حديقة خلفية لتزوير الماركات
منتجات سوريّة “مقلَّدة” تنافس وتسوّق في تركيا
عنب بلدي – ضياء عودة
دفعت موجات لجوء السوريين إلى تركيا، وحاجتهم لمنتجات اعتادوا عليها لم يجدوها في “البلد الغريب”، عددًا من “التجار الجدد” وأصحاب رؤوس الأموال إلى إنتاج غذائيات تقلّد في اسمها المنتجات السورية المعروفة لدى السوريين، وطرحها في الأسواق، استثمارًا للطلب الشديد لها، وتأسيسًا لتجارة جديدة في المغترب، لكن على حساب شهرة المنتجات الأصلية في سوريا.
“شيبس” و”بسكويت” بأنواع متعددة، إلى جانب عددٍ من المعلّبات، حملت أسماء منتجات سورية دون أن تحظى بجودتها أو مذاقها، لتغدو سلعة رائجة في السوق السوري- التركي، بسعر أرخص (بالنسبة للسوريين) قياسًا بالمنتجات الأخرى.
عدم وجود تسجيل وحماية للماركات الأصلية السوق التركي، كان حجة تذرع بها المنتجون “المقلدون” لتبرير العملية. عنب بلدي تواصلت مع تجار سوريين أصحاب ماركات أصلية، وآخرين امتهنوا التقليد، وغدت تجارتهم على مستوىً تجاري واسعٍ في تركيا.
10 آلاف شركة سورية في تركيا
أكد بيان صادر عن رئاسة هيئة الطوارئ والكوارث الطبيعية (آفاد)، التابعة لرئاسة الوزراء التركية، في كانون الثاني 2016، أن رؤوس الأموال والشركات السورية التي تأسست في تركيا 2015، احتلت المرتبة الأولى بين المستثمرين الأجانب في البلاد، بنسبة وصلت إلى نحو 22.3%. ويبلغ عدد الشركات السورية في تركيا، بحسب صحيفة “دنيا” التركية، في أيلول 2015، عشرة آلاف شركة، في حين يرى خبراء أن عدد الشركات يتجاوز عشرة آلاف، إذا تمت إضافة الشركات غير المسجلة، والشركات التي لديها شركاء من المواطنين الأتراك. |
المنتج الأصلي يقاضي بالحماية الدولية
“ديربي” كان من المنتجات السورية التي تعرضت للتقليد، إذ استغل عدد من التجار الاسم الرائج في سوريا لبطاطا “الشيبس” الشعبية، لطرح نسخة مطابقة عنه. وانتشرت البضاعة “المقلدة” بشكل كبير في المحلات السورية في تركيا، وحملت الاسم ذاته مع تعديل طفيف، كإضافة كلمة أو حرف للاسم الأصلي.
البداية الأولى لـ”الشيبس” في تركيا كانت للمالك الأصلي، شركة “كعدان وعفش”، من مدينة مرسين، وبعد أن لاقت إقبالًا كبيرًا بدأت المنتجات الشبيهة “المزورة” بالانتشار في الأسواق، الأمر الذي استدعى تدخلًا من المالك الأصلي، الذي يحمل شهادة دولية للمنتج.
عنب بلدي تحدثت مع مدير الشركة (كعدان وعفش)، حسام كعدان، وعرض في البداية المراحل الأولى لتأسيس المصنع (ديربي) خارج سوريا في مدينة عمان الأردنية عام 2011، تحت اسم “شركة العادل”، بعد أن ولدت في سوريا عام 1979 من قبل التاجرين الحلبيين عادل عفش وحسين كعدان.
وعرف المنتج بكيسه الأحمر ورسم “سوبرمان” عليه، كما احتلت الرقم 1 في السجل الصناعي في سوريا.
وقال كعدان إنه “تم التواصل مع الشركة المزورة (داديخي)، إلا أنها لم تتجاوب نهائيًا، ما اضطره للجوء إلى القضاء التركي، وذلك اعتمادًا على شهاده الحماية التركية التي تحملها الشركة”.
ومايزال التاجر الحلبي ينتظر رد القضاء حتى الآن، موضحًا أن منتج “داديخي” الذي يحمل اسم “ديربي الأصلي”، مزور ولا يحمل أي شهادة حماية من الحكومة التركية، إذ يعتمد في منتجه على طلب تسجيل فقط، “وقامت شركة ديربي الأصلية بالطعن فيه قضائيًا”.
