حوار مع عالم سوري يشارك في أول عملية زرع رأس بشري

  • 2017/04/09
  • 3:09 ص

الشاب الروسي، فاليري سبيدينوروف، المتبرع في عملية زراعة الرأس (إنترنت)

عنب بلدي – نور عبد النور

في العام 1818 كتبت الروائية البريطانية، ماري شيلي، رواية الخيال العلمي الشهيرة التي نسجت فيها كائنًا بشريًا من أجساد عدّة، بيد بطل القصّة “فرانكشتاين”، الذي كان يسعى إلى إيجاد “إكسير الحياة” وسبل العيش إلى ما لا نهاية، إلّا أنّ هذه المحاولة كانت نتيجتها تحوّل “المسخ البشري” إلى نقمة تقتل صاحبها وتنتهي إلى الاحتراق بالنار.

النهاية المأساوية لأحداث “فرانكشتاين” لم تكن بالضرورة ردًّا على الأسئلة الفلسفية والعلمية التي طرحتها الرواية، بدليل أنّ هذه الأسئلة ظلّت على مدى أكثر من قرنين، محطّ جدل بشأن قدرة العلم على الجمع بين جسدين أو أكثر من جهة، وحول البعد الفلسفي المتعلّق بالرغبة في الغوص بمفاهيم جدلية عصية التحديد على الإدراك البشري، كالموت والهوية، من جهة أخرى.

إلّا أنّ القرن الواحد والعشرين، كان الزمان المناسب للإعلان عن تحويل هذا الجدل العلمي الفلسفي النظري، إلى تحدٍّ واقعي، تبنّاه الطبيب الإيطالي، سيرجيو كانيفيرو، الملقب بـ “فرانكشتاين العصر”، عبر عمل جراحي يقوم خلاله بفصل رأس الشاب الروسي فاليري سبيريدونوف، الذي يعاني من شلل وضمور عضلي مزمن، لوصله بجسد ميت، إذ يتوقّع كانيفيرو أن يتمكن الشاب الروسي من تحريك جسده الجديد، بعد أن عجز عن التحكم بذاك الذي سيستغني عنه قريبًا.

العملية التي سيشارك فيها نحو 150 طبيبًا وجرّاحًا وعالمًا، ستجرى في شهر كانون الأول المقبل، ومن بين هذا الفريق سيكون العالم والباحث السوري قيس أصفري، حاضرًا بعد سنوات من التحضير لهذا العمل.

 قيس نزار أصفري، مواليد عام 1982، عالم سوري مقيم في بريطانيا
  • حاصل على ماجستير في البيولوجيا التطورية من جامعة “أوكسفورد”
  • نال درجة الدكتوراه من جامعة لندن الإمبراطورية، في تخصص البيولوجيا الإيثولوجيا العصبية
  • يعمل محاضرًا في جامعة “كامبريدج” وضمن فريق يسعى لتقديم المزيد من الأدلة العلمية لتفسير كل ما يتعلق بسلوك وظواهر الدماغ وتواصله مع الجسد ضمن ما يسمى بتطوير “الذكاء الاصطناعي”.

عنب بلدي التقت العالم أصفري، الحاصل على شهادة الماجستير في البيولوجيا التطورية من جامعة لندن، والذي تابع مراحل تطوّر الفكرة، وشارك في المحاضرات المنظمة حولها، إلى أن أصبح جزءًا من الفريق العلمي الذي سيشارك في العملية.

شغف الفكرة

منذ اللحظة الأولى لسماعه بأمر العملية في عام 2013 حاول أصفري اكتشاف المزيد عنها، وحضر عدة محاضرات أقامها الجراح الإيطالي سيرجيو كانيفيرو، إلى أن ألقى الأخير محاضرة حول العملية في جامعة “كامبريدج” البريطانية، والتي يعمل أصفري كمحاضر فيها، ما فتح له باب المشاركة إلى جانب جراحين للأعصاب وعلماء في البيولوجيا العصبية، وتمّ الاتفاق على أن يكونوا جزءًا من الحدث.

وسيشارك أصفري ضمن مرحلة الإشراف على المحاليل المستعملة، ومراقبة عمل الدماغ والخلايا العصبية بعد توصيل الأقطاب الكهربية للجسم، والتي ستلي مرحلة زراعة الرأس على يد مجموعة الجراحين وأفراد الكادر الطبي المختص.

ويرى أصفري أنّ المرحلة الثانية التي سيشارك فيها تحمل أهمية كبيرة تفيده، هو ومجموعته المؤلفة من أطباء الأعصاب والعلماء في البيولوجيا العصبية، في أبحاثهم العلمية.

تجارب سابقة على الحيوانات

يشير أصفري إلى أنّ ما يقارب 150 شخصًا من علماء وأطباء وجراحين سيشاركون بالعملية، ويضيف “هناك خمسة جراحي مخ وأعصاب رئيسيين منهم كانيفيرو طبعًا، والجراح الأبرز الذي سيكمل بعده هو تشا بينغ رين، وهو بروفيسور صيني مختص بالحبل الشوكي وهو من نجح عدة مرات بتبديل رؤوس فئران بأجسادها وآخرين”.

وكان العام 2002 شهد نجاح عملية زراعة رأس للفئران، على يد البروفسور الصيني، إذ تمحورت العملية حول زراعة رأس في جسم فأر آخر بجانب رأسه.

