ريف إدلب – طارق أبو زياد
“لم يعد الأمر يحتمل أكثر، ومن الضروري البدء بالخطوات التنفيذية، إذ كانت الضربات الكيماوية سابقًا حديثًا عابرًا، لتغدو اليوم أكثر جدية (…) بحثت وتحريت عن الأقنعة الواقية من الغازات السامة، لكي أحصل عليها لي ولعائلتي”.
يقول الشاب منذر العمني، أحد سكان ريف إدلب الجنوبي، واصفًا الحالة التي وصل إليها المدنيون في الشمال السوري المحرر، بعد مجزرة الغازات السامة في مدينة خان شيخون بريف إدلب، والتي اتهم نظام الأسد بالوقوف وراءها.
ويوضح الشاب لعنب بلدي أن “الغالبية من سكان ريف إدلب الشمالي، استعدوا لاستقبال الصواريخ الحاملة للغازات السامة في أي وقت، اعتمادًا على التجهيزات الوقائية من ستر وكمامات”.
أقنعة واقية وغرف معزولة
“توجهت إلى أماكن بيع الأسلحة وملحقاتها في مدينة إدلب، واشتريت خمسة أقنعة واقية من الغازات السامة، لي ولزوجتي ولأطفالي الثلاثة”.
يقول عبد الكريم نمور أحد نازحي ريف دمشق إلى مدينة أريحا بريف إدلب، “بعد شرائي للأقنعة جهّزت غرفة مخصصة في البيت، وعزلت نوافذها وأبوابها، لتكون ملاذًا آمنًا لنا في حال استهدفنا النظام بأي نوع من الغازات السامة (…) قد تحمينا لفترة ارتداء الأقنعة، وقدوم فرق الدفاع المدني”.
وضع عبد الكريم في الغرفة المعزولة “طردين من المشروبات الغازية وعدة أكياس من القطن وبعض المؤن الغذائية البسيطة”، كمواد إضافية قد يحتاج لها أثناء وجوده في الغرفة.
إلا أنه وعلى الرغم من الخطوات “الاحترازية” التي قام بها، “لا يدري إن كانت ستحميه من القصف الكيماوي”.
من جانب “وقائي” آخر، روى الشاب باسل جمال لعنب بلدي، الإجراءات التي قام بها كخطوة استباقية ووقائية للهجمات الكيماوية من طائرات الأسد الحربية، إذ يقطن في مبنى مؤلف من خمسة طوابق، وجهز مع جيرانه في المبنى “ملحقًا على سطح المبنى ليكون وجهة للجميع بحال حدوث أي طارئ، انطلاقًا من كون الوجود في الأماكن المرتفعة هي أكثر النصائح التي يؤكد عليها الدفاع المدني”.
أصناف متنوعة والأسعار تصدم الأهالي
وبالانتقال إلى القائمين على بيع وتجارة هذا النوع من تجهيزات الوقاية من قصف الغازات، تحدثت عنب بلدي مع تاجر الأسلحة القاطن في مدينة الدانا، غالب أخرس، للوقوف على أنواع الأقنعة المتوفرة وأسعارها.
يقول أخرس “توجد في السوق أنواع كثيرة من الأقنعة، ولكل منها استخداماته وجودته وصلاحيته، البعض يأتي من الغنائم التي حصلت عليها فصائل المعارضة خلال معاركها مع قوات الأسد، وهي من النوع الروسي وتعتبر عسكرية بامتياز ويمكن الاعتماد عليها”.
إلا أن سعر هذا النوع من الأقنعة بحسب التاجر “مرتفع نسبيًا، إذ يبلغ سعر القناع الواحد 15 ألف ليرة سورية، أي ما يعادل 30 دولارًا”.
عدا عن ذلك “توجد أنواع أخرى من الأقنعة، كالمقدمة من قبل المنظمات الطبية، والتي يترواح سعرها من خمسة آلاف ليرة إلى 40 ألفًا”، وفق أخرس، الذي لفت إلى “ارتفاع نسبة الطلب على الأقنعة بشكل ملحوظ في الأيام القليلة الماضية، وبرز تجار مختصون بهذا النوع من التجارة”.
إلا أنه، وردًا على ما سبق، يرى هادي أبو منير أحد أهالي مدينة إدلب، أنه “لا قدرة لأغلب السوريين على تأمين أقنعة فعالة، خاصة الذين يعيشون في حالة فقر”.
ويعتبر في حديث مع عنب بلدي أن “تكلفتها كبيرة بالنسبة لأصحاب الدخل المحدود، فالأسرة المكونة من خمسة أشخاص، تحتاج إلى أكثر من 100 دولار فقط لتحصل عليها (…) هذا المبلغ قد يكون كافيًا لتعيش شهرًا كاملًا”.
وبوجهة نظر هادي “الأقنعة لا يمكن أن تفي بغرضها، خاصة في حال حدوث ضربة كيماوية ليلًا، فالناس نائمة ولن تشعر (…) ماذا سيفيدنا القناع حينها؟”.
لا يمكن الاعتماد عليها
علاوة على ما سبق يرى تيسير حلبية، نازح من مدينة حماة، أن “الأقنعة الموجودة في الأسواق، لا يمكن الحكم عليها بأنها ستفي بالغرض وستحمي من الغازات، كون غالبيتها أنواعًا تجارية، ولم تخضع لأي تجربة مسبقة”.
ويوضح في حديث لعنب بلدي، أنه “مهما كانت نوعية القناع، إلا أنه يبقى في إطار التجريب، وفشل عمله في هذه الحالة يعني الموت”.
وكانت فرق “الدفاع المدني” و”الهلال الأحمر السوري” وزعت مطبوعات ونشرتها بين الناس، وأوضحت من خلالها طرق الوقاية، وما الذي يجب فعله بحال تعرض المنطقة للقصف بالغازات السامة.
ولقيت هذه المنشورات اهتمامًا واسعًا بين أهالي الشمال السوري عمومًا، كطريقة للتوعية اللازمة التي أصبحت ضرورية بعد مجزرة خان شيخون التي راح ضحيتها 100 مدني جلهم من الأطفال.