هجرة عكسية
سوريون أنهوا “حلم أوروبا” بالعودة
عنب بلدي – ر. ك.
من سوريا إلى تركيا إلى أوروبا ومنها إلى سوريا، طريق بحري ترسخت معالمه في عقول بعض السوريين الفارين من الصراع، مدفوعين بأمل الحصول على شروط معيشية تضمن أمنهم ومستقبلهم.
وبعد رحلة مكلفة تحدّوا فيها خطر الغرق في البحر، لم تكن “المغريات الأوروبية” كفيلة بإقناع البعض للبقاء على أراضي الاتحاد الأوروبي، مرجحين كفة العيش بظروف النزاع وتبعاته على كفة الأمان.
منار العميد، شابة سورية خريجة جامعة دمشق قسم العلوم التطبيقية، غادرت دمشق بعد أن عجزت عن إيجاد فرصة عمل، وقررت كغيرها الهجرة إلى أوروبا لتتلقى “اهتمامًا علميًا”، إلا أنها عادت إلى دمشق بـ “خيبة أمل”.
“تشديد إجراءات اللجوء دفعتنا للعودة”
وصلت منار إلى تركيا عبر مطار بيروت، وهناك استقلت المركب (البلم) مع مجموعة من المهاجرين إلى جزر اليونان، ومنها عبروا غابات أوروبا سيرًا على الأقدام وصولًا إلى النمسا، في تشرين الأول عام 2015.
تحدثت عنب بلدي إلى منار، التي وصفت الرحلة بأنها “مرعبة وخطرة للغاية”، وقالت إنهم أوشكوا على الغرق بعد أن انفجر محرك “البلم” في البحر.
وبعد وصولها إلى “الكامب” في النمسا، لم تجد مكانًا شاغرًا للإقامة، فوضع أحد الأشخاص هناك إعلانًا على “فيس بوك” يدعو النمساويين لاستقبالها في بيوتهم، وبالفعل أقامت لدى عائلة مكونة من أم وابنتها.
إلا أنهم وبعد شهرين اعتذروا وطلبوا منها مغادرة المنزل بسبب قدوم ضيفة للإقامة عندهم، واضطرت للانتقال إلى عائلة أخرى، قالت إنهم أزعجوها ولم يعاملوها بطريقة “لبقة”.
أشارت منار إلى أن السبب الرئيسي الذي دفعها للعودة إلى سوريا هو عدم حصولها على المساعدات المالية، بسبب تشديد إجراءات اللجوء في الفترة التي تقدمت فيها بطلب لجوء.
إذ شهد مطلع عام 2016 تقييد الدول الأوروبية لقوانين اللجوء، وتشديد الرقابة على حدودها بعد الاتفاقية التي عقدها الاتحاد الأوروبي مع تركيا، في آذار 2016، لوقف تدفق اللاجئين عبر بحر إيجة.
وقالت منار إنها كانت تراجع المنظمات ومراكز اللاجئين أسبوعيًا، وكل مرة يقولون لها إن اسمها “غير مسجل لديهم بعد”.
وأضافت “كنت أعيش من المبالغ التي ترسلها لي أسرتي من سوريا، إلا أنه وبسبب فرق العملات بين الليرة السورية واليورو، لم تستطع عائلتي مواصلة تحويل المال”، فاضطرت بعد أربعة أشهر إلى العودة لسوريا.
مخالفات باليورو.. والمساعدات “لم تكفِ“
يعاني اللاجئون في الدول الأوروبية من “صرامة” القوانين واختلافها عن تلك السائدة في بلادهم، إذ غالبًا لا يعيرون انتباههم لبعض التصرفات التي يحرّمها القانون الأوروبي.
يامن الحموي ، لاجئ سوري أثقلته المخالفات في ألمانيا، والتي لم يستطع التعود عليها بحسب ما قال لعنب بلدي.
