محمد صافي – حماة
لا شيء سوى صفير الرياح يحوم حول ثلاثة أطفال يبحثون بين أكياس القمامة عن شيء يسدّ رمقهم في حي كرم الحوراني، لكن صوت انفجار مدوٍّ هزّ المنطقة وجعل الناس يهرعون إلى المكان، حيث وجدوا أجساد الأطفال الثلاثة الغضة تحولت لأشلاء متناثرة حول حاوية القمامة.
عبوة ناسفة وضعت داخل الحاوية كانت السبب في مقتلهم يوم الاثنين 2 كانون الأول الجاري، الأمر الذي تكرر في أحياء حماة المدينة، الواقعة تحت سيطرة الأسد، والهدف غالبًا هو الأطفال، ففي حي الكرامة أسفر انفجار عبوة في حاوية القمامة إلى مقتل عامل النظافة في الحي، كما انفجرت عبوة أخرى في مدرسة فاطمة السقا راح ضحيتها 4 أطفال وأكثر من 12 جريحًا منتصف تموز العام الفائت، بينما انفجرت الثالثة بين أكياس القمامة على مدخل أحد الأبنية، مسفرة عن جرح رجل وأضرار مادية بالسيارات.
وفي حي غرب المشتل انفجرت عبوة ناسفة على باب مدرسة بسام حمشو مطلع العام الدراسي الحالي، ومنذ أيام انفجرت عبوة أخرى في حي القصور أسفرت عن أضرار مادية فقط، وأول أمس الجمعة انفجرت أيضًا عبوة أخرى في حي الصابونية سببت بعض الأضرار المادية.
ويدأب إعلام النظام دوريًا على التصريح بتفكيك عبوات ناسفة «زرعها مسلحون» في أحياء حماة، كان آخرها «تفكيك عبوات ناسفة في حي المرابط زرعتها العصابات المسلحة». من جهته يفسر عضو المكتب الإعلامي لمجلس قيادة الثورة «سامي الحموي» لعنب بلدي تفجير العبوات في المدينة وتفكيكها، بأن جنود الأسد يحاولون التهرب من الالتحاق بالجبهات المشتعلة في حلب أو غيرها، بافتعال هذه التفجيرات وتفكيك العبوات كما تفتعل اشتباكات ليلية وهمية، مؤكدًا على عدم وجود كتائب من الجيش الحر داخل المدينة. ويشير «الحموي» إلى تعداد قوات الأسد الكبير داخل المدينة، إذ ينتشر على أكثر من 200 حاجز، ويضيف أن هذه الممارسات تهدف أيضًا إلى «إلصاق التهم بالثوار والعمل على تحريض الناس على كتائب الجيش الحر».
ويشرح «الحموي» كيف يستطيع جنود الأسد زرع العبوات دون أن يعرف أحد مكانها، حيث يعتمدون زراعتها أثناء حملات المداهمة اليومية التي تشنها على الأحياء، إذ تكون الشوارع خالية من الأهالي خوفًا من الاعتقال، مايسهلآلية زراعتها.
زرع العبوات داخل الحاويات وتجمعات القمامة يستهدف شريحة من المواطنين، اضطروا للبحث عن بقايا الطعام داخل أكياس القمامة، وقد استفحلت هذه الظاهرة في المدينة مؤخرًا، ما زرع الخوف في قلوب الأهالي اضطرتهم لعدم إرسال أطفالهم إلى المدارس، وآخرون يحملون أطفالهم الوصايا والتعليمات يوميًا «لا تقربوا على التراب، ولا تقتربوا من الأكياس السوداء والحقائب المرمية في الشارع».
فأبو محمد، الأب لثلاثة أطفال، فضّل إبقاء أولاده في المنزل، وتأجيلهم عامًا دراسيًا كاملًا على أمل أن تتحرر حماة، وتكون الحال أفضل في العام المقبل. ويردف أبو محمد أن إدارة المدرسة «وعدتنا بأن تقوم بتركيب كاميرات مراقبة»، لكن هذا لا يكفي فمن يقوم بهذا الفعل «هم شبيحة النظام وهم يستطيعون الوصول لأي مكان يريدون في أحياء حماة»، مشيرًا إلى أن جميع الدوائر الحكومية والمدارس صارت مليئة بكاميرات المراقبة، لكن ظاهرة العبوات الناسفة لم تتوقف.
تفجير العبوات على هذه الصورة يؤكد أن لا منطقة آمنة اليوم في سوريا، بما فيها المناطق التي تخضع لسيطرة الأسد.