الضربة الأمريكية.. رسالة ترامب للروس: لن تبقوا متفرّدين في سوريا

  • 2017/04/09
  • 1:32 ص
منطقة مستهدفة بصواريخ تحمل موادًا كيماوية في مدينة خان شيخون- الخميس 6 نيسان (الغارديان)

منطقة مستهدفة بصواريخ تحمل موادًا كيماوية في مدينة خان شيخون- الخميس 6 نيسان (الغارديان)

عنب بلدي – خاص

“الوضع تغيّر بعد ضربات الليلة الماضية، والأسد لن يتمتع بحماية بعد الآن”.. قالت المندوبة الأمريكية لدى مجلس الأمن الدولي، نيكي هيلي، في معرض حديثها عن الضربة الأمريكية الأولى لنظام بشار الأسد، الجمعة 7 نيسان، والتي استهدفت قاعدة “الشعيرات” الجوية في ريف حمص.

شكّل الهجوم الكيماوي على مدينة خان شيخون في ريف إدلب الجنوبي، الثلاثاء 4 نيسان، منعطفًا جديدًا في الثورة السورية، كرّسه التعاطي غير المسبوق للإدارة الأمريكية الجديدة مع الواقعة، والاتهامات المباشرة التي وجّهت للنظام السوري بتنفيذ الهجوم، والوعود التي ساقها سيّد البيت الأبيض الجديد، دونالد ترامب، موجّهًا رسالة للأسد: لن تفلت من العقاب.

وخالف ترامب توقعات طيف واسع من السوريين، رأوا أن هجوم خان شيخون لن يواجهه أي إجراء عقابي من واشنطن أو الدول الغربية، فالدولة العظمى التي لم تهزّها مجازر حلب والغوطة الشرقية، وتورّطت، هي بذاتها، في مجازر الرقة ومنبج وريف حلب، سبق أن تغاضت عن مجزرة الكيماوي في الغوطة الشرقية، آب 2013، وتراجعت عن استهدافه بعد صفقة مع الروس.

ليلة هجوم الكيماوي

لم يكن مستبعدًا شن هجمات من قبل النظام السوري على خان شيخون، بالكلور السام أو الفوسفور العضوي، أسوة بمدينة اللطامنة المجاورة شمال حماة، والتي شهدت هجمات من هذا النوع منذ 25 آذار الفائت، لكن ما لم يتوقعه أهالي المدينة الواقعة جنوب إدلب، هو هجوم كيماوي بغاز “السارين” السام، والذي كان سببًا بوفاة نحو 1500 مدني في الغوطة الشرقية في صيف عام 2013.

في الساعة السادسة والنصف من صباح يوم الثلاثاء 4 نيسان، شنت مقاتلة حربية غارات بصواريخ تحمل مادة “السارين” على مدينة خان شيخون، ما تسبب بحدوث وفيات فورية بين الأهالي، راح ضحيتها عائلات بأكملها، كحال آل اليوسف، الذين شيّعوا 20 فردًا بينهم أطفال ونساء.

مديرية صحة إدلب خلصت إلى أن المادة المستخدمة هي “السارين”، وأن الضربة تسببت بمقتل نحو 100 مدني وإصابة 500 آخرين، وهو ما خلصت إليه وزارة العدل التركية بعدما أشرفت على تشريح ثلاث جثث ممن قضوا في الهجوم، بوجود ممثلين عن منظمتي الصحة العالمية وحظر الأسلحة الكيماوية.

المراصد العسكرية والمواقع الإعلامية المحلية، والتي تعاملت مع القضية بحرفية غير مسبوقة، وفق الإعلام الغربي، كشفت في غضون ساعات ملابسات القصف، وأجمعت على أن طائرة من طراز “سوخوي 22” يقودها العميد الجوي محمد يوسف حاصوري، ورمزه “قدس1″، انطلقت من قاعدة “الشعيرات” الجوية في ريف حمص الجنوبي الشرقي، واستهدفت المدينة فجرًا بالمواد الكيماوية.

