محمد رشدي شربجي
في لقاء هو الأول من نوعه، ظهر أبو محمد الجولاني (زعيم جبهة النصرة) على قناة الجزيرة مع الصحفي تيسير علوني ليشرح فيها وجهة نظر جبهة النصرة من معظم القضايا المطروحة، مؤكدًا في ذات الوقت أن الجبهة التي يرأسها لن تنفرد بقيادة سوريا وإنما ستتشارك مع الآخرين.
يشكل هذا الطرح مخالفة لما كانت تقوله الجبهة في بداية ظهورها، حيث كانت تقول أنها لم تأت لتحكم السوريين، وإنما جاءت لتحررهم ومن ثم ليختاروا من شاؤوا.
طبعًا من السذاجة أن نقول أن أحدًا صدقها وقتها، فلا يتخيل عاقل أن ينال فصيل وجوده بالتضحيات والدماء ليقدمها «على البارد المستريح» لغيره.
لم تعد لجبهة النصرة مركزيتها التي كانت عليها منذ عام وذلك لعدة عوامل، أهمها بروز تشكيلات عسكرية قوية زاحمت النصرة على بضاعتها، فلم تعد النصرة الوحيدة التي تدعي حمل لواء الجهاد في العالم الإسلامي، كما سبقتها الجبهة الإسلامية في طرح برنامج سياسي بغية قيام دولة إسلامية «راشدة» وتطبيق الشريعة وغيرها.
من العوامل أيضًا ظهور دولة الإسلام في العراق والشام (داعش) والتي تشكل انشقاقًا عن النصرة في سوريا، وساهمت مساهمة فعالة من حيث لا تدري في تشويه النصرة شعبيًا وإسلاميًا.
لا يهتم عموم الناس لكل هذه التفاصيل، والذين يشكلون الآن الحاضن الرئيس لهذه التشكيلات.
دعونا نتخيل مواطنًا مسلمًا سنيًا يعيش في داريا اسمه محمود، محمود هذا متوسط التدين متوسط الالتزام بالشعائر كلها، ومتوسط الالتزام بالقضايا العامة، ميسور الحال، هو الآن لاجئ في لبنان بعد أن تحول لشحاد، قوات النظام قتلت عددًا من أفراد عائلته واعتقلت الباقيين ودمرت كل أملاكه التي أفنى عمره في كسبها، ذهب مرة إلى معارض سياسي مشهور علّه يجد عنده ما يساعده، وعندما سمع المعارض أنه من داريا بادره فورًا بالسؤال: هل لديكم جبهة النصرة؟ هل لديكم جهاديين وسلفيين بين المقاتلين لديكم؟ لم يفهم محمود ما علاقة هذا السؤال بحالته الإنسانية ولكنه عاد إلى بيته خالي الوفاض.
سمع محمود عن حملة عالمية تطالب بالإفراج عن الراهبات المختطفات، ثم سمع أن مجلس الأمن فشل في إصدار بيان يدين رمي البراميل المتفجرة على أطفال حلب، ثم سمع عن لافروف قوله أن الغرب بات يدرك أن الإسلاميين أكثر خطرًا من بشار الأسد، وأن العالم بشرقه وغربه مهتم بالنصرة وأشباهها، في حين لا يكاد يوجد ذكر لحزب الله وأشباهه.
لم يفهم محمود من كل هذا سوى أنها «حرب منظمة على الإسلام السني في سوريا تشنها القوى الصليبية العالمية مع حركات الشيعة الرافضية في المنطقة»، فعاد إلى سوريا وانتسب إلى جبهة النصرة أو قرر أن يمارس نشاطه في لبنان.
لا يبدو أن أمام السوريين حل إلا الانتساب الجماعي لجبهة النصرة، وهو ما يبدو أن العالم يريدهم أن يندفعوا إليه، فهو يخيرهم صراحة بين خيارين، إما السحق والذبح على أيدي النظام أو الاحتماء بجبهة النصرة.
ينحو العالم في تعاطيه مع الثورة السورية منحىً عجيبًا غريبًا، فهو يرى أن عنف النظام المفرط هو ما ساهم في تجذر حالة السلفية الجهادية، وبدلًا من أن يعمل على إسقاط النظام فإنه يرى أن السلفية الجهادية أخطر من العنف الذي أفرزها.
لا مكان للكلام ولا للتحليل في وضع كهذا، طالما بقي النظام بسكاكينه وبراميله حاضرًا فوق رؤوس السوريين ورقابهم فلن يكون هناك أي جدوى أو مبرر للعمل على معالجة مفرزات هذا العنف.
في الحقيقة ليس الغريب أن يكون هذا موقف المجتمع الدولي، الغريب أن تكون أطراف محسوبة على الثورة والمعارضة تتشارك مع المجتمع الدولي رؤيته. من باب الصدفة فقط فإن هذه الأطراف غالبًا ما تكون من الأقليات الكريمة.