عنب بلدي – سما نعناعة
“تردّدت كثيرًا على جهاز الأمن العام اللبناني عسى أن يعيدوا إليّ جواز سفري المحتجز منذ سنتين حين تقدمت بطلب الإقامة، إلا أنهم يماطلون ويخيّرونني بورقة ترحيل خارج البلد مقابل استعادته”.
عامر (22 عامًا) طالب سوري من حلب، يدرس في جامعة لبنان، قدم إلى بيروت في بدايات عام 2015 بهدف الدراسة، بعد أن بات ذلك مستحيلًا في سوريا، ولم يحصل على الإقامة اللبنانية حتى لحظة إعداد هذا الملف، رغم استيفائه للشروط.
المثير للتساؤل في حالة الشاب (رفض كشف اسمه الكامل خشية التضييق عليه)، هو الإبقاء على جواز سفره محتجزًا لدى جهاز الأمن العام، ليصبح غير قادر على المغادرة لزيارة عائلته في تركيا، وغير متمتع بوضع قانوني مستقر في لبنان، وكلّما صادفته الشرطة أو حواجز الجيش والأمن اللبناني ينتابه الخوف من الاعتقال، عدا دفع الغرامة المالية التي تعد عناءً بالنسبة إلى أي طالب سوري.
عامر هو واحد من بين آلاف السوريين الذين لم يحصلوا على إقامة في لبنان، ومنهم من احتجزت جوازات سفرهم لدى جهاز الأمن دون مبرر من السلطات، إلى جانب تهديدهم بالترحيل في أي لحظة، لكن إلى أين؟
تسعى عنب بلدي من خلال هذا الملف إلى تسليط الضوء على حالة عامر المستعصية، وحالات أخرى مشابهة رصدتها أثناء عملية بحث معمّقة، وإلى معرفة الأسباب وراء سلوك جهاز الأمن اللبناني في التعامل مع السوريين، وما هو المبرر لتسوية أوضاعهم القانونية.
وبهدف الحصول على معلومات دقيقة حول القضية، أجرت عنب بلدي مقابلات مع شرائح سورية مختلفة في لبنان، ممن لم يحصلوا على الإقامة رغم محاولاتهم المتكررة واستيفائهم الشروط، بالإضافة إلى استشارة حقوقيين وسياسيين لبنانيين مهتمين بالوجود السوري وعلى احتكاك مباشر مع قضايا مشابهة.
لا إقامة ولا جواز ولا دفتر عسكرية
تحدث عامر إلى عنب بلدي عن “معاناة” الحصول على إقامة في لبنان، و”تعسف السلطات” تجاه الحالات المشابهة، كما لو أنها تتبع سياسة “تطفيش ممنهجة”، دون مبررات.
“لا أعلم لم لا يمنحونني الإقامة، رغم أنني طالب وجميع أوراقي قانونية”، يقول الشاب معتبرًا أن احتجاز جواز سفره عرضه إلى مشكلات عديدة، كما استوقفته الشرطة كونه لا يملك إقامة أو جوازًا، على مدار سنتين، واضطر إلى دفع غرامة مالية في كل مرّة.
“المضحك أن جواز سفري محتجز لديهم لسنتين تقريبًا، والآن انتهت صلاحيته، وأنا غير قادر على تجديده حتى، بل لست قادرًا على أن أسجل قنصليًا للمضي في معاملة (دفتر العسكرية) التي تتطلب وجود الجواز أساسًا”، على ما ينقله لنا.
بعد التدقيق في حالة عامر وحالات مشابهة، توجهنا إلى محامين وحقوقيين لشرح الوضع القانوني للسوريين في لبنان، كما حاولنا سؤال جهات مختصة، لم نحصل منها على إجابة.
المحامية والحقوقية اللبنانية ديالا شحادة، أوضحت لعنب بلدي أوضاع السوريين وشروط الإقامة في لبنان بشكل تفصيلي.