إلا أنّ المحاولات الأولى التي تمت على الحيوانات تسبق ذلك التاريخ بكثير، وتعود إلى مطلع القرن الماضي، على يد الفيزيولوجي الأمريكي تشارلز غوثري، الذي أجرى محاولاته على الكلاب، كما تمكن جراح الأعصاب وأستاذ الجراحة العصبية الأمريكي، روبرت ج وايت، في سبيعينيات القرن الماضي، من تنفيذ عملية زراعة رأس قرد على جسم آخر، وكانت نتيجة الجراحة أن نجا القرد لوقت قليل عقب العملية.

تفاصيل العملية

محاولة زراعة رأس الإنسان، للمرة الأولى، ستستمر خلال عملية يقودها الجراح سيرجو إلى 36 ساعة، على ألا تزيد مدة مرحلة توصيل الرأس بالجسد الجديد عن الساعة.

وحول تفاصيل المرحلة الأولى من العملية يشرح أصفري “يتم تبريد رأس المستلم والجسد المانح حتى يستطيع الدماغ العيش دون أوكسجين ودون أن تموت الخلايا، بعد ذلك سيتم تشريح الأنسجة حول الرقبة، ثم ربط الأوعية الدموية الرئيسية باستخدام أنابيب صغيرة ورفيعة، وذلك قبل أن يتم قطع النخاع الشوكي من كل شخص”.

بعد ذلك، “سيتم نقل الرأس على الجسم الجديد، حيث يتم صهر طرفي الحبل الشوكي بواسطة المادة الكيميائية (يولي ايثيلين جلايكول)، وبعد ساعات من الحقن والمتابعة ستحفّز الدهون على الالتصاق في أغشية الخلايا، بعد ذلك يقوم الأطباء بخياطة العضلات ثم ينتهي هنا عمل الجراحين”.

المرحلة الثانية من العملية، حسبما يردف أصفري، هي “وضع المريض تحت غيبوبة عمدًا لمدة شهر تقريبًا، حتى يتم ترك مجال خلال هذه الفترة للأقطاب الكهربائية المزروعة أن تنقل الإشارات العصبية وتحفز الحبل الشوكي، بشكل منتظم للتفاعل مع الجسد”.

زراعة رأس أم جسد؟

العالم السوري قيس نزار أصفري

في حال نجاح العملية، يقول أصفري إنّ المريض سيتحدث بذات الصوت ويتحرك بطريقة طبيعية مع وجود عناية وعلاج طبيعي لمدة سنة، ليستطيع الجسد أن يمشي، و”من المتوقع أنه سيكون قادرًا على الحركة والتأقلم مع جسمه الجديد مع وجود علاج طبيعي لفترات بعد العملية”.

والمريض هو صاحب الرأس، الذي سيتخلص من جسده المشلول، ويستقبل جسدًا جديدًا، يبعث أوامر حركته من دماغه، وبذلك تكون العملية فنيًا هي “زراعة الجسد للرأس”، إلّا أن الاصطلاح السائد حول الموضوع هو “زراعة الرأس”.

مفاهيم فلسفية

يرى أصفري أنّ العملية ليست مجرّد إنجازٍ طبيٍ، بل فلسفي ووجداني أيضًا، ويسهب في الشرح عن رؤيته لهذا الجانب بالقول “هذا ما عانى منه كانيفيرو حتى أعلن عن تفاصيل العملية في الأكاديمية الأمريكية لجراحي العظام والأعصاب في ولاية مارلاند، بعدها تم منح هذا الرجل المجنون هذه الفرصة”.

ويضيف “هذه الخطوة من الضروري أن يخطوها الإنسان لأنها ستفتح لنا آفاقًا جديدة بنجاحها أو بفشلها، نحن بصدد رؤية شخص ثالث مختلف له رأس إنسان مات جسده، وجسد إنسان مات رأسه، هذه المعضلة تضرب وجداننا ومفاهيمنا حول الموت والهوية والوعي”.

فرصة أخرى

المغامرة، كما يسميها أصفري، هي الوسيلة الأساسية لتطوير العلم، ويقدم على ذلك مثال اكتشاف لقاح مرض الجدريّ الذي أنقذ ملايين، إذ قام العالم إدوارد جينر بحقن ابنه باللقاح في مغامرة يمكن أن تودي بحياة الطفل، إلا أنها أنقذته وأنقذت ملايين الأطفال حول العالم.

ويتساءل أصفري “كيف سيتقدم الإنسان إن لم يكن هناك مغامرة جديدة كل يوم؟”، داعيًا لإعطاء العلم فرصة لمستقبل “ننقذ فيه المشلولين ومرضى السرطان والضمور العضلي بزراعة رؤوسهم وتعليقها على أجساد سليمة، بدلًا من حاضر لا نرى فيه إلا قطع الرؤوس وتعليقها على أسوار المدن”.

سوريا بحاجة للعلماء

ويطمح العالم السوري الشاب، الذي يعيش في المملكة المتحدة منذ طفولته، إلى الارتقاء بمستويات التعليم في سوريا، ويقول لعنب بلدي “أنا أحلم ومعي الكثير من العلماء من أصول سورية أن نعيد مكانة التعليم، لرفع مستوى العلوم والبحث العلمي فيها بمناهج مواكبة للعلم الحديث، نحلم.. ونتمنى أن يتحقق هذا الحلم”.

 

اقرأ أيضًا: “كامبريدج” تنفي لعنب بلدي مزاعم “زارع الرأس” السوري

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع