عنب بلدي – خاص
يتنقل أهالي الريف الشرقي من دير الزور يوميًا، بين منطقة وأخرى باحثين عن مكانٍ بعيدٍ عن “قمع” تنظيم “الدولة الإسلامية“، وعن غارات التحالف، في رحلة وصفها البعض بـ“العبثية“، مع ملاحقة المعارك للمدنيين كظلهم في تلك المنطقة.
شدّد تنظيم “الدولة” إجراءاته الأمنية في ريف دير الزور الشرقي، بإصداره قرارًا يمنع تنقل الأهالي إلا بإذن “شرعي”، في آب من العام الماضي، بينما بقيت مناطق التنظيم هدفًا مباشرًا لطيران التحالف الدولي، والطيران الروسي حتى اليوم. |
انقسم الأهالي في الريف الشرقي لدير الزور بين مسلّمٍ بقدره في البقاء، مع البحث عن ملجأ آمن، وسط موجة من الضغوطات متمثلة بالمعارك المستعرة، وغلاء الأسعار الناتج عنها.
وتشهد دير الزور كثافة في القصف من قبل طيران “التحالف الدولي”، يطال مدنها وقراه، فضلًا عن تحركات برية تشهدها الحدود السورية- الأردنية، وتحديدًا منطقة “التنف”، استعدادًا لتحركات تبدو قريبة.
وفق مصادر مطّلعة فإن المعارك يُمكن أن تبدأ قريبًا، باتجاه مدن ريف المحافظة الشرقي، ما جعل الكثيرين يتخوفون من مصير مشابه لأهالي الرقة، النازحين في ظل معارك “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) ضد التنظيم.
ويرى ناشطو المحافظة أن التحركات العسكرية الأخيرة، تشير إلى بداية تطويق دير الزور، سواء من جهة معبر “التنف”، أو من بادية تدمر، بعد تحركات قوات الأسد وتقدمها إلى منطقة “خنيفيس”.
كما تتقدم “قسد” في ريفي دير الزور الشمالي والغربي، وكانت آخر التحركات العسكرية غربها، متمثلة بعملية الإنزال التي شهدتها بلدة التبني، ونفذتها قوات “التحالف الدولي” قبل أسبوعين، ما زاد مخاوف الأهالي، من انسحاب تنظيم “الدولة” من دير الزور وتسليمها للنظام، وسط تأكيدات بخروج “أعداد كبيرة من عناصر التنظيم للالتحاق بجبهات أخرى مشتعلة”.
غدت مدينة الميادين التي تبعد 45 كيلومترًا، شرق دير الزور، موضع ثقل وتمركز لعددٍ من فصائل “الجيش الحر”، بعد خروجها عن سيطرة قوات الأسد في تشرين الثاني 2012، لتصبح بعد حوالي عام مركزًا لـ”جبهة النصرة”. وسيطر تنظيم “الدولة” على المدينة في تموز من عام 2014، وأصبحت منذ ذلك الحين مركز ثقل مالي وعسكري وأمني، في ظل الخراب الذي طال دير الزور، جراء المعارك المستمرة ضد قوات الأسد. |
رحلةٌ تعادل شقاء 60 عامًا
تنقّلت أم حسن، عجوز في السبعين من عمرها، خلال السنوات الخمس الماضية، من ريف دير الزور إلى الرقة والطبقة ثم إلى ريف حلب، إلى أن استقرت اليوم في مدينة الميادين، مع زوجة ابنها “الشهيد”، وأربعة أطفال تتراوح أعمارهم بين 9 و 14 عامًا، يعمل ثلاثة منهم في مهنٍ مختلفة لإعالة العائلة.
وتصف المرأة السبعينية في حديثٍ إلى عنب بلدي، رحلة نزوحها وعودتها، بأنها “تعادل شقاء 60 عامًا مضت”، ورغم اشتداد المعارك قرب المدينة، إلا أن أم حسن تخشى على أحفادها، “في وقت تقل فرص العمل ويغريهم السلاح في بيئة عاشت مطولًا في ظل حكم التنظيم”.
“أصبح التنقل في المدينة مخيفًا بعد ازدياد عدد النازحين بشكل كبير فيها”، يقول أبو عبد الله (23 عامًا)، الذي يملك عربة لبيع الخضار في بلدة قريبة من الميادين، منذ أن ترك دراسته الثانوية عام 2012، ونزح من مدينة الطبقة، التي تخوض “قسد” معارك ضد التنظيم فيها حتى اليوم.
ويرفض الشاب الخروج من بلدته الجديدة، رغم أنها تعرضت للقصف مراتٍ عدة خلال الأيام الماضية، معتبرًا أنه “ماتزال لنا هنا حياة ومنزل وننتظر ما تخبئه لنا الأيام المقبلة”، في حين يُعبّر في حديثٍ إلى عنب بلدي، عن خشيته من “بقاء المدنيين وحدهم في مواجهة القصف، بعد فرار معظم عناصر التنظيم كما تركوا عين العرب وريف الرقة”.
ينتظر أهالي الريف الشرقي لدير الزور، ما ستحمله الأيام المقبلة، في منطقة شهدت خلال السنوات الخمس الماضية، انخفاضًا “كبيرًا” في عدد السكان، الذين يُقدّر ناشطون عددهم بحوالي 400 ألف شخص، من أصل أكثر من مليون نسمة عاشت سابقًا في المنطقة.