عنب بلدي – درعا
تثير التصريحات الروسية بين الحين والآخر حول دخول قرى وبلدات إلى ما تسميه موسكو “اتفاقيات وقف إطلاق النار” الريبة والشكوك، فمن ناحيتها تؤكد روسيا كل بضعة أسابيع أن المئات من القرى والبلدات انضمت لهذه الاتفاقيات، بينما تنفي فصائل المعارضة علمها أو مشاركتها في أي اتفاق، وهو ما يؤكده سير الأحداث على الأرض، حيث لم تشهد المناطق التي تسيطر عليها قوات المعارضة، أي وقف لإطلاق النار، رغم الإعلانات الروسية المتكررة.
على مستوى محافظة درعا، لم يختلف الحال كثيرًا عن بقية المحافظات، لتفشل قوات الأسد، ومن خلفها روسيا، في إجراء أي نوع من الهدنة أو إيقاف إطلاق النار، مع أي منطقة تخضع لسيطرة فصائل المعارضة، على الرغم من المحاولات الحثيثة لذلك، لتبقى معظم مدن وبلدات المحافظة، الخاضعة لسيطرة المعارضة، خارج أي حالة وقف لإطلاق النار، وتبقى مسرحًا لغارات الطيران والقصف المدفعي.
ولكن هذا الفشل في إجراء أي اتفاق لم يمنع روسيا وقوات الأسد من مفاجئة أهالي وثوار درعا، بإعلانهما اتفاقية لوقف إطلاق النار، شملت 14 قرية وبلدة في محافظة درعا، فما هي حقيقة هذا الإعلان، وهل نجحت روسيا في جرّ فصائل المعارضة لتوقيع اتفاقيات وقف إطلاق النار في درعا؟
في أواخر شهر آذار الماضي، أعلن إعلام النظام الرسمي أنه بمشاركة العقيد ألكسندر باريسوف، ممثل ما يسمى مركز المصالحة الروسي في حميميم للمنطقة الجنوبية، عن توقيع اتفاقيات لوقف إطلاق النار، شملت عددًا كبيرًا من القرى والبلدات، ليعتبر هذا الإعلان الأول من نوعه داخل المحافظة.
وأضافت وسائل إعلام النظام أن ممثلين عن المجالس المحلية في هذه القرى والبلدات شاركوا في التوقيع على الاتفاقية، وأكدوا انضمامهم لما يسميه إعلام النظام بـ “المصالحة الوطنية”.
الشقرانية، المسمية، السويمرة، بلي، الزبيدية، الفقيع، دير البخت، عالقين، براق، منكت الحطب، منشية السبيل، كمونة، قيطة، الشيخ مسكين، هي أسماء لبلدات وقرى من محافظة درعا، شملها وقف إطلاق النار بحسب ما أعلنه إعلام النظام.
عنب بلدي استطلعت حقيقة هذه الاتفاقية، وسألت الناشط الإعلامي وأحد أهالي مدينة الشيخ مسكين، محمد الديري، عن إقرار اتفاقية من هذا النوع، ليؤكد صحتها، مضيفًا “حصلت اتفاقية مصالحة، أو كما تم إعلان اسمها أنها وقف لإطلاق للنار، بين قوات الأسد بمشاركة عدد من أهالي هذه المناطق”.
ولكن الديري عقّب أن هذه المناطق لا تشهد أي إطلاق للنار حتى يتم إيقافه، “جميع هذه المناطق بلا استثناء تخضع لسيطرة قوات الأسد، وبعضها لم يتم تحريره أصلًا منذ بداية الثورة”. واعتبر الديري أن هذا الإعلان لا يعتبر إلا “مسرحية سخيفة”، مستغربًا أن تقوم روسيا التي تعتبر إحدى الدول العظمى بمثل هذه التصرفات، “لا نستغرب مستقبلًا أن نسمع من روسيا عن معارك انتهت بالسيطرة على مناطق تخضع لسيطرتهم مسبقًا، فمن أوقف إطلاق النار في مناطق لا إطلاق للنار فيها، لا يتورع عن ممارسة كذب إعلامي أكبر”.