وحاولت عنب بلدي الاتصال مع أصحاب المنتجات المقلّدة للديربي، إلا أنها لم تستطع التواصل معهم.
وأكد كعدان أن “المنتج المزوّر ينتشر على مستوى ضيق، ولا يؤثر على سوق الشركة الأصلية نهائيًا، لكنّه لا يملك أي حماية تركية، وهذا واضحٌ ومثبت في دائرة الحماية التي نتابعها دائمًا”.
وتستهدف عملية التقليد الأصناف المعروفة على مستوىً دولي، فالأمر ينسحب على بقية المنتجات، كماركات الشاي “السوري” الذي غزا بأنواعه السوق، إلى جانب المرتديلا والمعلبات الغذائية، عدا عن القهوة والمتة وتوابعها، ليتحول السوق التجاري إلى وسط للاعبين التجاريين الجدد.
المقلّد يبرر ويرفض الكشف عن اسمه
خلال البحث في ظاهرة المنتجات غير المحمية في تركيا، تواصلت عنب بلدي مع تاجر يملك إحدى شركات البسكويت، المعروفة بشكل كبير لدى السوريين في تركيا، للوقوف على الذرائع والآليات التي يمضي بها في تصنيع منتجه وطرحه في الأسواق، على الرغم من وجود مالك أصلي للاسم المستخدم. وافق الحديث إلينا شرط عدم ذكر اسمه أو الشركة التي ينتج بها.
يقول التاجر السوري “قبل البدء بإطلاق أي ماركة أو منتج معين في تركيا يجب أن يكون العمل نظاميًا، تجنبًا لأي مساءلة قانونية من قبل الحكومة التركية”، مؤكدًا أن “أغلب التجار العاملين في تركيا لا يعملون بشكل رسمي ونظامي”.
وأضاف التاجر “عندما يكون عمل صاحب الماركة نظاميًا وقانونيًا عن طريق مراجعة الدوائر الحكومية المسؤولة في تركيا، وإخراج رخصة عمل للمصنع والمنتج، إضافةً إلى تسويقه، فلا يوجد قدرة لأي شخص على مساءلته أو مقاضاته لأن جميع أموره قانونية في البلد الذي طرح فيه منتجه”.
التاجر كعدان ردّ على ما ذكره التاجر المقلّد، واعتبر أن “بعض التجار السوريين يعتمدون على أسلوب الشطارة، والتي تعتبر أسلوبًا صحيحًا في نظرهم”.
في حين برر التاجر عمله بالقول “أمورنا قانونية وفي موضع رسمي وقانوني، ولا يحق لأحد أن يحاسبنا، لأننا استمررنا في التحضير لمشروعنا منذ سنتين”.
وأوضح “هناك من يقول إن اسم المنتج لديه صاحب أصلي في سوريا منذ عشرين عامًا، ويجب عدم تقليد منتجه الأصلي (…) نحن نقول له إن ذلك كان في سوريا وليس في تركيا، وهناك من يملك أموالًا ورغب في تصنيع المنتج، فأين المشكلة؟”.
إلا أن كعدان أوضح أن “علامات الجودة التي يمتلكها المنتج المزور، روتينية وتصدر في تركيا من خلال التسجيل والدفع (…) أنا أطالب بشهادة حماية ملكية خاصة بالاسم”.
في حين اعتبر التاجر أنه “ليس من المعقول أن يضحي أحد التجار بآلاف الدولارات من أجل تصنيع منتج معين، وتسويقه وطرحه في الأسواق، ليأتي شخص آخر يسمي نفسه صاحب المنتج الأصلي ويوقف العمل، فهذا ليس منطقًا تجاريًا”.
الجودة تغيب عن المنتجات المقلدة
“السوريون يشتكون من المنتجات المقلّدة، فالطعم لا يشابه المذاق الأصلي للمنتج المباع في سوريا سابقًا”، يقول التاجر سالم أبو أحمد، صاحب محل لبيع المواد الغذائية في حي اسنيورت بمدينة اسطنبول.
وأكّد لعنب بلدي أن المنتجات، وخاصة البسكويت والشيبس، التي يبيعها في محله، تفتقد للجودة التي كانت عليها المنتجات السورية الأصلية.
وأشار إلى أنه “في أغلب الأحيان تعاد بعض البضائع من قبل المستهلكين، نظرًا لرداءتها، على الرغم من الأسماء المشهورة التي تحملها”.