سمعنا جعجعة ورأينا الطحين

تفاعل مباشر أبداه المجتمع الدولي، عقب هجوم خان شيخون بساعات قليلة، إذ دعت كل من فرنسا وبريطانيا إلى اجتماع طارئ لمجلس الأمن الدولي، أعقبه اتهام فرنسي مباشر للنظام السوري بارتكابه المجزرة، وتلاه تصريح أولي للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال فيه “على الأسد أن يحاسب”.

سارعت روسيا إلى التنصل من “الجريمة”، والإقرار بأن طيران الأسد استهدف المدينة، لكن ليس لقتل أطفالها ونسائها خنقًا، بل لقصف مستودعات “الإرهابيين”، والتي تقول رواية النظام وموسكو، إنها احتوت مواد كيماوية جاءت من تركيا.

لن تجد الرواية الروسية مسمعًا لدى الغرب، فقابلها اتهام لندن المباشر للأسد، فالأدلة المتاحة تؤكد تورط نظامه بالهجوم، بحسب وزير الخارجية البريطانية، ثم ليخرج ترامب مجددًا بتصريح يعكس جديته في التعاطي مع قضية خان شيخون، قائلًا “موقفي من الأسد تغيّر كثيرًا بعد هجوم إدلب”، رافضًا الإفصاح عن توجهه العسكري المقبل.

في اليوم التالي للمجزرة أيضًا، هددت روسيا بـ “فيتو” مضاد لمشروع أمريكي بريطاني يدين الأسد بشأن الهجوم، وقدمت مشروعًا يكتفي بإقرار تحقيق دولي موسع بالحادثة، لتتوالى تصريحات المسؤولين الأمريكيين، والتي ذهبت جميعها إلى أن البيت الأبيض سيغرّد منفردًا ويتعامل مع المسألة بطريقة عسكرية بحتة.

خالف ترامب سلفه أوباما، والذي انطلق عليه المثل القائل “سمعنا جعجعة ولم نرَ طحينًا”، فذهبت وعوده بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري في مهب الريح، واكتفى بانتزاع السلاح الكيماوي من النظام، بعد هجوم الغوطة الشرقية في آب 2013، رغم تحذير منظمات دولية ومسؤولين غربيين من إبقاء الأسد على بعض مخزونه من المواد السامة.

قبيل فجر الجمعة 7 نيسان، أمر دونالد ترامب بتوجيه ضربة عسكرية للنظام السوري، وأطلقت بارجة أمريكية نحو 59 صاروخًا من طراز “توماهوك”، ابتداءً من الساعة 4:15 فجرًا، باتجاه قاعدة “الشعيرات” الجوية، تسببت بأضرار جسيمة فيها، وأقرت روسيا بتدمير تسع طائرات حربية، علاوة على مخازن الوقود ومنشآت حيوية أخرى، ومقتل ما لا يقل عن ستة ضباط.

أس المسألة هو “الكيماوي”

أساس التحرك هو استخدام الكيماوي مرة أخرى، وانتهاك القرار الأممي 2118 القاضي بمنع النظام السوري استخدام وإنتاج وتخزين وتوريد الأسلحة الكيماوية، ولبّ الموضوع ليس قتل السوريين، فالبراميل مازالت ترمى على المدنيين دون رقيب، والقنابل والصواريخ الروسية حصدت نحو ألف مواطن في أقل من شهر، قبيل اجتياح حلب الشرقية.