وصل يامن إلى ألمانيا في كانون الأول 2015، ولم يستطع إكمال عامه الثاني فيها، رغم حصوله على إقامة لمدة ثلاث سنوات.
وأشار يامن (19 عامًا) إلى أنه واجه صعوبات عدة في تعلم اللغة الألمانية والاندماج بالمجتمع الجديد، إلا أن ما دفعه للعودة إلى دمشق هو عدم قدرته على المخالفات التي كانت تأتيه نتيجة “جهله” بالقانون الألماني.
“حصلتُ على مخالفة بقيمة 800 يورو لأني حمّلت أغنية على هاتفي المحمول لديها حقوق ملكية فكرية، وهو ما يمثل ضعف المعونات المالية التي كنت أحصل عليها شهريًا”، قال يامن.
قوانين ألمانية “صارمة” لم تستثنِ اللاجئين
عنب بلدي تواصلت مع عمر شهاب، سوري مطّلع على شؤون اللاجئين في ألمانيا، والذي أوضح أن القوانين الألمانية “صارمة” فيما يتعلق بحقوق النشر والملكية الفكرية.
إذ تنص المادة رقم 63.2 من القانون الألماني، والصادرة عن الجهاز التشريعي بعد آخر تعديل عام 2002، إلى عدم تساهل الأحكام مع خروقات حقوق الملكية الفكرية للمؤلف، بما فيها التأليف الأدبي أو الموسيقي.
وتتراوح الغرامة بحسب المادة بين 800 وخمسة آلاف يورو، وقد تصل إلى العقوبة بالسجن بين ثلاثة إلى ستة أشهر.
من جهتها، طالبت يوليا ريبيرغ، اختصاصية قانونية لدى مكتب شؤون المستهلكين، خلال حديثها لوكالة الأنباء الألمانية (د.ب.أ) في آذار 2016، بضرورة تحذير اللاجئين من خروق الملكية الفكرية قبل تغريمهم.
وأكدت ريبيرغ إلى وجود حالات أُجبر فيها لاجئون على دفع غرامات مالية بسبب تبادل البيانات “غير القانوني”.
ولفت المحامي هنينغ فيرنر، خلال حديثه مع الوكالة أيضًا، إلى أن اللاجئين لن يكونوا معرضين بذلك لفقدان إقاماتهم، وسيكتفي القانون بتغريمهم ماليًا.
وبحسب إحصائيات شركة “أوستيو” الألمانية للخدمات والاستشارات، فإن أكثر من 150 مليون يورو، تُدفع سنويًا، غرامات خرق حقوق الملكية في ألمانيا.
“هاجس” لم الشمل يلقي بظلاله على العودة
عمر شهاب ذكر لعنب بلدي أهم الأسباب التي دفعت بعض اللاجئين إلى إلغاء طلبات لجوئهم ومغادرة ألمانيا، وقال إن أهمها “الإقامة الثانوية” التي استحدثتها الحكومة الألمانية للسوريين في آذار 2016.
وهي عبارة عن إقامة لمدة سنة قابلة للتجديد، تشترط على اللاجئ العودة في حال انتهت الحرب ببلده، ولا يحق للحاصل عليها استقدام عائلته وتقديم طلب لم الشمل.
وبحسب عمر، فإن عددًا من الشباب المتزوجين لم يستطيعوا ترك زوجاتهم وأطفالهم، خاصةً أن نسبة منهم تركوا عوائلهم في تركيا بمفردهم.
ومن جهة أخرى، عانى بعض حملة الشهادات من عدم الاعتراف بهم في الجامعات الألمانية وعدم إيجاد الاهتمام الذي كانوا يتوقعونه، وأوضح عمر أن شهادة البكالوريا الأدبي غير معترف بها في ألمانيا، وكذلك بعض الشهادات الجامعية مثل الحقوق واللغات غيرها.
أما عن الاندماج بالمجتمع الأوروبي فلم يستطع بعض السوريين الخارجين من بيئات محافظة التأقلم مع مجتمع قائم على الانفتاح وحرية الفكر والعقيدة، وفضل بعضهم تربية أبنائهم في البيئة التي عاشوا فيها حتى وإن كانت أقل أمنًا.
مبالغ مالية للراغبين بالعودة “طوعًا“.. السوريون مستثنون
بعد سياسة “الباب المفتوح” التي اتبعتها المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل، تجاه اللاجئين، توجهت أصابع الاتهام نحوها بتحميل بلادها أعباءً اقتصادية وتعريضها لخطر “الإرهاب”، ما دفع الحكومة إلى إطلاق برامج مساعدات مالية بقيمة 150 مليون يورو، نهاية العام الماضي، لتحفيز اللاجئين على العودة “طوعًا” لبلادهم.
وبموجب البرنامج، يُمنح كل لاجئ يزيد عمره عن 12 عامًا، مبلغ 1200 يورو، في حال قرر سحب طلب لجوئه والعودة إلى بلاده.
بينما يمنح طالبو اللجوء الذين رفض طلب لجوئهم مبلغ 800 يورو، في حال قرروا العودة إلى بلدانهم، وعدم الطعن في قرار رفض الطلب خلال المدة المسموح بها.
إلا أن يامن الحموي أكد أنه لم يحصل على أي مبلغ أثناء عودته إلى سوريا، وأن هذه الحوافز تُقدّم للاجئين الأفغان والقادمين من دول البلقان وشمال إفريقيا.
إذ غالبًا لا تحبذ الحكومة الألمانية عودة السوريين إلى بلدهم بسبب النزاعات الدائرة هناك، ومعظم العائدين خرجوا منها دون إلغاء طلبات لجوئهم، وذلك من المطارات الألمانية إلى اليونان ومنها هُرّبوا إلى تركيا، ثم إلى بيروت ومن بيروت برًّا إلى دمشق.
مجموعات في “فيس بوك” تحت عنوان “الهجرة العكسية“
رصدت عنب بلدي عبر الشبكة الاجتماعية “فيس بوك” مجموعات عدة تقدم نصائح ومعلومات حول كيفية العودة من أوروبا إلى اليونان ثم تركيا، مثل مجموعة “كراجات الهجرة العكسية” (وفيها ما يزيد عن 22 ألف عضو)، و”الهجرة العكسية من أوروبا إلى اليونان وتركيا”، وغيرها.
وخلال اطلاعنا على منشورات المجموعة عبّر أشخاص عدة عن رغبتهم بالخروج من ألمانيا، وبالمقابل تساءل آخرون عن كيفية الوصول من تركيا إلى اليونان ثم ألمانيا.
وعرض “مهربون” في المجموعات إعلانات عن تسييرهم لرحلات من اليونان إلى تركيا، رغم تشديد البلدين الإجراءات على الحدود البحرية.
عمر شهاب قال إن المهربين دائمًا ما يكتشفون طرقًا بحرية خارجة عن الرقابة، إلا أنه حذر العائدين إلى دمشق عبر مطار بيروت من احتجاز أمن المطار لهم.
وهذا ما حدث مع منار العميد، والتي لفتت إلى أن أمن مطار بيروت احتجزها 48 ساعة في غرفة مظلمة، تحت ذريعة التحقق من عدم ضلوعها بأي “عمل إرهابي”، ثم نُقلت في باصات إلى الحدود السورية وسُلّمت إلى الأمن السوري والذي سمح لها بدخول الأراضي السورية، حسبما قالت.
ووصل إلى أراضي الاتحاد الأوروبي، حتى نهاية عام 2015، ما يزيد عن 350 ألف لاجئ سوري تقدموا بطلبات لجوء فيها، حسب إحصائية مفوضية شؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة.
وبالرغم من رغبة البعض بالعودة منها، إلا أن أعدادهم لاتُقارن بأولئك الراغبين بالخروج من سوريا والفرار من الظروف الأمنية والاقتصادية والاجتماعية المتردية.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :