كان بحوزتنا، وأعطونا وصل استلام أمانات مسجل عليه بالتفصيل أماناتنا، ثم وقفنا في الممر، وبدأ إدخالنا إلى زنزانة صغيرة، يتم تفتيشنا في الداخل من قبل إحدى العاملات مع أخرى برتبة نقيب، وكان التفتيش بطريقة رهيبة، وبدون مراعاة للآداب العامة، وحجتهن كانت «هيك الأوامر»، ثم حضر أحد العناصر وقام بالتقاط صور لنا، وإرفاقها مع إضبارة سجلوا عليها كل المعلومات الشخصية عن كل واحدة، بحجة «هيك الأوامر».
وبعدها بدأ مسلسل التحقيق معنا، وفي زنزانة الانتظار بقي أحد العناصر برفقتنا كي لا نتكلم مع بعضنا، ولا نخبر بعض ما يجري في غرفة التحقيق، وعندما جاء دوري ما يقارب التاسعة مساء والرهبة مما استذكرت من قراءاتي وصلت القمة، دخلت غرفة التحقيق، وأول ما فعلته تحدثت قبل المحقق وسألته «في اغتصاب هون»، وبدأ يضحك وعبارته ما زالت في أذني حتى الآن «نحن هون لنحميكم.. أنتو شرفنا وعرضنا… منين جايبة هالحكي… نحن مو متل الإرهابيين والجيش الكر»، وطلبت منه أن أحادث أهلي هاتفيًا عندما وقعت عيني على الهاتف، ولكنه رفض وبشدة بحجة «هيك الأوامر»، وسألني الكثير من الأسئلة، منها معلومات شخصية، وأخرى عائلية، ثم عن عملي ودراستي وعلاقتي بالثورة، ونشاطي على الانترنت وصفحات التواصل الاجتماعي، وعدت بعد انتهاء التحقيق إلى الزنزانة حيث صديقتي وأمها، وعندما انتهى التحقيق معنا، أحضروا لنا طعام العشاء (بطاطا مسلوقة، شوربة، زيتون أخضر، خيار) ثم أغلقوا باب الزنزانة، وبتنا ليلتها مع أصوات تعذيب الشباب في الزنزانة المجاورة، وصوت الشفاط يكاد يذهب بعقولنا، وكنا نلمح الشباب أثناء إدخالهم وإخراجهم، وآثار التعذيب بادية عليهم بشكل كبير، وشاهدنا عملية نقل العديد من الجثث لمعتقلين استشهدوا تحت التعذيب، وقضينا ما يقارب الشهر هناك، نجلس مع أخريات، نسمع قصصهن واتهاماتهن، ونشاهدهن أثناء عودتهن من التعذيب، وكثر منهن معهن أولادهن، وكان يعاد أمامي كل ما سبق وقرأته عن وسائل التعذيب وسوء المعاملة، ثم ومع حلول اليوم الثلاثين على اعتقالنا فتح أحد العناصر باب الزنزانة وأمرنا أن نخرج لغرفة الأمانات لاستلام أماناتنا كاملة، وكانت المعاملة جيدة –ليس بمعنى الكلمة في مثل هكذا ظرف- وإنما مقارنة مع الأصوات التي سمعناها، والمناظر التي رأيناها، والحجة كانت «هيك الأوامر»، وتم حولنا إلى القصر العدلي بانتظار القاضي، الذي أمر بالإفراج عنا مع عبارته «هالمرة مرت أموركم على خير، حظكم من السما، بس هيك الأوامر، ما حدا يمد يده عليكم، ولا حدا يعذبكم، ولا يتم توقيفكم أكتر من هيك طالما ما في ولا إثبات ضدكم، ولا شي يدينكم».
وما زلت حتى الآن حائرة بين «هيك الأوامر بمعاملة غيرنا وما شاهدناه بأم أعيننا» وبين «هيك الأوامر بمعاملتنا» و»هيك الأوامر باعتقالنا شهر دونما تهمة».

مقالات متعلقة

فكر وأدب

المزيد من فكر وأدب