“هذه الضربة ضرورية، وعلى الأسد عدم استخدام الكيماوي مرة أخرى”، قالت نيكي هيلي أمام مجلس الأمن، في كلمة احتوت تهديدًا للنظام السوري، من أن ضربات مماثلة قد يواجهها في المستقبل، فيما لو استخدم الأسلحة الكيماوية مرة أخرى، ولكن ماذا عن باقي الأسلحة؟ ماذا عن التهجير واجتياح المدن والبلدات السورية؟ ماذا عن ست سنوات من القتل والنزوح واللجوء في دول الجوار؟

جملة تساؤلات طرحها سوريون في وسائل التواصل الاجتماعي، وفي استطلاع رأي أجرته عنب بلدي عبر موقعها الإلكتروني، ذهب جميع من شارك فيه إلى أن أمريكا غير جادة في إزاحة الأسد، ولا تؤرّق ساستها مشاهد الدمار والدماء أو الموت نومًا كما في خان شيخون، وإنما هي مسألة الكيماوي وحده، وإعادة الخطوط الحمراء إلى الواجهة بعدما مسحها أوباما، وتحقيق انتصار معنوي على الصعيد الدولي، هو الأول لترامب منذ توليه سدة الرئاسة.

تقود الولايات المتحدة تحالفًا دوليًا مضادًا لتنظيم “الدولة الإسلامية” في سوريا والعراق، وحمّلت منظمات حقوقية محلية ودولية، التحالف المسؤولية عن مقتل نحو 1200 مدني في سوريا، منذ أيلول 2014 وحتى نهاية آذار الفائت، بينما كان للولايات المتحدة دورٌ منفرد في تنفيذ مجزرة في قرية الجينة بريف حلب الغربي (16 آذار)، راح ضحيتها نحو 50 مدنيًا، وهو ما جعلها في نظر ناشطين وحقوقيين جزءًا من المشكلة، ولا يمكن أن تكون “المخلّص” في سوريا.

الكرملين يفقد ميزة التفرّد

تشير المعطيات المستجدة في سوريا، إلى أن روسيا فقدت بعد الضربة الأمريكية تفرّدها في الملف السوري، وأن الإدارة الأمريكية الجديدة شغلت حيزًا جديدًا من شأنه تغيير قواعد اللعبة، فلم يعد الروس وحدهم مسؤولين عن سير المفاوضات والتسويات والمعارك، بل إن الأمريكيين ربما يوجهون ضربات أخرى، ويجبرون الأسد وحلفاءه على تقديم تنازلات سياسية أو عسكرية.

“العمل الإجرامي من جانب الأسد لن يمر دون عقاب، وحان الوقت لأن نقولها ونتصرف”، ربما هذه العبارة لم تقصد هيلي توجيهها للأسد مباشرة، إنما كانت رسالة لوكلائه الروس والإيرانيين، أن زمن التفرد قد انتهى وولّى مع إدارة أوباما، وثمة تفاهم جديد قد يفضي إلى حل سياسي مقبول لجميع الأطراف.

وينظر باحثون إلى أن روسيا عقب الضربة، ذاهبة إلى تعزيز منظومات الدفاع الجوية في سوريا، وأن التصريحات المضادة للأمريكيين والغرب عمومًا، لا تعدو كونها “بعبعة” سياسية، في ظل تصريحات جريئة للأمريكيين، قالوا فيها إنهم يحققون في احتمال تورط الروس بالهجوم الأخير.

لكن يبقى التساؤل: هل يسمح بوتين “العنيد” بسحب البساط من تحته في سوريا، بعدما طرح نفسه لاعبًا كبيرًا في سوريا، وقبلها جورجيا وأوكرانيا، أم أنه سيوجّه ضربات أكثر إيلامًا للأمريكيين، لتتحول البقعة السورية إلى منطقة نزاع دولي؟

لن تسقط الضربة الأخيرة الأسد، وربما لن تؤثر عمليًا على ترسانته، لتبقى في إطار “التوبيخ المعنوي” ليس إلا، في ضوء مطالبة المعارضة السياسية والمسلحة، باستهداف جميع قواعده، ومناطق تصنيع الصواريخ وربما الأسلحة الكيماوية، في ريف حماة الجنوبي، ومنطقة السفيرة في ريف حلب، ومناطق أخرى في ريف دمشق.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا