الخلاص الفردي
الخلاص الفردي متاح دومًا لأنه رهين وسعك والتزامك بما تؤمن به {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ} (المدثر، 38)، الخلاص الفردي مرن متحرك متمرد على القوانين، أمّا خلاص المجتمع فرهين تراكم الوعي الجمعي لإنشاء عرف جديد، وهذا لا يكون إلا بقيام كتلة حرجة من الأشخاص بهذه المهمة. خلاص المجتمع تحكمه قوانين صارمة، تتكرر ويمكن التكهن بها. الأبطال يصنعون أمجاد الأمة ويزينون جدران البيوت وصفحات كتب الافتخار، لكن تقدم المجتمع للأمام لا يقوم به إلا الناس، أنا وأنت، عندما نتقاسم تركة الأبطال. لأجل ذلك كان التركيز على بشرية الرسل وخلود الرسالة، وهذا ما فعلنا عكسه تمامًا؛ موت الرسالة وخلود الرسل. {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِهِ الرُّسُلُ} (آل عمران، 144).
لا تبخسوهم أشياءهم
{وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ} (هود، 85). إذا أردنا أن ننشئ جيلاً من الأبطال فلا بد أن نبدأ بإعادة توزيع ثروات المشهورين من «إرث البطولة» على أصحابها من المغمورين، وأول من نطبق عليه الأمر هي أنفسنا. البداية طبعًا تكون على مستوى الشعور {وَّيُحِبُّونَ أَن يُحْمَدُوا بِمَا لَمْ يَفْعَلُوا} (آل عمران، 188) قبل أن نخرج إلى الفعل والتطبيق بسرقة أمجاد الآخرين أو قبول نسبتها إلينا. ويمكن أن نطرح هنا مثالين: المثال الأول عن الأكثرية التي تحب أن تُحمد بما لم تفعل: عالم مشهور صاحب أبحاث ضخمة يقوم بعرض نتائجه العظيمة على مدى ساعة ليبهر الحاضرين، ثم في نهاية المحاضرة يعرض شريحة واحدة عليها قائمة بأسماء فريق العمل ليشكرهم على عجالة. المثال الثاني لعالم لا يبخس الناس أشياءهم ويوزع المجد بعدل على المغمورين. يبدأ المحاضرة بالتعريف عن نفسه بأنه متحدث باسم المجموعة، وأن الجهد والعمل الحقيقي كان لأولئك الجالسين في صفوف المشاهدين، ثم مع كل جزء من البحوث المعروضة يذكر أسماء هنا وهناك، وينهي المحاضرة بالتنصل عن أي فضل مزعوم قد ينسب له توهمًا، وأن العاملين الحقيقيين هم فريقه.