وعن إعلان انضمام مدينة الشيخ مسكين لهذه الاتفاقية، قال الديري “نريد أن نسأل روسيا مع من أوقفت إطلاق النار في الشيخ مسكين؟ فالمدينة تم تهجير جميع سكانها منذ أكثر من عام، وتسيطر عليها قوات الأسد بالكامل، ولا يوجد داخلها لا مقاتلون ولا مدنيون”، وأضاف “المفارقة أن روسيا، أحضرت عددًا من أهالي المدينة النازحين خارجها، والذين هجرتهم منها، ليوقعوا على اتفاق لإيقاف إطلاق النار في مدينتهم، التي لم يروها منذ أكثر من عام”، معتبرًا أن هذا المشهد أشبه بحالة “الانفصال عن الواقع”.
مناطق لم تشهد معارك أبدًا
في ذات السياق، يبدو أن اتفاقيات روسيا لوقف إطلاق النار، لم تشمل المناطق الخالية من السكان فقط، بل شملت كذلك مناطق لم تفقد قوات الأسد السيطرة عليها منذ بداية الثورة، بل إن بعضها لم تقترب منها المعارك أبدًا.
عنب بلدي تحدثت إلى أسامة النعيمي، أحد أهالي قرية “بلي” النازحين في محافظة درعا، والتي أعلنت روسيا أنها وقعت على اتفاقية وقف إطلاق النار، موضحًا أن قرية “بلي” صغيرة ولا يتعدى سكانها بضع مئات، “لعل كثيرين لم يسمعوا باسم القرية حتى، وتعتبر الشهرة هي لمطار بلي العسكري القريب منها، ولكن في الحقيقة هناك عدة قرى صغيرة جدًا بالقرب منه، هي قرى بلي والشقرانية والبويضة ولا يتعدى سكانها بضع مئات”.
وأضاف أسامة أن معظم شباب القرية نزحوا “تقريبًا لم يبق في القرية إلا القليل جدًا من أهلها ونزح معظمهم هربًا من قوات الأسد وتسلطها، أو هربًا من الخدمة الإلزامية”.
وحول اتفاقية وقف إطلاق النار، أوضح أسامة أن القرية لم تشهد أي معارك منذ بداية الثورة، “القرية بالكاد تظهر على الخريطة، وتقع قرب مطار عسكري كبير ومحصن، لم تشهد أي مظاهر مسلحة، وأهلها عزّل بالكامل”.
وحول السبب الذي دفع روسيا لوضع اسم القرية ضمن اتفاقيات وقف إطلاق النار، أجاب أسامة “يبدو أن روسيا بحثت عن قرى لزيادة قائمة القرى الموقعة، فوضعت اسم بلي وغيرها”.
قد يبدو غريبًا لدى البعض حالة الانفصال عن الواقع، التي تمارسها روسيا في سوريا، فكيف لدولة تعتبر من الدول العظمى في العالم، أن تمارس تضليلًا إعلاميًا بهذا المستوى غير المحبوك، لكن في المقابل، يرى بعض المتابعين أن روسيا لم تكن لتلجأ لمثل هذه المسرحيات، لولا حاجتها للبحث عن انتصارات، فشلت رغم الدعم العسكري الكبير الذي تقدمه لقوات الأسد، في إحرازها.
معارك المنشية مستمرة
بالتوازي مع إعلان الروس عقد اتفاقيات لوقف إطلاق النار في درعا، تستمر معركة “الموت ولا المذلة” في مدينة درعا، والتي تهدف إلى السيطرة على حي المنشية، منذ 12 شباط الماضي.
وخلال ثلاث مراحل من المعركة، نجحت فصائل المعارضة، المنضوية في غرفة عمليات “البنيان المرصوص” في اختراق عمق الحي، وسيطرت على ما يقارب 75% منه، حتى السبت 8 نيسان.
وأعلنت الغرفة عن سيطرتها على حاجز البنايات وحاجز السلوم وحاجز دراغا، وهي من الحواجز الاستراتيجية في المنشية، وبقي لها حاجز الوحدة الإرشادية.
وقالت الغرفة إن انهيارات “كبيرة” حصلت في قوات الأسد، التي تنكفئ إلى حي سجنة المحاذي، وهو الحي الذي أكّدت الفصائل أنها تهدف إلى السيطرة عليه أيضًا.
بدوره كثّف النظام السوري قصف حي المنشية، وأحياء درعا البلد الخاضعة لسيطرة المعارضة، بمؤازرة من الطيران الروسي.