وقالت شحادة إنه فيما يخص موضوع الإقامات للسوريين، فبعد الشهر الأول من العام 2015، طبقت المديرية العامة للأمن العام التابعة لوزارة الداخلية، والتي لديها صلاحيات متابعة وتولي أمور إقامات السوريين، شروطًا جديدة يصعب توفرها عند معظم السوريين.
وتُعزى صعوبة الحصول على إقامة في لبنان لسببين رئيسيين، وفقًا لشحادة، أولها يتعلق بالجانب المالي لرسوم الإقامة، البالغ حوالي 200 دولار أمريكي سنويًا، عن كل فرد من الأسرة يزيد عمره عن 15 عامًا.
ثانيها يتعلق بالشروط نفسها، والتي كانت تتحلى بقليل من المرونة في بادئ الأمر، بالنسبة للذين لديهم استمارة تسجيل لدى الأمم المتحدة، والتي كانت تعد بمثابة كفيل لهم، بموجب ما يسمى “نظام كفالة”، أو كفيل شخصي يمكنه كفالة سوري، لكنّ الأمن العام بدأ لاحقًا يطلب من السوريين كفالة من صاحب العمل حصرًا، الأمر الذي لا يمكن تأمينه من قبل جميع السوريين.
وفي حال كان الكفيل وهميًا واكتشفته شعبة الاستقصاء في الأمن العام، فهناك خطر تسفير صاحب العلاقة، مردفةً أن “ذلك لن يحصل أساسًا، إذ لا يوجد ترحيل للاجئين في لبنان”، ولكنه “كفيل بأن يجعل السوري لا يشعر بالاستقرار النفسي أو الأمني، كونه لا يملك بطاقة تخوله القدرة على التنقل ليلًا أو عبر الحواجز دون التعرض لخطر التوقيف والاعتقال”.
لكن بحسب حالات عاينتها عنب بلدي، فإن حالة عدم الاستقرار هذه دفعت بعض اللاجئين لطلب جوازهم حتى لو كلفهم ذلك مغادرة البلد، بموجب ورقة ترحيل يوقعون عليها مقابل استعادة الجواز.
وأشارت شحادة إلى انخفاض حالات التوقيف لمن خالفوا مدة إقامتهم حاليًا، بسبب عدم اشتراط التحويل إلى المحاكم، وترك البت في وضعهم للأمن العام، باستثناء محاكم منطقة الجنوب.
وتعذر الحصول على أرقام رسمية من قبل الجهات المختصة، والتي تعتبر أن جميع السوريين الموجودين على الأراضي اللبنانية حاصلون على إقامة نظامية.
وحاولت عنب بلدي التواصل مع مفوضية اللاجئين التابعة للأمم المتحدة، لتحصل على أرقام في هذا الخصوص، لكنها لم تتلقّ ردًا.
وهنا أفادت المحامية شحادة أنه “لا يوجد رقم دقيق”، مشيرًة إلى أنها في إحدى المرات سألت الأمن العام عن الأرقام، وأخبروها أن جميع السوريين المقيمين في لبنان لديهم إقامات نظامية، وقالت “إن هذا غريب، لأني من خلال موكليّ فقط، أعلم أن معظمهم إما لم يحصل على الإقامة أو لا يحقق الشروط المطلوبة”.
وتابعت أنه نظرًا إلى عدد السوريين في لبنان، والبالغ نحو مليون ونصف، بحسب الأرقام الرسمية، فيمكن القول “إن نصفهم أو حتى مليون منهم لا يملكون إقامة، وحتى لا نتبنى أرقامًا غير دقيقة، يمكن افتراض أن مئات الآلاف منهم لا يمكلون إقامة في لبنان”.
عامر، لا يستطيع الحصول على إقامة نظامية، ولا تسوية وضعه قانونيًا، ويتعرض لمضايقات دائمة، ما يدفعه إلى التساؤل: هل توجد سياسية “تطفيش” ممنهجة تجاه السوريين أم ماذا؟ وما المبررات القانونية لذلك؟ وإن كانت الحكومة تريد تسفيرهم فلماذا تحتجز جوازات سفرهم؟
ما هي شروط الإقامة النظامية للسوريين في لبنان؟
كفالة “رب عمل”
لحصول السوري على إقامة سنوية في لبنان، عليه تقديم كفالة “رب عمل”، لديه شركة أو معمل أو محل تجاري أو أرض زراعية أو بيت مع حديقة، أو أي شيء يثبت أنه قادر على إحضار عامل والتكفل به، بالإضافة إلى الإجراءات القانونية المرافقة لذلك، وتعهد رب العمل أنه كفيل للسوري.
