“داعش” ينتقم للأسد
فرضت وزارة الدفاع الأميركية، قبل اسابيع، تعتيماً على عدد القوات البرية التي تنوي نشرها في سوريا والعراق كجزء من الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. وعزا الضباط الأميركيون قرارهم إلى أن تقييد عدد الجنود بالتقلبات السياسية الأميركية وقبول الرأي العام الأميركي، يقيّد يد القوة العسكرية، وأن الضباط عندما ينشرون جنودهم فهم لا يلتفتون إلى ما هو بري وما هو غير بري، ولا إلى الأعداد، بل هم ينظرون إلى القوات من منظور الإمكانيات، أي كتيبة المدفعية وكتيبة الدبابات والقوات الخاصة…
وكانت آخر أنباء انتشار القوات البرية الأميركية، قبل التعتيم، اشارت إلى تواجدها في ثلاث نقاط داخل سوريا؛ عين العرب وغربي الرقة وفي منبج، وكلها في الشمال الشرقي. لذا، تفاجأ الأميركيون لدى إعلان وزارة الدفاع أنها صدّت هجوماً لـ”داعش” ضد قاعدة مشتركة للأميركيين وحلفائهم السوريين في بلدة التنف، جنوبي سوريا قرب الحدود العراقية والأردنية.
وكان الخبراء الأميركيون قد أعلنوا تخوفهم من إمكانية قيام قوات الرئيس بشار الأسد والقوات المتحالفة معها، بالانتقام للضربة الصاروخية الأميركية على قاعدة الشعيرات الجوية قرب حمص، قبل أسبوعين، خصوصاً أن القوات الأميركية في الرقة ومنبج هي في مرمى نيران قوات الأسد.
على أن المفاجأة كانت في أن الانتقام الذي تخوف منه الأميركيون على يد قوات الأسد في الشمال، جاء على يد “داعش” في الجنوب. فأعلنت وزارة الدفاع أنها صدت هجوماً كان مخططاً بعناية، ضد قاعدة التنف، واستغرق ساعات، واستخدم خلاله “داعش” سيارات مفخخة وانتحاريين، قبل أن ينخرط في مواجهات قتالية معقدة داخل القاعدة. ولأن الاميركيين كانوا يتحسبون لهجوم انتقامي يمكن أن تشنه قوات الأسد وحلفاؤها، فهي كانت سحبت جنودها من التنف إلى ما وراء الحدود الأردنية، وتركت في القاعدة قوات المعارضة السورية ممن كانت تعمل على تدريبها وتسليحها.
وبسبب شدة القتال، اضطر الأميركيون للتدخل، خصوصاً عن طريق مقاتلاتهم، وقصفوا مواقع الالتحام عن كثب. وبعد ساعات، نجح السوريون في صد هجوم “داعش” على قاعدة التنف، بمساعدة أميركية، وبعد سقوط قتلى من الجانبين. وبدا أن الأميركيون قد حالفهم الحظ لعدم سقوط قتلى في صفوفهم.
الخبراء الاميركيون، الذين قلّما يعرفون الفارق بين “داعش” والأسد، رددوا بأن الهجمة الانتقامية تشير إلى المخاطر المحيقة بأي تدخل عسكري في سوريا ضد الأسد، وأن على واشنطن ان تأخذ العبر مما جرى. لم يلاحظ الخبراء الأميركيون، الذين اطلوا عبر وسائل الاعلام المختلفة، أن التماهي بين “داعش” والأسد إلى هذا الحد، يجب أن يؤكد ضرورة تدخل أميركا ضد الأسد. فالولايات المتحدة منخرطة في حرب ضد “داعش” منذ أعوام، في العراق وسوريا، وارتباط الأسد و”داعش”، حسبما يشير الهجوم ضد قاعدة التنف، يؤكد استحالة القضاء على واحد من دون الآخر.
ولجهلم بالاطراف المتحاربة في سوريا، لم يتنبه الخبراء الاميركيون إلى أن معرفة “داعش” بوجود قوات أميركية غير معلن عنها في قاعدة التنف هو عمل استخباراتي، قد يكون أكبر من امكانيات الأسد نفسه. وهو ما يطرح أسئلة حول القوى العالمية الاخرى المنخرطة في الحرب السورية التي قد تكون زودت “داعش” بمعلومات حول انتشار القوات الاميركية داخل سوريا. هذه القوى التي تدعي أنها تحارب “الارهاب”، ولكنها يندر أن توجه ضربات لـ”داعش”، بل تكتفي باستهداف المعارضة السورية المسلحة.
والتماهي بين “داعش” من جهة، وروسيا والأسد، من جهة أخرى، يأتي في سياق تقارير مشابهة تتحدث عن دعم روسي وإيراني للطالبان في افغانستان، إلى درجة أفسدت مجهود سنوات قام بها الأميركيون من أجل التواصل مع هذا التنظيم، وسلخ المعتدلين عن المتطرفين، ومحاولة القضاء على المجموعة الأولى وادخال المجموعة الثانية في الحكم الافغاني.
قد يكون الأميركيون على حق في اعتقادهم أن الحروب في الشرق الاوسط معقدة، وأنه يصعب تحديد من مع من، ولكن يبدو أن الحرب السورية معقدة أكثر مما يتصوره الأميركيون، وان الدخول فيها يحتاج إلى مجهود أكبر، لا إلى تقاعس ومحاربة جزء من منظومة من دون الآخر.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :