المركز السوري للتعليم في البقاع اللبناني.. مشروع جديد ينقصه الاعتراف الرسمي
جودي سلام – عنب بلدي
لا يخفى على أحد ما يعانيه الطلاب السوريون اللاجئون في لبنان، فمنذ قدومهم إلى الآن لم تستطع أي من المنظمات الدولية، ومن ضمنها مفوضية الأمم المتحدة، إيجاد حلول لوضعهم الدراسي نتيجة عجز المدراس اللبنانية الحكومية عن استيعاب الكم الكبير من الطلاب الوافدين من سوريا البالغ عددهم قرابة 250 ألف طالب مسجل لدى مفوضية الأمم المتحدة، ناهيك عن مشكلة ضعف اللغة الأجنبية التي يعاني منها الطلاب السوريون بسبب تدني مستوى تدريسها في المدراس الحكومية في سوريا، إضافة إلى عجز غالبية النازحين عن دفع أقساط المدارس الخاصة في لبنان.
بعض المدراس اللبنانية تبرعت بفتح أبوابها بدوام مسائي مخصص للطلاب السوريين، إلا أن معاملة الطلاب كانت دون المستوى المطلوب وتعليمهم يخلو من الجدية بحسب وصف أهالي بعض الطلاب.
من هنا جاءت أهمية افتتاح المركز السوري للتعليم في الثالث والعشرين من تشرين الثاني المنصرم في منطقة تعنايل في البقاع الغربي، بتعاون مشترك بين تجار سوريين، ليضم طلابًا من كافة المراحل الدراسية من الفئة الثانية من الروضة وحتى البكالوريا، معتمدًا على المناهج السورية.
عنب بلدي زارت المركز والتقت أحد مموليه وأعضاءًا من الهيئة التدريسية وعددًا من الطلاب. يقول السيد أبو عمار أحد ممولي المشروع أن المركز لم يقدّم له أي دعم سوى تبرعًا من أحد الجمعيات بأقساط لعشرين طالبًا من أولاد الشهداء والمعتقلين، فمساعدات الأمم المتحدة تشترط أن تكون المدرسة مرخصة من قبل وزارة التربية اللبنانية وتدرس المنهاج اللبناني، وأوضح أن القسط السنوي في المركز يبلغ 250 دولارًا، في حين تبلغ كلفة الطالب الواحد 650 دولارًا في السنة، أي أن عجزًا مقدراه 400 دولار عن كل طالب سيضطر الممولون لتغطيته من جيوبهم لتسديد المصاريف الشهرية من أجور كوادر تدريسية وإدارية، ونفقات تدفئة وكهرباء وأجور نقل. وأكد أنه رغم الغياب الكامل للدعم حتى الآن فإن هذا لن يثنيهم عن إكمال ما بدؤوه حتى يحصل الطالب السوري على حقه في التعلم ويعود إلى بلده ناجحًا.
وأضاف أبو عمار بأنه يأمل من الجهات الداعمة تأمين الأقساط للمزيد من الطلاب ليباشروا دوامهم ويتابعوا دروسهم، فحتى الآن تم تسجيل 500 طالب فقط، بينما لا تزال أكثر من نصف مقاعد المركز الذي يستوعب 1200 طالبًا شاغرة. في حين أشار أهالي الطلاب السوريين، خاصة في البقاع، حيث تعيش معظم العائلات وضعًا ماديًا مترديًا، أنه من غير المحق أن يدفعوا 250 دولارًا سنويًا ما عدا أجور المواصلات.
من جهتهم عبر أهالي الطلاب عن رضاهم عن المستوى التعليمي، وعن جو المركز بشكل عام، وقال بعضهم أنهم «مسرورون جدًا ويشعرون بأنهم في سوريا عندما يدخلون المدرسة»، كما يشعرون بالارتياح للمدرسين والمدرسات الذين تم اختيارهم من السوريين من ذوي الخبرات، وعبروا عن امتنانهم للاهتمام الذي يقدمه المركز، وأوراق العمل التي تعطى للطالب لينجزها في المنزل.