وعن الآلية التي يتبعها التاجر “أبو أحمد” في شرائه للبضائع والتأكد من جودتها، ومحتواها الغذائي قبل بيعها للمستهلك، أوضح “اعتمدت في البداية بشكل أساسي على الشراء من مندوبين جوالين، إذ تتنوع المنتجات التي يحملونها في سياراتهم”.
وتحدث عن طرق غش وتزوير يتبعها بعض التجار السوريين، من خلال وضع لصاقات تحمل أسماء لمنتجات سورية مشهورة، ليتبين فيما بعد أنها منتجات تركية رديئة الجودة، وضعت لصاقة الماركة السورية فوقها.
“القتم”.. الحديقة الخلفية للصناعة “المقلدة”
ووردت معلومات لعنب بلدي عن وجود سوق في مدينة غازي عنتاب التركية، يسمى بسوق “القتم”، وهو سوق عشوائي، تغض الحكومة التركية النظر عنه، و80% من المنتجات السورية التي تصنع وتباع فيه غير مرخصة.
ويضمّ السوق مصانع لتعبئة المواد المقلّدة، كالزعتر والزيت، وإضافة اسم الماركة عليها بسهولة.
وانطلاقًا منه تصدّر الشركات إلى الدول الأخرى كالعراق، إضافةً إلى الداخل السوري، فتكاليف الصناعة منخفضة نسبيًا عن المصانع المعتمدة والمرخصة، وهي بعيدة عن الخطر المحيط بإيقاف التجارة.
ولا يقتصر الأمر على المنتجات الغذائية فقط، بل انتشرت في السوق محال لتصنيع الشامبو بأنواع مختلفة، وبماركات معروفة عالميًا كشامبو “هامول”، دون وجود أي صلة للتاجر الذي يصنعه بالمنتج الأصلي.
المقلّد يسوّق منتجه إعلانيًا
في سياق العملية التجارية لأصحاب الماركات التجارية المقلدة، ركّز التجار الجدد في عملهم التجاري على عنصر “التسويق الإعلاني”، سواء من خلال الصحف الإعلانية السورية المنتشرة في الولايات التركية، أو عن طريق وسائل التواصل الاجتماعي، وخاصة “فيس بوك”، والذي ضم عشرات الحسابات لهذه الشركات المقلدة، بحسب ما رصدت عنب بلدي.
وللوقوف بشكل أوسع على هذه الخطوة الأساسية التي يتم الاعتماد عليها في عملية تسويق منتجاتهم، تواصلت عنب بلدي مع الشاب فراس، مدير صحيفة إعلانية في تركيا.
وأوضح أن “التجار يسوّقون منتجاتهم من خلال الصحف الإعلانية الموجودة داخل تركيا، إذ تحجز صفحات كاملة للترويج”.
وأشار إلى أن حركة إعلانية كبيرة تشهدها الصحف، تتجاوز فيها نسبة الإعلانات لمنتجات مقلّدة 60 إعلانًا شهريًا، من أصل 500 تقريبًا”.
وتطرّق فراس، كونه مطّلعًا بشكل مباشر على الظاهرة، إلى بعض التجار الذين يتبعون أسلوب “الضربات”، ويقصد بها “حجز التاجر اسم شركة لمنتج معروف في سوريا، ثم يبيع الاسم لتجار في ولاية تركية أخرى، وبسعر مغرٍ قد يصل إلى آلاف الدولارات”. وأشار إلى “التنافس بين المنتجات المقلدة، باستقطاب شركات تركية تدعم الماركة وتنتجها رسميًا”.
ولا يكتفي التاجر بماركة واحدة فقط، بحسب مدير الصحيفة، بل “يطرح أكثر من نوع معتمدًا على شهادات الحماية المستخرجة من تركيا، ويركز بشكل أساسي على الماركات الدولية، كاسبًا الاسم بغض النظر عن الملاحقات القانونية”.
ما الأثر التجاري الذي تتركه الماركات المقلدة؟
توجهت عنب بلدي بالسؤال إلى التاجر الحلبي حسام كعدان، عن الأثر التجاري الذي تتركه هذه العملية التجارية المعتمدة على التقليد، “سرقة الماركات”.
وأوضح أن “هذه العملية تعود إلى جشع التاجر السوري، الأمر الذي ينعكس على الوسط الاجتماعي وعلى صورة التجارة السورية بشكل سلبي”.
