- السجن
السجن تجربة حياتية، تجربة زوال، اختفاء، موت، وتجربة وحدة. كما تأتي إلى العالم وحيدًا تغادر كذلك. ما أشبه حالة الدخول إلى السجن بحالة اللاعودة عند الموت، وهنا تأتي أهمية السجن بالنسبة للإنسان. وهي عندما يخرج من السجن ويعود يكون في حالة ولادة جديدة، فيها إجابة عن سؤال أو عن أمنية يتمناها الناس وهي لماذا لا يعود الميت، ويخبرنا ماذا رأى أو ماذا حصل معه. السجن رسالة قوية للإنسان مفادها: هذه المرة عدت إلى الحياة لـتأخذ فرصة ثانية، ولكن انتبه يوجد حالة لا تعود فيها، وهي الموت. حالة الفقدان والاختفاء فيها ألم كبير بدون صوت، بدون صراخ. حالة انتظار مفعمة بالشوق والألم، وفيها ألم لذيذ وشوق حارق. في حالات كثيرة يصاب فيها من ينتظر معتقلاً بالعمى، ليس أولها حالة يعقوب، وهو ينتظر قرة عينه يوسف، بل يوجد كثير من الأمهات أصبن بالعمى وهنّ ينتظرن عودة أبنائهنّ. ربما ألم الانتظار يبعث برسالة للعين أن انطفئي حتى لا أرى شيئًا سوى من أنتظر، أو بكلمات ثانية لأني لا أراك. لا أريد أن أرى شيئاً حتى تعود. {فَلَمَّا أَن جَاءَ الْبَشِيرُ أَلْقَاهُ عَلَىٰ وَجْهِهِ فَارْتَدَّ بَصِيرًا} (سورة يوسف، 96).
العين هي الحاسة الأصدق للتعبير عن الألم، لذلك عندما حصلت على صورة أولادي لم أستطع أن أدقق فيها لثوانٍ (إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع) كم أنت لئيم أيها الحب عندما تتركنا ننزف وحيدين على قارعة الطريق ولا تبقي لنا سوى ذكريات وصور مؤلمة.
- اليقين بالله
{رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ} (سورة إبراهيم، 37).
مدهش هذا اليقين بالله ويكاد لا يصدق، ما فعله إبراهيم عليه السلام عندما ترك من ذريته ابنه إسماعيل مع أمه هاجر في وادي مكة، وهو واد مقفر لا زرع فيه ولا ماء. نحن لا نترك بيوتنا من دون مؤونة تكفي لأشهر قادمة خوفًا من الجوع ونقص المواد في السوق، وبعضها يتلف ولا نستهلكه.