قنديل ضاهر
تخيّل أنك احتجت لمساعدة في الجامعة، فكرة ما لم تفهمها من شرح المحاضر، فاستعنت بأحد زملائك، لم يتردّد زميلك في المساعدة ووافق على شرح الفكرة… شرحها لك وفهمتها جيدًا، شكرته شكرًا جزيلًا للمساعدة.
لاحقًا احتجت مساعدة في نفس المادة، وطلبتها من نفس الزميل، وانتهى الأمر بامتنان كبير له لمساعدتك.
في الامتحان جاءت فكرة مختلفة ولم تعرف حلّها… وجدت لاحقًا زميلك الخدوم يتباهى بينكم أنّه يعرف حلّ الفكرة… وأنّه درسها من قبل من مرجع جيّد في هذه المادة أعطاه إيّاه زميل له أكبر منه… أحسَسْت بشعور سيّء تجاه زميلك هذا… فلا هو أخبرك عن المرجع ولا ذكره أمام باقي الطلاب. وقرّر الجميع عدم مساعدته والتحدّث معه لأنانيّته وعدم محبّته الخير للجميع.
هذا يحصل فعلًا، بل وكثيرًا للأسف، ويمكن تعميم المثال ليشمل جميع نواحي الحياة الاجتماعية.
فكرة التغيير وتبسيط الحياة هي في النتيجة ليست تغيير نفسك، تبديلها كما تبدل ثيابك القديمة بجديدة لتصبح أجمل، بل هي بتغيير نظرتك للحياة… بتغيير نظرتك للمفاهيم التي تعودّت عليها بطريقة ما… لتصحيح مسار حياتك… لتصبح راضٍ عن نفسك فتشعر بسعادة حقيقيّة.
وهنا عليك أن تنظر بطريقة مختلفة لمعنى حبّ الآخرين ومساعدتهم. عليك أنْ تنظر بعين جديدة لمعنى المساعدة والاهتمام. فأنت لا تساعدهم لأجل المساعدة أو الواجب وكفى… بل تساعدهم من أجلهم، من أجل إسعادهم، أنت تساعدهم من أجلك، كي تشعر بالحب والامتنان لله الذي جعلك في موقف تكون فيه صاحب اليد العليا، الذي يمسك اليد السفلى ويرفعها معه، لا يعطيها ويتركها.
أنْ تعطي يعني أنْ تمنح الآخرين كلّ شيء تعلمته وخبرته في الحياة عندما يطلب منك، والأهم عندما لا يطلب منك ذلك، فالإنسان يعلم متى يكون أخوه الإنسان بحاجة لمساعدة في أمر ما، ولكن ربما يخجل في طلبها، فيمد له يد العون بأقصى طاقة، لا أن يخفي عنه شيئًا ليبقى متفوقًا عليه وليبقى أخوه الإنسان محتاجًا له.
أنْ تعطي يعني أنْ تشعر بالحبّ تجاه من تساعد، أنْ تحبّه حقًا، وتساعده بابتسامة من داخلك، وتسلّمه السنّارة التي تعلّمت بها صيد السمك بخبرة وتعلّمه استخدامها، وتخبره بالأخطاء التي وقعت بها كي يجتنبها، لا أن تخبره أنّ السمك هناك كبير ولذيذ، أو أن تعطيه السمك فقط.
كمثال على هذا: مبدأ تبادل العلوم البرمجية اليوم، فهي تراكميّة، كل عارف في هذا المجال أو مجتمع تكنولوجي يبني فوق من سبقه، ففي مجتمع البرمجيات الحرّة والمفتوحة المصدر، مثلًا، لا أحد يخفي شيئًا يعرفه عن الآخرين، التطوير البرمجي متاح لأيّ كان وأينما كان، لا تحتاج أن تبدأ من الصفر، بدل ذلك تبني وتراكم فوق أعمال وإنتاج الجميع حول العالم، وبذلك يكون التطوير أسرع وأكثر إنتاجية.
أن تعطي يعني ألا تنتظر شيئًا بالمقابل، المعنى الحقيقي للعطاء والمساعدة هو أن يكون قلبك مخلصًا، عندما تخلص لعلمك وما كسبته من خبرة، فتنشره للجميع وللخير، تكون قد أخلصت لنفسك ولله الكريم، وعندما يصبح قلبك محبًّا للجميع ولمساعدتهم دون أن تنتظر مقابلًا، ستعيش سعادة من نوع مختلف.
عندما تكون في محنة وتحتاج للمساعدة ستجد الكثير من الأيادي تمتد لك لتساعدك وتقف بجانبك. جرّب أن تضيف عادة «أن تعطي بلا مقابل» في السنة الجديدة هذه، عش حياة مختلفة عنوانها حبّ الجميع، جميع البشر.
وتذكّر… «كلّ ما ترسله للآخرين سيعود إليك».