أبرز النظريات المتداولة عن الحرب المقبلة بين اسرائيل وحزب الله، أن جبهتي الجولان والجنوب اللبناني ستشتعلان سوية. بعض الشائعات يتحدث عن دخول الجيش الأردني الجنوب السوري لاقامة منطقة آمنة باشراف أميركي، في حين يتلقى حزب الله ضربة اسرائيلية في سوريا ولبنان. بحسب هذه النظرية الشائعة، يبقى مدى اشتعال جبهة الجنوب اللبناني مثار تساؤل أساسي: هل يُبقي حزب الله حرب سوريا داخلها؟
وهذا الطرح يدفع الواحد منّا الى التساؤل عمّا إذا نظّم ”حزب الله“ جولته الصحافية على الحدود اللبنانية لتوجيه رسالة ردعية لاسرائيل، أم للإيحاء بارتباط الجبهتين؟
لكن بعيداً عن الشائعات المتداولة، متغيرات على الأرض يجب رصدها. أهمها أن الفرع السوري لـ”حزب الله” يواصل تطوره وتمدده، عسكرياً وحتى مالياً، بما يؤشر لدور منفصل قد يلعبه في المرحلة المقبلة.
مالياً، تداول أخيراً مقاتلون من ”قوات الرضا“، الفصيل الحمصي مما بات يُعرف بإسم “حزب الله” السوري، قراراً لرئيس الجمهورية السورية بشار الأسد يقضي باعتبارهم جزءاً من الجيش السوري، وبالتالي حصولهم على رواتب ومستحقات وتعويضات لعائلات القتلى، مماثلة لما تحصل عليه القوات النظامية. وهذه المبالغ ستُضاف طبعاً الى تمويله الايراني الذي شهد تقلّصاً خلال الفترة الماضية.
بحسب وثيقة تداولها ناشطون، فإن هذا القرار الرئاسي جاء نتيجة تشكيل لجنة من الفرع الحمصي لحزب الله السوري، تحت مسمى ”اللجنة الاسعافية“ خرجت بوثيقة تُلخص عملها، وجاء فيها نقض للواقع الراهن، مالياً ودينياً واجتماعياً وتنظيمياً، ومطالبة بمعاملتهم أسوة باللبنانيين الشيعة. مثلاً، وردت هذه الجملة في البند السابع من الوثيقة: “الاهتمام بالموضوع المادي والدعم للمجاهدين وتأمين الجرحى وعائلات الشهداء وبشكل يقرب الفرق بينهم وبين الاخوة اللبنانيين وحتى السوريين في المحورين السابع والثامن لوقف التسرب الكبير الى التشكيلات الأخرى”. الشكوى من الدور اللبناني البارز، تتكرر في البند الثامن الذي يطالب بـ:
”اعطاء الكفاءات من القيادات السورية دورها التنفيذي في القيادة العسكرية والميدانية واختبار مستواها والمشاركة في القرار واعادة النظر في موضوع الفصل والاستقطاب والعودة الى العمل والمشاكل الناجمة عن هذه الأنظمة التي لا تتناسب مع الحالة الاجتماعية المعيشية لأهلنا في سوريا وأن يبقى دور الحزب (اللبناني) الاشراف والمشورة والتوجيه وبيان حدود العلاقة بين القيادات السورية والأخوة الحجاج (اللبنانيين؟) والاتفاق على نظام يطبق على الجميع ومكتب تنظيمي لحل قضايا الخلاف ضمن التشكيل (سوريين ولبنانيين) يخضع له الجميع دون استثناء وبشكل منصف”.
قد تكون رغبة السوريين في الاستقلال عن اللبنانيين، مفيدة جداً للايرانيين، وهم أصحاب الماركة الأصلية والتمويل المرافق لها. والفصل بين الجانبين السوري واللبناني يفصل الجبهتين، اللبنانية المُتعبة والخطرة، والسورية النازفة أصلاً والمستعدة ربما لاستكشاف تصعيد مستقبلي مع اسرائيل.
ورغم شكاوى قوات الرضا، فإن هناك مؤشرات اضافية اليوم إلى دور “حزب الله” السوري بتشكيلاته المناطقية المختلفة، من حلب الى حمص ودمشق ودرعا، في الحد من النزيف البشري للأصل اللبناني. بيد أن الفرع السوري، وبعد 4 سنوات على تأسيسه، بات لاعباً يُعتد به على أرض المعركة. تتزايد اعلانات ”الشهداء“ في صفوفه، ومعها الاهتمام الغربي والاسرائيلي بدوره المستقبلي في سوريا عموماً والجولان المحتل خصوصاً.
على سبيل المثال لا الحصر، نشر موقع مركز روبين للأبحاث في الشؤون الدولية (تابع لمركز هرتزيليا الاسرائيلي)، بحثاً قصيراً عن “الغالبون”، احدى فرق حزب الله السوري. بحسب البحث القصير الذي أعده كاتب عراقي-بريطاني يقيم في الجولان المحتل، يقود “أبو المقداد”، وهو سوري علوي اعتنق المذهب الشيعي، بحسب البحث، هذه القوة تحديداً. واللافت في الفرقة أنها تؤشر الى عمل ممنهج على تشييع المقاتلين العلويين قبل انضمامهم اليها. يعجز المقال عن توفير أرقام، لكنه يستعرض أسماء بعض القتلى بما يوحي بوجود حالة واسعة النطاق.
ولكن ماذا سيكون دور هذا الحزب في سوريا بعد انحسار الحرب؟ هل سيفتح جبهة الجولان ويربطها بالأزمات السياسية بين الغرب وايران الساعية الى نفوذ اقليمي عابر للحدود؟
المجلس الأطلسي للدراسات نشر بحثاً عن المقاتلين الأفغان في لواء “فاطميون” خلص فيه الكاتب الى أن لهذه القوة الجديدة المدربة دوراً ينتظرها في أفغانستان بعد الانسحاب الأميركي. ستكون هذه القوة إحدى الأدوات الايرانية في أفغانستان. سوريا محطة أيضاً لصناعة نفوذ في أماكن أخرى.
والمفارقة أن الدولة السورية والعراقية وربما غداً اللبنانية والأفغانية ستتولى تمويل هذا النفوذ. الدم والمال والقتال محلي الصنع، والنفوذ ايراني. هذه هي الماركة الايرانية المسجلة التي تُعمم على المنطقة.