أورفة – برهان عثمان
خسرت أم عامر خلال الأيام القليلة الماضية، منزلها في مدينة الطبقة، الذي دمّر بشكل شبه كامل، إثر سقوط صواريخ في الحي الذي تسكن وعائلتها فيه، لتنزح بعدها مع زوجها المصاب، وستة من أبنائها إلى ريف الرقة.
أحكمت “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، حصارها الكامل لمدينة الطبقة، التي تخضع لسيطرة تنظيم “الدولة الإسلامية”، بعد دخولها قرية الصفصافة الاستراتيجية، شرق المدينة، الخميس 6 نيسان الجاري. |
رحلة البحث عن مأوى
حملت المرأة الخمسينية وعائلتها ما استطاعوا من ثياب، عقب مقتل بعض جيرانهم إثر الغارات، وتصف لعنب بلدي المدينة بأنها “خالية بعد أن غادرها الأهالي تاركين منازلهم وأغراضهم خوفًا من القصف”، مضيفة بلهجة محلية “طلعنا على وجهنا، وماعندنا غير رحمة الله”.
تبحث العائلة اليوم عن خيمة تأويهم، بينما قدّر شهود عيان في حديثهم إلى عنب بلدي، سعر الخيمة الواحدة بقرابة 300 ألف ليرة سورية، عازين السبب “لشح الموارد في المنطقة والذي رفع سعر رغيف الخبز الواحد إلى 60 ليرة”.
يعيش الأهالي “من قلة الموت بعد أن تساوت خيارات البقاء والرحيل”، وفق الناشط سليمان السعد، الذي يصف الأوضاع في الطبقة بـ”المؤسفة”، عقب نزوح معظم أهالي المدينة، في ظل كثافة القصف من “التحالف الدولي”، مع وصول المعارك إلى مشارفها.
تبعد مدينة الطبقة قرابة 55 كيلومترًا عن مدينة الرقة، وكانت تضم الآلاف من النازحين في المنطقة، فضلًا عن سكانها الأصليين، الذين يفوق عددهم 70 ألف نسمة، وفق إحصائيات أهالي المدينة. |
تنظيم “الدولة” يُجهّز للمعارك
ويؤكد بعض الخارجين من المدينة حديثًا لعنب بلدي، أن تنظيم “الدولة” بدأ بتجهيز متاريس في شوارع المدينة، لصد الهجوم المرتقب من “قسد”، لافتين إلى أن “عددًا قليلًا من العناصر بقي في الطبقة، بعد رحيل معظمهم إلى ريف دير الزور مع عوائلهم”.
أين نذهب؟
“مشردون في البادية نبحث عن مكان يأوينا”، يقول الشاب أحمد (37 عامًا)، الذي نزح مع عائلته من الطبقة إلى ريف الرقة، مضيفًا “كأن الربيع لم يمر من هنا وكأن هذه الأرض لم تعرف الفرح يومًا”.
يستذكر الشاب الثلاثيني رحلاتٍ عاشها مع أصدقائه في البادية، متخوفًا على مستقبل أطفاله “لا نعلم ماذا سيحدث لنا هنا، فنحن نعيش بلا ماء ولا كهرباء منذ أكثر من أسبوع”، مقدرًا سعر البرميل الواحد من الماء بـ400 ليرة سورية.
ويشتكي الأهالي من مخيمات النزوح التي انتشرت في ريف الرقة، لافتين إلى أنها “تحتاج الكثير من المستلزمات والخيام، في ظل غياب المواد الطبية والإغاثية”، محذرين من تفشي الأمراض، كونها تأوي عشرات الأطفال وعوائلهم.
يتساءل أحمد “أين نذهب وسط سوء الأوضاع الاقتصادية وانسداد الأفق؟”، مشيرًا إلى أن ما يجبر الكثيرين على البقاء، “هو القناعة بأن احتمال الموت هو أهون الخيارات اليوم”.
ورغم تطمينات مهندسي السد، بانفراج قريب في حالته، إلا أن قضية انهياره مازالت هاجسًا يؤرق كثيرين من سكان المنطقة، الذين يرون أن هدف “التحالف” لم يكن تدميره، “وإنما الحد من قدرته على توليد الكهرباء لفترة طويلة”، بعد تدمير غرفة القيادة والتحكم في الطابق الرابع منه، ما أوقف كافة تجهيزات التحكم بالتوليد الكهربائي لعنفات السد والبوابات أسفله.
ويتخوف الأهالي من وصول الضرر إلى سد “البعث”، الذي يقع بعد سد الفرات باتجاه مدينة الرقة، مع ضعف تدفق المياه من المنبع، ما يوقف توليد الكهرباء منه، ويزيد من مأساة الأهالي في المنطقة.