من جهة أخرى اشتكى بعض الأهالي من بطء العملية التدريسية، والتأخر بمتابعة المنهاج، خاصة وأن المركز انطلق بعد شهرين من بدء العام الدراسي. ووفقًا لما نقله الأهالي الذين راجعوا المدرسة، فالإدارة أوضحت صعوبة تكثيف الدروس، فمعظم الطلاب كانوا منقطعين عن أجواء الدراسة والمدرسة لفترة طويلة، وهم بحاجة لبعض الوقت للتأقلم من جديد.
وخلال حديثنا مع الكادر التدريسي في المركز عبرت إحدى مدرسات المرحلة الابتدائية عن سعادتها بالعمل في جو المركز وفي مكان كله سوريون، فقد جربت العمل في مدارس لبنانية حيث تتلقى المدرسات السوريات معاملة رديئة. وعلى الرغم من دنو الراتب البالغ 400 دولار شهريًا، إلا أنها مستعدة للتضحية من أجل الطلاب من أبناء بلدها وتقديم أفضل ما لديها لهم بحسب قولها؛ في حين أوضح مدرس آخر أن 400 دولار كراتب شهري غير كافية، ورغم ارتياحه للعمل في أجواء المدرسة وللتعامل مع الطلاب السوريين أفصح المدرس عن شكوكه بأن الممولين يتلقون الدعم إلا أنهم لم يرفعوا الرواتب بغية تحقيق ربح مالي من المشروع.
وعن الأطفال في المركز يقول أحدهم أنه سعيد جدًا بالمدرسة وبالمقاعد الجميلة والملونة والوسائل التعليمية المتطورة، وقال «لم أكن أحلم في سوريا أن أكون في مدرسة كهذه أو أن أجلس على هكذا مقاعد».
أما الطلاب الأكبر سنًا فقد تحدثوا عن الصعوبات التي يواجهونها نتيجة انقطاعهم لفترات طويلة عن الدراسة، وعبر أحد طلاب الشهادة الثانوية عن انزعاجه من الصفوف المختلطة والتي تنتج عنها بعض القصص «البايخة» بين الشباب والبنات حسب تعبيره. وأضاف أنه تقدم وبعض من زملائه باعتراض للإدارة، التي أوضحت عدم إمكانية الفصل بين الطلاب والطالبات لأن المصاريف ستزيد وسيتطلب ذلك المزيد من الكوادر، وأن المدرسة غير قادرة على تغطية هذه التكاليف في الوقت الحاضر.
وعن موضوع التعليم المختلط، الذي لم يألفه معظم الطلاب السوريين في المراحل العليا وخاصة في الأرياف، أوضحت إحدى طالبات المرحلة الثانوية أن الإدارة تبذل جهدها لضبط الأمور، إذ يتابع المدرسون الطلاب خلال الحصص وخلال الاستراحة، كما قامت الإدارة بتخصيص باصات نقل للذكور وأخرى للإناث.
المشكلة الحقيقية التي تواجهها المدرسة هي موضوع الاعتراف الرسمي بها، حسب ما قالته مديرة المركز، وأضافت أن الطلاب يتابعون تحصيلهم العلمي كي لا ينقطعوا عن الدراسة، والطلاب يسجلون على دفتر العائلة مراعاة للظروف الراهنة، ولن يواجهوا مشكلة في حال عودتهم إلى سوريا، لكن مشكلة الاعتراف بالشهادة ستواجههم في حال انتقلوا إلى مدارس لبنانية أخرى. وعن العقبات المالية أوضحت المديرة أن تكاليف تأسيس المشروع تمت تغطيتها بينما تسعى الإدارة لتأمين الدعم لتغطية التكاليف التشغيلية ورواتب المدرسين والعاملين في المركز.
وفي ختام حديثها أكدت المديرة أن المركز نموذجي ويقدم للطلاب حقهم في الحصول على تعليمهم بكرامة، ويجب أن لا يقتصر هذا النموذج على مركزهم، ويجب أن تقام مراكز أخرى في لبنان لاستقبال الطلاب السوريين، وأضافت «إننا نبذل قصارى جهدنا.. ونحن لسنا الأفضل ولكننا الوحيدون».
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :