تأجيل الخدمة العسكرية.. ملايين تملأ جيوب الضباط السوريين

سحب عدد من شباب الأحياء الشرقية بحلب إلى الخدمة العسكرية (رويترز

camera iconسحب عدد من شباب الأحياء الشرقية بحلب إلى الخدمة العسكرية (رويترز

tag icon ع ع ع

عنب بلدي – مراد عبد الجليل

تتكرر الحملات ضدّ من بقي من الشباب داخل سوريا من أجل سَوقهم إلى الخدمة في صفوف قوات الأسد، ترافقها إشاعات الإعلان عنالنفير العاموضرورة التحاق من أعمارهم بين 18 و42 عامًا بالخدمة العسكرية، تحت عنوانالدفاع عن الوطن ضد الإرهابيين، دون استثناء أحد، طالبًا كان أم موظفًا.

الخوف من الالتحاق في صفوف قوات الأسد دفع الآلاف من الشباب، وخاصة المتخلفين، إلى السفر خارج سوريا إما إلى دول الجوار أو اللجوء إلى أوروبا.

أما من رغب بالبقاء داخل مناطق النظام، فعمد إلى تفادي السَّوق بدفع مبالغ كبيرة إلى ضباط وعناصر في شعب التجنيد، ما فتح أمامهم “باب رزق” يدر على جيوبهم الملايين، غير آبهين بالقوانين والقرارات الصادرة عن وزارة الدفاع بمنع التأجيل لأحد.

400 ألف ليرة لقاء وثيقة تأجيل

ضيّق النظام السوري الخناق على الشباب من خلال إصدار قوانين تصعّب عليهم تأجيل الخدمة العسكرية، بعد أن صعّب الحصول على “إذن سفر” للراغبين بالخروج من سوريا.

مصدر في “شعبة تجنيد حمص الوسطى”، رفض كشف اسمه، قال لعنب بلدي إن قوانين وقرارات وزارة الدفاع رفعت أسعار الحصول على وثائق التأجيل من شعب التجنيد، فالطالب الجامعي الذي استنفد سنوات الدراسة (راسب أكثر من السنوات المحددة له)، ولم يعد بمقدوره التأجيل، يضطر لدفع 400 ألف ليرة سورية، من أجل الحصول على وثيقة.

أما الطالب الذي أنهى دراسته الجامعية، ويريد الحصول على “إذن سفر”، فعليه دفع 200 ألف ليرة للحصول على “كفالة سفر”، بالإضافة إلى الرسوم التي تبلغ 50 ألف ليرة، وتدفع في أحد المصارف التابعة لوزارة الدفاع.

وكان مصدر مسؤول في مجلس الشعب قال لصحيفة “الوطن”، المقربة من النظام، في آب العام الماضي، إن المجلس خفّض كفالة السفر إلى 50 ألف ليرة، بعد أن كانت 300 دولار (حوالي 150 ألف ليرة).

المصدر أكد أن الطالب الجامعي الذي يملك وثيقة تأجيل من الكلية ولكنه رسب ثلاث سنوات متتالية، يضطر إلى دفع 250 ألف ليرة للحصول على تأجيل مدته ستة أشهر فقط، كون القانون لا يسمح للطالب الذي لم يجتز السنة الجامعية بنجاح خلال سنتين التأجيل مرة أخرى.

“باب الرزق” الذي فُتح لعدد من عناصر شعب التجنيد والضباط المسؤولين لم يكن كافيًا، فتجاوزوه إلى طلب المال من الطلاب الذين يملكون وثائق تأجيل نظامية من الجامعة وأمورهم قانونية. ويهدّد الموظفون الطلاب بعرقلة أوراقهم وعدم تأجيلهم، وبالتالي سَوقهم إلى الخدمة العسكرية، ما يضطر الطالب إلى دفع 100 ألف ليرة، بحسب ما قاله المصدر.

ملايين لكفّ الاحتياط

إلى جانب طلاب الجامعة، بات هاجس الخدمة الاحتياطية يؤرّق الكثير من السوريين، الذين لا تزيد أعمارهم عن 40 عامًا، كون العمر المطلوب للاحتياط يصل حتى 42، وسط إشاعات عن رفعه إلى 50 عامًا.