عقد إيجار مصدّق
كما يمكن للسوري الذي يملك عقد إيجار مصدّق من البلدية ومركز الأمن العام التابع للمنطقة التي يقيم فيها، الحصول على إقامة لمدة ستة أشهر قابلة للتجديد، لكن المشكلة في هذه الحالة أن مراكز الأمن اللبنانية لا تتبع جميعها التعليمات المعممة وكل مركز يتصرف على حدة.
سياحة
أما بالنسبة لمن يريد القدوم كسائح، فالحكومة اللبنانية تطلب منه حجزًا فندقيًا، إضافة إلى مبلغ نقدي لا يقل عن ألف أو ألفين دولار أمريكي، أو أن يملك بطاقة نقابية سارية المفعول في سوريا، أو دعوة من أحد أفراد أسرته المباشرة في لبنان، الذين يملكون عقد إيجار مصدق من البلدية.
ويمكن للسوريين القادمين من المطار، تقديم إقامة سياحية أو عمل من دولة غير لبنان، ليتمكنوا من الدخول إلى البلد لفترة لا تتجاوز شهرًا.
الطالب
تعد إقامة الطالب من أعقد أنواع الإقامات استصدارًا في لبنان، فالأمن العام يماطل بالمعاملة للتحقق فيما إذا كان الطالب يريد الحصول عليها بهدف الإقامة فقط أم أنه يدرس فعلًا، ويجب عليه إثبات دراسته من خلال سجل علامات وورقة من الجامعة.
إجراءات “انتقائية” بحق لاجئين من مناطق “حزب الله”
نبيل الحلبي، محامٍ لبناني ومدير المؤسسة اللبنانية للديمقراطية وحقوق الإنسان (لايف)، أكدّ لعنب بلدي أن هناك تدابير “تعسفية” تخص الوضع القانوني، “يتخذها جهاز الأمن اللبناني حيال شريحة معينة من اللاجئين السوريين القادمين من مناطق سورية معينة تقع تحت سيطرة حزب الله اللبناني، وهي لا تشمل الجميع”.
ويتركز وجود “حزب الله” في مناطق غرب دمشق في المنطقة المحيطة بالزبداني ومضايا، وامتدادها إلى القلمون، ثم القصير معقله الأساسي في ريف حمص الغربي، على الحدود اللبنانية.
وتعتبر هذه المناطق امتدادًا لنفوذ الحزب على الحدود، في البقاع اللبناني.
الحلبي، وهو متابع للشأن السوري وقضايا اللاجئين في لبنان عن كثب، ومتعمق في وضعهم القانوني، قال إنه رغم تحقيق السوريين لشروط الإقامة في لبنان، إلا أن جهاز الأمن العام اللبناني يعيق حصولهم على الإقامة بطريقة “انتقائية”، ويذهب إلى أبعد من ذلك، ويعطيهم أمر مغادرة أو ترحيل، وفق الحلبي.
وتابع الحقوقي مستهجنًا إجراءات الأمن العام، “تعطونهم أمر مغادرة، ولكن مغادرة إلى أين؟ وكأنما يُمارس الضغط على هؤلاء للعودة القسرية إلى سوريا، من أجل التفاوض مع المبادرات المطروحة حاليًا للعودة، وذلك ضمن المناطق التي تخضع لمبادرات سياسية من أكثر من جهة للتفاوض مع النظام السوري”.
الحلبي لا يعتقد بوجود سياسة “تطفيش”، إنما يؤكد أن السلطات اللبنانية تنتهج “سياسة انتقائية”، ولا تشمل جميع السوريين، ويقتصر الأمر على “القادمين من المناطق التي تخضع لمفاوضات إعادة اللاجئين والمصالحة”.
