عنب بلدي – الغوطة الشرقية
يصف محمد محمد، المغترب في المملكة العربية السعودية، ما يحصل في الغوطة من “ارتفاع جنوني” لعمولة التحويلات المالية، بـ”الجريمة“، متهمًا التُجّار العاملين في الغوطة “باستغلال حصار النظام للأهالي”.
ينتشر داخل مدن وبلدات الغوطة حوالي 60 مكتب صرافة، ستة منهم موثوقون من قبل الأهالي، باعتبارهم أصحاب رؤوس الأموال الكبيرة، والذين يعتمدون عليهم بشكل أساسي. |
ارتفعت عمولات التحويلات المالية في الغوطة الشرقية، لتتجاوز أربعة أضعاف عمّا كانت عليه قبل اشتداد الحصار، في ظل المعارك المستمرة شرق العاصمة منذ شباط الماضي، وإغلاق معظم الأنفاق المؤدية إلى الغوطة، وسط خشية الأهالي من ارتفاع أكبر، يُنقص من قيمة المبالغ المُحوّلة.
ارتفاع يومي للعمولة
زادت عمولة المكاتب على التحويلات من 5 إلى 20%، حتى السبت 22 نيسان الجاري، ويقول محمد إنه اتفق مع أحد المكاتب لأخذ عمولة 20 ألف ليرة سورية، على مبلغ ألف ريال سعودي أرسله إلى ذويه في الغوطة، موضحًا “تفاجأت بأخذ المكتب 25 ألف ليرة، عازيًا السبب إلى التغييرات اليومية في نسب العمولة”.
تأخّر محمد يومين عن إبلاغ ذويه بضرورة استلام المبلغ، كما يوضح في حديثٍ إلى عنب بلدي، مشيرًا إلى أن صاحب المكتب “أبلغني أن العمولة تُحسب بسعر يوم إرسال الإشعار وليس تاريخ إيداع المبلغ”.
كافة التحويلات المالية تصل إلى تركيا، أيًا كانت الدولة القادمة منها، قبل أن تتحول إلى سوريا، بينما تصل مبالغ في بعض الأحيان عن طريق لبنان والأردن مباشرة إلى دمشق. |
مكاتب الصرافة توضح ما يجري
أنس محمد، يملك محلّ صرافة في الغوطة الشرقية، يقول في حديثٍ إلى عنب بلدي، إن نسبة العمولة زادت بعد إغلاق الأنفاق، عازيًا السبب إلى تجار الغذائيات والدخان، “الذين يملكون مبالغ مالية ضخمة، ووجدوا من سوق العملات بابًا أكبر للربح”.
“يستغني التاجر عن 500 ألف دولار كمثال ويعرض منحها كتحويلات مالية بعمولة 15%”، يشرح محمد ما يُعرض من قبل التجار على أصحاب المكاتب، مشيرًا إلى أن البعض اضطر للرضوخ لهم وزاد نسبة 1% على العمولة، ومنهم بعض المؤسسات العاملة في الغوطة.
قبل شهرين كانت المكاتب تُسلم مبلغ 130 ألف ليرة سورية، عن تحويلة مالية قدرها ألف ريال سعودي، إلا أنها انخفضت اليوم إلى 100 ألف، وفق صاحب المكتب، الذي يرى أن أكبر المتضررين “هم المؤسسات التي انخفضت قيمة المبالغ المالية الواردة إليها”، كما تضرر الأفراد الذين يعتمدون على رواتب شهرية من خارج الغوطة.
زاد سعر صرف الليرة مقابل الدولار، من سبع ليرات إلى حوالي 47 ليرة سورية، عما كان عليه قبل إغلاق الطرقات إلى الغوطة. |
حصارٌ نقدي
يرى عبد الله الشامي، الخبير الاقتصادي وعضو مجلس إدارة “الجمعية الخيرية” في دوما، أن أشكال الحصار تعددت في وقت سابق، وطالت للمرة الأولى الكتلة النقدية، عازيًا في حديثٍ إلى عنب بلدي السبب، “لغياب الاقتصاد المركزي في الغوطة”.
