بلغة جديدة طرح المعارض السوري ورئيس “منصة القاهرة”، جهاد مقدسي، رؤيته مع التوعّد الأمريكي بضرب الأسد عسكريًا، على خلفية مجزرة الغازات السامة في خان شيخون، فركّز على “الحفاظ على سوريا، وليس كره الأسد.. التركيز أكثر على السوفت وير، وليس الهارد وير”.
مسؤول السفارة السورية في العاصمة لندن لخمس سنوات، والناطق الرسمي باسم النظام السوري بعد أشهر من انطلاقة الثورة السورية، اختفى في الفترة التي تلت منصبه الدبلوماسي “الرفيع”، ليبدأ رحلة “المعارضة الخجولة” كما أسماها بعض نظرائه المعارضين في كانون الأول 2012.
وتبنى المقدسي فكرًا واحدًا هو “الحوار”، ودعا إليه في أيامه الأولى من “الانشقاق”، وتمسك به حتى يومنا الحالي.
في جلسة حوارية في مركز “كارنيغي” للدراسات في واشنطن، اعتبر مقدسي أنه “يجب أن نكون أكثر براغماتية، بدلًا من الفوز بتوجيه ضربة قاضية للنظام… يمكننا الفوز من خلال التركيز على بعض النقاط ووضع أولويات الانخراط في محادثات جنيف، وتقاسم السلطة في سوريا”.
سياق واحد مترابط أشار إليه المعارض السوري خلال الجلسة، بالتركيز على “السوفت وير” وليس “الهارد وير”. و”السوفت وير” هنا هو الدستور السوري، فلا بد من “وجود نصوص تنتقل من النظام الديكتاتوري إلى الديمقراطي”.
درس مقدسي في المدرسة العليا للإدارة في العاصمة الفرنسية باريس، وحاز على الماجيستر في الدبلوماسية والعلاقات الدولية في 2009 من جامعة “وستمنستر” في بريطانيا، ليرفع فيما بعد إلى درجة الدكتوراة في الدراسات الإعلامية من الجامعة الأمريكية بلندن.
ردود فعل من شخصيات معارضة “ندّدت” برؤية مقدسي، خاصةً وأنه لم يحدّد موقفًا واضحًا من قصف بلدة خان شيخون بالغازات السامة.
لكن التصريحات لم تخرج عن طروحات المقدسي السابقة، فموقفه السياسي واحدٌ من الساعات الأولى لخروجه من سوريا، والتي رأى حينها أن “المخرج الوحيد للأزمة في سوريا هي عملية التغيير السلمي، المبنية على الحوار الوطني بين أبناء الوطن الواحد، بعيدًا عن الكراهية والتطرف والتدخل العسكري الخارجي”.
بعد حوالي سنتين من الثورة السورية، وانتقالها إلى “النزاع المسلح”، ظهر المعارض مقدسي في مقابلة مع صحيفة “نيويورك تايمز” (كانون الثاني 2014)، وقال إن “الدبلوماسي عليه أن يخدم بلاده لا أن يكون محاميًا يقبل أي دعوى تقدم له”.
وأضاف “عندما اتجهت الأمور نحو صراع مسلح في سوريا دون أن يُترك المجال للسياسة، رفضت أن أكون محاميًا لطرف واحد، وانتصر الدبلوماسي في داخلي”.
لم تمر ساعات قليلة على حديث مقدسي في “كارنيغي”، حتى ردّ المستشار القانوني للجيش السوري الحر، أسامة أبو زيد، وكتب عبر “فيس بوك”، “اليوم السيد جهاد مقدسي رفض تقريبًا توجيه ضربة عسكرية للنظام، ودعا للتركيز على الحل السياسي، وليس على ردات الفعل المبنية على الغضب”.
وأضاف أن مقدسي “أنكر بصفته متحدثًا باسم النظام المجرم مجازر التريمسة والحولة والقنيبر، وأكد في مؤتمر صحفي آخر عدم استعمال النظام ونيته استعمال السلاح الكيماوي، وحذّر من أن الجماعات الإرهابية ربما تستعمل سلاحًا جرثوميًا ليتم اتهام النظام بارتكاب الجريمة من أجل الضغط عليه”.
في حين تساءل المعارض السوري، غسان إبراهيم عن “ماذا يريد مقدسي”، كما شبهه المعارضة السوري، ماهر شرف الدين بـ “الجاسوس برتبة معارض”، معتبرًا أن “هذا المعارض فهمان المعارضة بالمقلوب.. أن تعارض كل ما يهدّد نظام الأسد!”.
بعد الاتهامات التي وجهت إليه، عاد مقدسي اليوم، ليوضح ما ذكره ويؤكد عليه، وقال “بقدر ما أدين القصف الجوي الذي أدى لاستشهاد المدنيين السوريين في خان شيخون وفي كل بقعة سورية، لا يمكن لي أبدًا أن أرحب تحت أي مسمى بضربة عسكرية لبلادنا”.
وختم بـ “قد تضيق مساحة العقل ويغيب الاعتدال، وتستمر الخصومة مع السلطة ، لكن لن ننحاز للوهم، وستبقى كرامتنا من كرامة تراب بلدنا”.