حملات الاحتياط المكثفة التي يديرها النظام السوري في الأشهر الأخيرة، خاصة بعد إعلانه عن تشكيل “الفيلق الخامس- اقتحام”، من أجل ما تصفه الرواية الرسمية بـ ”القضاء على الإرهاب”، في تشرين الثاني العام الماضي، دفعت ميسوري الحال إلى دفع مبالغ تصل إلى الملايين، من أجل “كف البحث”، خوفًا من زجهم في الصفوف الأولى في قتال فصائل المعارضة السورية.

الشاب خالد يوسف (اسم مستعار)، يبلغ من العمر 35 عامًا، اضطر لدفع مبلغ عشرة آلاف دولار (ما يعادل خمسة ملايين ونصف المليون ليرة سورية)، من أجل حذف اسمه من قائمة الاحتياط.

وقال يوسف، الذي يملك عقارات في منطقة مساكن برزة بدمشق، لعنب بلدي، إنه اضطر لتأمين “واسطة” عبر أحد أصدقائه المقربين من الضباط، ودفع المبلغ مقابل إعفائه من الاحتياط من وزير الدفاع، مشيرًا إلى أن المبلغ “ تسعيرة خاصة” كون “الواسطة” صديقه، في حين أن كف البحث يكلف بين 12 و15 ألف دولار (سبعة إلى تسعة ملايين ليرة سورية بسعر الصرف 540).

أما جهاد الأحمد، البالغ من العمر 33 عامًا، والعائد من تركيا إلى سوريا العام الماضي، فأكد لعنب بلدي أنه تفاجأ بعد عودته بخمسة أشهر باتصال من شعبة التجنيد، يطالبه بضرورة الالتحاق بخدمة الاحتياط، ما دفعه للبحث عن “واسطة” للإعفاء.

وأضاف الأحمد أنه توصّل إلى أحد السماسرة المتعاونين مع الضباط، فطلب منه مليون ليرة من أجل تحويل خدمته إلى “إدارية” في القضاء العسكري بدمشق.

الدولة لا تستفيد

محمد، محامٍ مطلعٌ على قضايا التأجيل، رفض ذكر اسمه الكامل، قال إن أحد الأشخاص سيق إلى خدمة الاحتياط، ووضع في الصفوف الأولى بمواجهة تنظيم “الدولة” في منطقة زنوبيا بتدمر بريف حمص الشرقي، ما اضطره إلى دفع مبلغ 2.3 مليون ليرة من أجل الحصول على إجازة.

محمد أكّد أنه في زمن الحروب والأزمات يلغى العمل بالقوانين وتحلّ محلها حالة الطورائ، وبالتالي تلغى الرشاوى والمحسوبيات من أجل “الدفاع عن الوطن”، وتساءل: كيف يصدر قانون ينظُم الخدمة الإلزامية وحالات التأجيل، ثم يحصل شخص على استثناء من وزير الدفاع؟

إلا أن المحامي وسام عودة أشار إلى أن الرشاوى لم تغب في سوريا، “لأنها حربٌ بين النظام وشعب أعزل، وليست حرب دول”، وبالتالي هناك ضباط يستفيدون من المبالغ المالية التي تدفع من قبل أشخاصٍ ميسوري الحال أو أصحاب سلطة، أما الشباب “العاديون” فترفض معاملات تأجيلهم.

وحول رفد خزينة الدولة من هذه المعاملات، أكّد عودة لعنب بلدي أن الأموال لا تذهب إلى الخزينة وإنما لجيوب الضباط المرتشين.

وباستمرار النظام لحملات الاحتياط بحجة الدفاع عن البلاد، في ظل “الهجمة الشرسة” التي تتعرض لها، يرى البعض أنها تهدف إلى تهجير المزيد من الشباب خارج سوريا، ولكسب الأموال من المواطنين.

نجاح

شكرًا لك! تم إرسال توصيتك بنجاح.

خطأ

حدث خطأ أثناء تقديم توصيتك. يرجى المحاولة مرة أخرى.




مقالات متعلقة


×

الإعلام الموجّه يشوه الحقيقة في بلادنا ويطيل أمد الحرب..

سوريا بحاجة للصحافة الحرة.. ونحن بحاجتك لنبقى مستقلين

ادعم عنب بلدي

دولار واحد شهريًا يصنع الفرق

اضغط هنا للمساهمة