لا يمكن تحقيق مركزية الاقتصاد، بوجود المؤسسات والمنظمات كونها ناشئة، ولم تصل إلى مرحلة تستطيع فيها إدارة العملية النقدية بشكل مركزي، وفق الشامي، مشيرًا إلى أن “الغوطة منطقة صغيرة، وليس لها اتصال مع الحدود الخارجية، وبالتالي ترتبط مباشرة باقتصاد النظام السوري”.
اختلف مستوى أثر الحصار النقدي بحسب المؤسسة، ووفق الخبير الاقتصادي، فإن “المؤسسات الضخمة مازالت تعمل حتى اليوم، بينما توقفت الناشئة منها بشكل شبه كامل، وغدا النقد يخضع لدورة مغلقة داخل الغوطة”.
يعتبر سوق الغوطة ضعيفًا بكتلته المالية، الأمر الذي جلب تغيرات متسارعة في الأسعار، وأثرًا سريعًا على أسعار المواد المعروضة في السوق، بحسب الشامي، الذي يؤكد أن الخدمات المقدمة للمستفيدين من المؤسسات انخفضت بنسبة 70%، مع توقف الكتل المالية من الخارج.
ويُوافق الشامي ما تحدث به صاحب مكتب الصرافة، مشيرًا إلى أن “بعض التجار يعرضون الأسعار كما يشاؤون، مستفيدين من الوضع السيئ بسلب النقود المخصصة لدعم الخدمات، والتي يذهب حوالي 20% منها إلى التاجر”.
كانت الغوطة تستقبل مئات الآلاف من الدولارات يوميًا، عام 2014، عن طريق مهربين ينقلونها إلى مخيم الوافدين، القريب من دوما، ويتعاملون مع أشخاص لهم علاقاتهم بمكاتب دمشق، الذين يأخذون بدورهم “أتاوات” مقابل تسليم المبالغ في المخيم.
ورغم خطورة نقل الأموال استمرت بالدخول إلى الغوطة، وحينها كانت عمولة التحويلات للمكاتب تتراوح بين 3 و 4%، تتوزع بين الناقل إلى المخيم، والمُتعامل مع مكاتب دمشق، وصاحب المكتب في الغوطة. بعد فتح الأنفاق، أصبح هناك مندوبون لأصحاب مكاتب الغوطة في برزة، وازدادت الكتلة المالية الواردة، ما خفض من نسبة العمولة إلى 1%، في ظل المنافسة بين المكاتب، والتي استمرت منذ بداية عام 2015، إلى أن ارتفعت قبل حوالي شهرين. |
حلولٌ في ظل الحصار
من الخطأ الاستجابة للتجار، بل يجب البحث عن بديل أو دورة اقتصادية داخلية مضغوطة بين المؤسسات الضخمة والحركة الأساسية في سوق الغوطة، كما يرى الاقتصادي، ويؤكد أنه “من الضروري بحث آلية معينة، والاستعاضة عن التعامل بالنقد، بالعلاقات البينية مع مجمل المؤسسات الكبيرة في الغوطة، ما يُحافظ على الكتلة المالية التي تملكها، ريثما يتغير الوضع”.
المسؤولية الأساسية للحصار، تقع على المنظمات الدولية الداعمة، ومنها الأمم المتحدة بالدرجة الأولى، وفق الشامي، ويعتبر أنه “من المفروض أن تتدخل ضمن المناطق المحاصرة، فالمؤسسات الخدمية في الغوطة تبقى قدرتها ضعيفة في النهاية”.
لا حل جذري للسيطرة على الحركة النقدية في الغوطة، ويتحدث عضو مجلس إدارة “الجمعية الخيرية”، عن تنسيق يجري بين المؤسسات ومجلس المحافظة لتنظيم الأمر، “لكن الطلب الرئيسي، يتمثل بأن تضغط المؤسسات الدولية لإلغاء حصار النظام، الذي يعتبر سبب ما نمر به حاليًا”.
ويجمع من استطلعت عنب بلدي آراءهم من الأهالي، على ضرورة “تجريم” ومحاسبة المستغلين لعمليات التحويل، لأنها لم تؤثر على المؤسسات فقط، بل طالت الأفراد، ناهيك عن الارتفاع “الجنوني” في أسعار المواد الغذائية، بينما توقّع كثيرون ارتفاع عمولة التحويلات إلى مستويات أعلى، خلال الأيام القليلة المقبلة.