هل السوريون “رهائن” في لبنان؟
من ناحية أخرى ينظر الحلبي إلى سياسة الحكومة اللبنانية تجاه السوريين في لبنان، على أنها تنتهج “رهن السوريين”، وقال إن “السوريين أشبه بـ (الرهائن) داخل الأراضي اللبنانية، وهذه التدابير (التعسفية) تشمل السوريين الذين حصلوا على قبول لم شمل أو توطين في دول أوروبية أو كندا”.
كما نوه الحلبي إلى وجود عرقلة “مقصودة” من قبل جهاز الأمن اللبناني، تحول دون سفر السوريين خارج لبنان، فهي “تحتجز جوازات سفرهم دون مبرر”.
وقال الحلبي إن “تعسف جهاز الأمن في إجراءاته”، دعا الخارجية الكندية منذ سنين للتنديد بهذه التصرفات التي تنتهجها الحكومة اللبنانية حيال منع مغادرة السوريين، مشيرًا إلى أنه “تكرر مرارًا وتكرارًا”.
كما طرح الحلبي مثالًا اعتبره “نموذجيًا” على التصرفات “التعسفية” من قبل جهاز الأمن اللبناني تجاه السوريين، وهو احتجاز جواز سفر الناشط الإعلامي السوري، علي إبراهيم، القادم من الزبداني، المحاصرة من قبل ميليشيات “حزب الله”.
وشرح الحلبي كيف أن جهاز الأمن احتجز جواز سفر إبراهيم، ومنعه من السفر دون أدنى مبرر قانوني، وذلك بعد أن جاءه قبول السفر إلى النرويج، وبقي الأمر كذلك إلى حين تدخل جهات ومحامين نرويجيين من أجل استعادة جوازه.
ولكن لماذا تودّ السلطات اللبنانية احتجاز السوريين في لبنان، رغم الشكاوى الدائمة من أعدادهم المتزايدة، والتي تقارب نصف سكانها تقربيًا، وما مصلحتها من وراء ذلك؟
عودة “قسرية” بغطاء مبادرات “سلام“
يرى المحامي الحلبي أنّ جهاز الأمن العام اللبناني يمارس الضغوط على السوريين بغية قبول التفاوض مع النظام السوري والعودة قسرًا إلى سوريا، بما يصب في مصلحة النظام حصرًا.
والسبب هو الضغط على القادمين من مناطق تحت سيطرة “حزب الله”، التي تخضع لمبادرات مفاوضات ومصالحة مع النظام و”حزب الله”، فاللاجئون في لبنان إن غادروا إلى الخارج سيعارضون المفاوضات، ولكن إن بقوا فيها وسط أوضاع “مزرية” فسيقبلون في نهاية المطاف بالتفاوض، والتنازل إلى حين العودة “القسرية” إلى حضن النظام.
وأكدّ الحلبي أن النظام السوري “محرج” من وجود لاجئين خارج سوريا، مشيرًا إلى أن “اللواء تركماني أُرسل للعمل على إعادة اللاجئين، عندما كانت العلاقات ماتزال قائمة مع تركيا”.
وذلك “لأن النظام يعلم أن وجود لاجئين سوريين في الخارج يشكل مادة ضغط عليه من ناحية العملية السياسية”، وفق اعتقاد الحلبي.
وبالتالي سيقبل اللاجئون السوريون في لبنان، بأي مفاوصات مهما كان سقفها منخفضًا، مقابل “هول الانتهاكات التي يتعرضون لها في لبنان”.
ويعتقد الحلبي أن النظام السوري “لا يرغب بوجود معارضة له خارج سوريا، كي لا تستخدم كورقة ضده في الخارج”، ويرى أن جهاز الأمن إن مارس ضغوطه على السوريين وجعل وضعهم “هشًا” قانونيًا، سيدفعهم إلى قبول التفاوض مع النظام والعودة في نهاية المطاف.
تصريحات الحلبي تتقاطع مع اجتماعٍ عُقد في العاصمة اللبنانية، في 9 شباط الماضي، بين معارضين وموالين للنظام السوري، للبحث في “مبادرة للسلام” تهدف لإعادة ألف عائلة لاجئة سورية في لبنان إلى سوريا بضمانة روسية، كـ “خطوة اختبارية”.
وعُقد الاجتماع في فندق ريفييرا وسط إجراءات أمنية مشدّدة، وحضرته شخصيات برلمانية وأكاديمية تحت شعار “وطن موحد لكل السوريين”.
وأشارت صحيفة “الحياة” اللندنية حينها إلى أن الاجتماع هو “نتاج قنوات فتحها حزب الله على المعارضة السورية تحسبًا للمرحلة المقبلة ولاحتمال حصول تغييرات إقليمية- دولية حيال سوريا”.
وحصلت عنب بلدي على معلومات من فصيل “سرايا أهل الشام”، المنتشر في القلمون الغربي، شمال دمشق، حول تفاوضٍ مع “حزب الله” اللبناني، لإعادة لاجئين، لكنها تعثرت بعد إرسال المطالب إلى قياديين في الحزب.
أسباب احتجاز جواز السفر في لبنان
بحسب معلومات متقاطعة حصلت عليها عنب بلدي من الحقوقيين الذين حاورتهم، والحالات التي رصدتها، تتمثل أسباب احتجاز جواز السفر بما يلي:
– الاشتباه بجواز سفر مزوّر أو ارتكاب جرم ما من قبل الأجنبي (السوري)، يحتجز الأمن العام الجواز ريثما يتبين سبب التوقيف، وهذا حقه الطبيعي.
ولا يحق للأجنبي استرداد أوراقه الثبوتية، وجواز السفر، حتى الانتهاء من التحقيقات، وذلك في حال أوقف لسبب ما، الأمر الذي قد يستمر شهرين فأكثر.– الحجز أثناء التقدم لطلب الإقامة: توجد حالات لها تفسير قانوني، وهي التزوير الكلي أو الجزئي للجواز، أو تزوير ورقة الدخول إلى لبنان، ففي هذه الحالة يحتجز الأمن العام الجواز وقد يحتجز الشخص لغاية الانتهاء من التحقيق، وقد لا يستوقفه مكتفيًا بإحالته إلى القضاء.
– توجد حالات أخرى يمكن القول إنها عبارة عن سوء إدارة بحت، وكمثال على ذلك أشارت المحامية ديالا شحادة إلى موكلها السوري، الحامل للإقامة السويدية، إذ تعرض لمماطلة وطلب منه البدء بمعادلة استرداد للجواز، بمدة لا تقل عن شهر، ورغم وجود المحامي فإن السلطات لا تخبره بالتفاصيل ما يتسبب بتعقيد المعاملة.
– الإطالة في احتجاز جوازات السفر ربما تُعزى أحيانًا إلى ضغط العمل الذي يتعرض له الأمن العام اللبناني، من خلال الصلاحيات التي يقوم بها، فهو مسؤول عن إقامات الأجانب، بمن فيهم السوريون، الذين ازداد عددهم في السنوات الأخيرة، لذلك لا يمكن تلبية الخدمات ذاتها بالسرعة المطلوبة.
وبالتالي حرمانهم من الإقامة في بلد أوروبي أو من فرصة عمل أو فيزا، أو لم يعد بإمكانهم تجديد جوازات سفرهم كونهم لا يملكون إقامة سارية وجوازاتهم محتجزة.
تنسيق سوري- لبناني لـ “تحجيم أعداد الهاربين”
هنا تعتقد شحادة أنه لا يمكن افتراض وجود ضغط من قبل النظام السوري، أو معرفة ما “يحاك في الدهاليز السياسية السورية- اللبنانية”، ولكنه أمر غير مستبعد، كما هو الحال في جميع الدول التي فيها نزاع مسلح، إذ “تسعى الحكومات إلى تحجيم أعداد الهاربين خارج البلاد، بغية الإيحاء للمجتمع الدولي بأن الأوضاع الأمنية مستقرة، وكل شيء على ما يرام”.
رغم ذلك فشحادة لا تستبعد التنسيق بين النظام السوري والحكومة اللبنانية، فـ “مهما ادعينا السذاجة، العلاقات وطيدة بين النظام السوري والحكومة اللبنانية، وكنا نتمنى لو أنها (الحكومة اللبنانية) نأت بنفسها عن التدخل في هذا الأمر”.
كما يعتقد الحلبي أن هذه السياسة المتبعة من قبل جهاز الأمن تتعارض مع كل ما تقوم به الحكومة اللبنانية، التي تطالب المجتمع الدولي بحمل أعباء اللاجئين السوريين.
وأضاف الحلبي “صحيح أن السياسة العامة في لبنان تنأى بنفسها عن التدخل في المسألة، لكن الأمن العام ينسق تمامًا مع النظام السوري، كما يعتبر هو والمحكمة العسكرية اللبنانية أن ما يحصل في سوريا عبارة عن هجمات إرهابية تستهدف الحكومة الشرعية”، مشيرًا إلى أن الأمن العام “لا يعترف بوجود المعارضة أوالجيش الحر أو غيرهم، ويرى أنه يجب إيداعهم في السجون ومحاكمتهم، وإعادتهم إلى سوريا”.
ويضاف إلى هذا الموقف، حملات المداهمة التي يعلن عنها الأمن العام بشكل شبه يومي، وتستهدف مخيمات اللاجئين، ويقول الأمن العام في بياناته الرسمية إنه اعتقل لاجئين مخالفين أو لا يملكون أوراقًا ثبوتية.
“تطفيش” لا ترحيل
في ظل التناقض في التعامل مع السوريين في لبنان، توجهت عنب بلدي بأسئلة محدّدة حول ما إذا كانت هذه السياسة تعتبر “تطفيشًا”، بحسب المصطلح المتداول محليًا.
وأكّدت ديالا شحادة وجود سياسة “تطفيش” تجاه السوريين في لبنان، وقالت “هي ليست جديدة، بل بدأت مع بدايات عام 2015، مع تعميم قوانين الإقامات”.
وترى شحادة أن سياسة “التطفيش” تتخلل جميع الإجراءات التي تنتهجها الحكومة اللبنانية حيال السوريين، وهي لا تقتصر على احتجاز جواز السفر فحسب.
وأوضحت أنّ جميع القرارت المتخذة حيال إقامة السوريين، اعتبارًا من نظام الكفالة، وقرارات التسفير “التعسفية”، و”الشروط الغريبة”، تدل على ذلك.
ونوّهت إلى وجود “تناقض” في تعاملات الحكومة، فهي تشترط وجود “كفيلٍ باعتباره رب عمل، وبنفس الوقت تطالب اللاجئين بعدم العمل”.
وكمثال على “التناقض” قالت شحادة “يوجد سوري لديه في حسابه بالمصرف حوالي 200 ألف دولار تطالبه الحكومة التعهد بعدم العمل أو الترحيل، فوزارة العمل لا تمنحه الإذن وجهاز الأمن يطلب منه كفالة رب عمل”.
وأضافت أن “الدليل القاطع على (التطفيش) هو وجود قرارت تسفير للسوريين، لكن دون ترحيل، إذ لا بد للحكومة اللبنانية من حفظ ماء وجهها أمام المجتمع الدولي والإنساني، فلا يمكنها ترحيل اللاجئين إلى بلد فيه قتل وتعذيب”.
ماذا تفعل الحكومة بهذه الحالة؟ تتساءل شحادة وتجيب “تصدر قرارت تعجيزية، وتلاحق السوري غير الحامل للإقامة على الحواجز وتعتقله لأن وضعه غير قانوني، لغاية أن يترك البلد بنفسه، أو لا يخرج من منزله، ولكنه أمر مستحيل، فهو مضطر للخروج للاستمرار في الحياة والعمل، وإلا كيف عليه أن يعيش؟”.
السوريون زادوا الاستهلاك 50% في لبنان
وترى المحامية شحادة أنّ سياسة “التطفيش” المتبعة من قبل الحكومة اللبنانية، “غير حكيمة”، فهذا “خاطئ من الناحية الاقتصادية، بغض النظر عن الجانب الإنساني والقانوني والأخلاقي، ونظرًا إلى المعدلات الاقتصادية، بوجد زيادة بنسبة 50% تقريبًا في الاستهلاك”.
وأضافت شحادة أن المصرف الدولي نظم تقريرًا لم ينشر بعد، يؤكّد أن الوجود السوري في لبنان “خلق توازنًا في العجلة الاقتصادية بفضل زيادة الاستهلاك، سواء من خلال المواد المرسلة لدعم العملية الإغاثية في لبنان، أو من قبل ما يرسله المغتربون إلى عائلاتهم وأقاربهم في لبنان”.
وفائدة الحكومة اللبنانية اقتصاديًا من الوجود السوري لا تقتصر على الجانب الاستهلاكي، إذ هناك الدعم المقدم بهدف تحسين مستوى البنى التحتية في المناطق التي تستقبل لاجئين سوريين بكثرة في لبنان.
وهو ما ذهب إليه رئيس الحكومة، سعد الحريري، حين طالب بأن يكون لبنان مستقبلًا قاعدة انطلاق مهمة لعمليات إعادة الإعمار في سوريا، إلا أن ذلك يتطلب دعم البنية التحتية في لبنان بـ “برنامج استثماري كبير”.
تصريحات الحريري كانت في 20 آذار الماضي، خلال اجتماع لـ “اللجنة العليا التوجيهية لمواجهة أزمة اللاجئين السوريين”، والتي تشكلت إثر مؤتمر “لندن” العام الماضي، وتضم لبنان وممثلين عن الدول المشاركة في المؤتمر ومديري المنظمات التابعة للأمم المتحدة والبنك الدولي.
وكان لبنان، تقدّم العام الماضي خلال مؤتمر “لندن”، بطلب 11 مليار دولار من الدول المانحة التي كانت مشاركة في الاجتماع، ضمن خطّة من أربعة محاور تشمل دعمًا للاقتصاد اللبناني، إلى جانب الدعم المقدّم على اسم اللاجئين السوريين.
ويأمل الحريري بالحصول على ضمانات لتقديم مساعدات إضافية للبنان خلال مؤتمر “بروكسل”، الذي عقد في 5 نيسان الجاري، داعيًا المجتمع الدولي “لتجييش الدعم لبرنامجنا الحيوي على شكل مساعدات وقروض ميسرة، إضافة إلى ضمان المساعدات الإنسانية لما بعد العام 2017”.
السوريون لاجئون أم مهاجرون؟
تتعامل الحكومة اللبنانية مع السوريين بـ “ازدواجية”، بحسب توصيف المحامية ديالا شحادة، فهي تعتبرهم لاجئين أثناء تفاوضها مع المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وفقًا للبروتوكول الموقع مع الأمم المتحدة، لتكون المفوضية هي كفيلتهم وعليها تسهيل العملية الإغاثية داخل لبنان.
لكن الحكومة من ناحية أخرى تتعامل مع السوريين كمهاجرين اقتصاديين، من ناحية نظام الكفالة والرسوم السنوية المشروطة عليهم.
وحمّلت شحادة هذه “الازدواجية” إلى سوء الإدارة اللبنانية قائلة “من وجهة نظري يوجد مشكلة حقيقية على مستوى الإدارة والسياسة في لبنان يجب أن تحل، فيكون ذلك أفضل للسوري الذي قدم إلى لبنان، ليس من أجل العمل بل بهدف الحماية، ومن أجل لبنان كحكومة ساهمت في إعادة صياغة الإعلان العالمي لحقوق اللاجئين عام 1948، من بين أربع دول”.
وتابعت أنه “من المحزن أن تكون لبنان دولة ساهمت بصياغة الإعلان العالمي، والآن تتعامل مع لاجئ هارب من الحرب على أنه جاء من بلد عادي لا يوجد فيه مشاكل ويمكنه السفر متى يشاء”.