وبحسب كعدان، “على التجار في المجتمعات الأخرى خارج بلادهم، أن يكونوا سفراء إيجابيين لسوريا، وليس العكس”، داعيًا “أي مزور ومقلد للمنتج أو من يدعي أحقيته به، أن يبرز الوثائق القانونية التي يمتلكها”.
في حين قال التاجر السوري، الذي رفض الكشف عن اسمه، إنه “يجب دراسة جميع الأمور القانونية المتعلقة بالمنتج قبل التفكير في بدء تصنيعه وطرحه في الأسواق، إضافة إلى وجوب طرح منتج جيد في الأسواق، وألا يكون رديئًا يسيء لسمعة المنتج الأصلي”.
وأضاف “هناك معايير يجب على صاحب المنتج الذي يصدّر بضاعته إلى دول أخرى أن يلتزم بها، كشهادات الجودة وشهادات مختبرات الصحة، كون الدول الأخرى لا تقبل منتجات متدنية، وخاصة الدول الأوروبية مثل سويسرا والسويد”.
كيف تحمى العلامة التجارية؟
العلامة التجارية هي علامة مميزة وإشارة، لتمييز سلع أو خدمات شركة ما عن سلع أو خدمات بقية الشركات الأخرى المنافسة في السوق.
ويمكن أن تكون عبارة عن كلمة واحدة أو توليفة من الكلمات والحروف والأرقام، وقد تتألف من رسوم ورموز وإشارات من ناحية شكل السلع وتغليفها، وقد تكون اسمًا جغرافيًا، على أن يكون هذا الاسم ذا طابع مميز، وقد تستخدم حروفٌ واختصارات كعلامة تجارية لتمييز منتجات أو خدمات عن غيرها، كما هو الحال بالنسبة لعلامة “BMW” في مجال السيارات، أو “LG ” في مجال المنتجات الإلكترونية.
ويسعى صاحب العلامة إلى حمايتها من أجل عدم استخدامها من قبل آخرين وتقليدها، خاصة في ظل انتشار أعداد كبيرة من العلامات المزيفة التي عمدت إلى بناء أمجاد على حساب غيرها بهدف الربح.
ويستطيع صاحب العلامة التجارية حمايتها محليًا عبر تسجيلها في مديرية حماية الملكية التابعة لدولة المنشأ، أو عالميًا عن طريق تسجيلها في نظام مدريد.
ويتيح نظام مدريد، الذي تديره المنظمة العالمية للملكية الفكرية (الويبو)، إمكانية توفير الحماية للعلامات في عدة بلدان تصل إلى ما لا يقل عن 88 بلدًا إلى جانب الاتحاد الأوروبي.
ويجب على من يريد حماية علامته دوليًا أن تكون مسجلة أصلًا لدى مكتب الملكية الفكرية في بلد المنشأ، ثم يقدّم طلبًا دوليًا عن طريق مكتب الملكية الفكرية نفسه، الذي يوثّق الطلب ثم يحيله إلى “الويبو”.
وعندما تقر العلامة في السجل الدولي تُنشر في جريدة الويبو للعلامات الدولية، ثم يحصل صاحب العلامة على شهادة التسجيل الدولي، وتخطر مكاتب الملكية الفكرية في جميع الأقاليم التي يريد حماية علامته فيها.
ويسري التسجيل الدولي للعلامة لمدة عشر سنوات. ويمكن تجديده عند نهايتها لدى “الويبو”، ويسري أثر التجديد في الأطراف المتعاقدة المعنيّة.
وتكمن أهمية نظام مدريد بحماية العلامة التجارية في عدد كبير من البلدان لعدة شركات، ولا سيما الصغيرة منها والمتوسطة، التي لولا ذلك لما تيسر لها حماية علاماتها على الصعيد الدولي فهو يتيح إجراءات أقل تكلفة وتعقيدًا.
أما على الصعيد المحلي فعلى من يرغب بحماية علامته التقدم بطلب تسجيل وإيداع استمارة للطلب لدى مديرية حماية الملكية التجارية والصناعية، الأمر الذي يكفل حماية متينة لا سيما في حالة تنازعها مع علامة مطابقة أو مشابهة لها إلى حد اللبس، لكن تبقى حدود حمايتها داخل الدولة.
وانضمت سوريا إلى نظام مدريد في 2004، وكان مدير حماية الملكية التجارية والصناعية في سوريا، عماد الدين عزيز، قال في نيسان 2015 إن هناك 140 ألف علامة مسجلة في سوريا.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :